تعتبر موازنات التعليم والصحة والبحث العلمي “باروميتر اختبار” لتوجه الدولة إزاء التنمية البشرية، خاصة في ظل وجود نص دستوري يحدد الإنفاق على الصحة بنسبة 3% من الناتج المحلي كحد أدنى، مع زيادة سنوية ترفعه للنسب العالمية التي تتراوح بين 6 و7%، وكذلك مع التعليم ليبلغ 4% من الناتج المحلي كحد أدنى.

تعد موازنات الصحة والتعليم والبحث العلمي شائكة في ظل تشعب القطاعات التي تضمنها، علاوة على جدليات حول مدى نسبة الأجور في إجمالي المخصصات، مقارنة بالاستثمارات التي تمثل العنصر الأهم باعتبارها مرتبطة بتوفير البنية التحتية وكذلك أداء الأنشطة التعليمية والعلمية، وهي الأكثر التصاقًا بالجمهور بشكل عام.

يتضمن قطاع الصحة في مصر: المستشفيات والعيادات الخارجية، المستشفيات المتخصصة، المراكز الطبية ومراكز الأمومة، الصحة العامة، البحوث والتطوير بمجال الشئون الصحية، ويشمل العديد من الجهات الرئيسية مثل: وزارة الصحة، مديريات الشئون الصحية بالمحافظات، المستشفيات العامة، المستشفيات الجامعية، المراكز الطبية المتخصصة، الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية، هيئة الدواء المصرية، الإسعاف، معهد بحوث أمراض العيون، صندوق علاج الإدمان، الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية.

الأمر ذاته، ينطبق على قطاع التعليم في الموازنة العامة للدولة الذي يتضمن: التعليم قبل الجامعي بمراحله كافة، التعليم العالي، التعليم غير المحدد بمستوى، خدمات مساعدة التعليم، البحوث والتطوير بمجال التعليم، ويشمل جهات رئيسية مثل: وزارة التربية والتعليم، مديريات التربية والتعليم بالمحافظات، وزارة التعليم العالي، الجامعات، المركز القومي للبحوث التربوية، المركز القومي للامتحانات، الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، الهيئة العامة للأبنية التعليمية، صندوق تطوير التعليم.

الموازنة.. هل تعكس التوجه نحو الوصول للنسب العالمية؟

تبلغ مخصصات الصحة 397 مليار جنيه بزيادة 92.4 مليار جنيه عن مخصصات الاستحقاق الدستوري المحدثة بموازنة العام المالي 2022/2023، كما تمت زيادة مخصصات التعليم قبل الجامعي بـ 75.4 مليار لتصل الى 392.4 مليار جنيه، والتعليم العالي والجامعي بنحو 40.4 مليار جنيه لتصل الى 199.5 مليار جنيه، والبحث العلمي بنحو 14.8 مليار جنيه لتصل إلى 99.6 مليار جنيه.

شهدت الشهور التسعة الأولى، من العام الماضي، زيادة كبيرة في مخصصات قطاعي التعليم والصحة لتنمو بشكل سنوي بلغ نحو 14.7% و10.5% على التوالي لتصل المخصصات الموجهة لكل قطاع الى 151 مليار جنيه و93 مليار جنيه على التوالي، في خطوة وصفتها وزارة المالية بأنها انعكاس للاهتمام بتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وزيادة الإنفاق على التنمية البشرية بجميع المحافظات.

أوجه الإنفاق

لكن لقراءة أكثر دقة لموازنات التعليم والصحة والبحث العلمي، يتم الاعتماد على التقسيم الوظيفي للموازنة الذي يعكس الأنشطة التي سيتم الإنفاق عليها أو بمعنى أخر يُقسم الإنفاق وفقًا لكل هدف أو مشروع، ويستبعد باقي الإنفاق على عكس التصنيف الاقتصادي الواسع الذي يتضمن المصروفات العامة بجانب حيازة الأصول، وسداد القروض.

بحسب ذلك التصنيف (الوظيفي)، تبلغ مصروفات الصحة 147.8 مليار جنيه مقابل 128.1 مليار جنيه في الموازنة المُعدلة 2022/2023 و135.6 مليار جنيه في 2021/2022 و107.3 مليار جنيه في 2020/2021 و87 مليارا في 2019/2020.

الأجور والسلع والخدمات

تسجل الأجور في قطاع الصحة في العام الجديد 73.8 مليار جنيه، مقابل 55.3 مليار في الموازنة المعدلة للعام المالي الحالي، و56.3 مليار في 2021/2022، و46.8 مليار في 2021/2020، و22.4 مليار في 2019/2020، وتأتي تلك الزيادة مع تعيين 30 ألف من الأطباء والصيادلة بتكلفة أكثر من 1.8 مليار جنيه.

يبلغ شراء السلع والخدمات 33.1 مليار جنيه مقابل 28.7 مليار في العام المالي، و34.6 مليار في 2021/2022، و26.9 مليار في 2021/2020، و22.4 مليار في 2019/2020، وبند الدعم والحماية المجتمعية إلى 9.06 مليار جنيه مقابل 7.8 مليار في 2022/2023 و9.1 مليار في 2021/2022، و9.5 مليار في 2020/2021، و9.7 مليار في 2019/2020.

أما الفوائد فقفزت إلى 527 مليون مقابل 189 مليونًا في العام المالي الحالي، و106 مليارات في 2021/2022، و112 مليارا في 2020/2021 و116 في 2020/2021، فيما بلغ شراء الأصول غير المالية “الاستثمارات”، 29.3 مليار مقابل 34.1 مليار العام الحالي، و33.9 مليار في 2021/2022، و22.1 مليار في 2020/2021، و15 ملياًرا في 2019/2020.

التعليم.. ارتفاع المصروفات إلى 229.8 مليار جنيه

بالنسبة للتقسيم الوظيفي للتعليم، ارتفعت المصروفات لتبلغ 229.8 مليار جنيه مقابل 192.6 مليار في العام الحالي و193.6 مليارا في 2021/2022 و158.2 مليار في 2020/2021 و145.8 مليار في 2019/2020.

تمثل الأجور وتعويضات العاملين 162.1 مليار جنيه مقابل 127.7 مليار في 2022/2023، و129.2 مليار في 2021/2022 و112 مليارًا في 2020/2021 و100.6 مليار في 2019/2020، كما تتضمن مراعاة أثر تعيين عدد 30 ألف معلم مساعد بتكلفة سنوية تقدر بنحو 1.4 مليار جنيه لسد العجز بالمعلمين من خلال مسابقة تجرى لهذا الغرض بمتوسط تكلفة شهرية تقدر بنحو 3800 جنيه

وشملت أيضًا شراء السلع والخدمات بنحو 18.5 مليار في 2023/2024 مقابل 15.8 مليار في 2022/2023، و129.2 مليار في 2021/2022، و112.03 مليار 2020/2021، و100.6 مليار في 2019/2020.

أما الاستثمارات فتبلغ 43.9 مليار جنيه في 2023/2024 مقابل 45.2 مليار في 2022/2023، و41.6 مليار في 2022/2021 و30.08 مليار في 2020/2021، و29.7 مليار في 2019/2020، بينا بلغت الفوائد بنسبة 576 مليونًا مقارنة بـ213 مليونًا في 2022/2021، و190 مليونًا في 2020/2021، و184 مليونا في 2019/2020 و180 مليونا في 2019/2020.

سجل الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 909 ملايين جنيه في 2023/2024، مقابل 780 مليونًا في 2022/2023، و1.62 مليار في 2021/2022، و1.2 مليار جنيه في 2020/2021، و1.05 مليار في 2019/2020.

لماذا الإنفاق على الصحة مهم؟

ووفقًا لتقرير التنمية البشرية بمصر 2021 الذي أعدته وزارة التخطيط بالتعاون مع البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، فإن نحو نصف موازنة الصحة يوجه إلى الإنفاق على أجور وتعويضات العاملين في المتوسط، كذلك يمثل شراء السلع والخدمات ما يقرب من ربع موازنة قطاع الصحة.

توجد علاقة طردية بين الإنفاق الحكومي على الصحة إلى الناتج المحلى  بينما لا توجد العلاقة ذاتها بين إنفاق القطاع الخاص والناتج القومي، ما يجعل الانفاق الحكومي هو الأساس لتقديم الخدمة الصحية.

وتوجد علاقة سببية “طردية” بين حجم الإنفاق على التعليم والنمو الاقتصادي في مصر من خلال مؤشر الناتج المحلي الإجمالي فكلما لأن المتغيرات الاقتصادية التي تتمثل في: الناتج المحلي الإجمالي، والإيرادات العامة للدولة، وعدد المدرجين في التعليم، ونسبة حجم العمالة إلى عدد السكان داخل الجمهورية، تعتبر من أهم المحددات التي تؤثر في حجم الإنفاق على التعليم.

الإنفاق الصـحي مازال متواضعًا مقارنة بالمتوسـط العالمي

خلال الفترة من    (2015/2016  ــ  2020/2021) شهدت موازنة الصحة ارتفاعا كبيرا لكن، لا يزال متوسـط نصــيب الفرد من الإنفاق الصـحي بمصـر متواضعًا مقارنة بالمتوسـط العالمي بسبب الزيادة السكانية، علاوة على استئثار  قطاع الصـحة على نحو 2.5% فقط من إجمالي الاسـتثمارات الكلية المنفذة على مسـتوي مختلف القطاعات الاقتصــــادية.

ورغم الزيادة الملموسة في موازنات التعليم من عام لآخر أيضا، إلا أنها تحتاج لزيادة أكبر لتلبية متطلبات تحقيق جودة التعليم، بجانب حل معضلة التمييز في النفقات الجارية على حساب النفقات الاستثمارية، والتحيز نحو الحضر على حساب الريف.

كما لا يزال  التمويل الحکومي للإنفاق على التعليم العالي هو المصدر الأساسي للعملية التعليمية، ونسبة مساهمه القطاع الخاص بالإنفاق ضعيفة، رغم الاستثمارات الخاصة في قطاع المدارس.

المبادرات.. خيار لتطوير الخدمات

يقول مسئول بوزارة المالية إن الموازنة الجديدة تعتمد كثيرا على المبادرات، فبالنسبة للصحة تم تخصيص 14.1 مليار جنيه للتأمين الصحي والأدوية وعلاج غير القادرين مع استمرار التنفيذ التدريجي لمنظومة التأمين الصحي الشامل والتوسع فيه ليشمل عدد أكبر من المحافظات.

يضيف أن الموازنة تستمر في دعم ومساندة المبادرات بمجال الصحة وآخرها ١٠٠ يوم صحة التي تم تدشينها أمس، وقبلها مبادرة 100 مليون صحة للقضاء على فيروس سي، والقضاء على قوائم الانتظار ورفع كفاءة المستشفيات وتوفير الأدوية والأمصال وألبان الأطفال والمستلزمات والأجهزة الطبية، وأيضًا إطلاق المبادرة الرئاسية لدعم وزيادة عدد أسرة العناية المركزة وأيضًا زيادة حضانات الأطفال.