الموقف المناهض للمهاجرين من قبل زعيم اليمين المتطرف جيورجيا ميلوني، يجعل الحياة أكثر صعوبة للمهاجرين في ميلانو بإيطاليا ،

في لقاء لموقع ميديل ايست أي، مع اللاجئ المصري محمد الأنور، عبر مكالمة زووم، حمل الأنور الملفات التي توثق رحلة للجوء إلى إيطاليا. احتوى الملف على سجلات مفصلة للسنوات التي قضاها في المهجر، بما في ذلك الأوراق والصور الفوتوغرافية.

احتاج الأنور إلى سجل جنائي للتنقل عبر متاهة نظام الهجرة الإيطالي، ولكن الأمور ساءت منذ أن تولى رئيس الوزراء الإيطالي جيورجيا ميلوني السلطة العام الماضي الذي وعد بقمع المهاجرين.

كان على الأنور مواجهة التحديات الجديدة، متجاهلا كل السنوات التي عاشها في مصر، كان الأنور صحفيًا، وشارك في تأسيس إحدى الحركات الشبابية التي ساهمت فى فاعليات ثورة 2011، وكان عليه أن يبدأ من جديد في مكان آخر.

بعد سياسات النظام بعد 2014، كان من الصعب أن يواصل الأنور عمله، خاصة بعد أن تعرض للسجن، ولحقت به خسائر جسدية ونفسية؛ أصيب بكسر في العمود الفقري، وعانى من اضطراب ما بعد الصدمة.

مخاطرة الموت

يواصل الأنور حديثه مع صديقه حسن للموقع، اللذان تحدثا باسم مستعار؛ لأسباب تتعلق بالسلامة، يروي حسن إنه غادر البلاد إلى تركيا في عام 2018، بتأشيرة سياحية ومكث هناك قرابة عامين، صعب عليه العثور على عمل، وفي النهاية حجز رحلة العودة إلى القاهرة مع توقف في روما، وعند وصوله هناك، طلب اللجوء في المطار، مما أدى إلى احتجازه واستجوابه لمدة 24 ساعة.

يقول حسن:  “تذكرت على الفور السجن المصري”. “الظروف في السجن أسوأ بكثير بالطبع، لكن هذا كان شكلاً من أشكال السجن. كانت أفكاري الأولى، كيف أخرج من هنا؟”

في إيطاليا، وصل أكثر من مائة ألف مهاجر غير نظامي” في عام، بينما كانوا يشكلون 67 ألفا في عام 2021، و 34 ألفا في العام الذي سبقه، وتشمل هذه الزيادة عددًا كبيرًا من الأشخاص الفارين من الفقر، استأثر المصريون بحوالي واحد من كل خمس عمليات إنزال في إيطاليا.

وفقًا لبيانات من وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس، كان المصريون هم أكثر الجنسيات شيوعًا، التي تم اكتشافها على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط إلى الاتحاد الأوروبي في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022. وكان الدافع وراء هذا الارتفاع هو انهيار الاقتصاد الذي أغرق السكان في حالة فقر.

دفعت هذه الظروف إلى إحياء طرق التهريب، وفي حين خضع الساحل المصري لرقابة مشددة، تعهدت المفوضية الأوروبية بمبلغ 80 مليون يورو (86 مليون دولار) للحكومة المصرية؛ لمنع القوارب من مغادرة شواطئها إلى أوروبا، ومع ذلك، يسلك الكثيرون طرقًا خطرة خارج البلاد، ويخاطرون  ويعبرون البحر في قوارب غير صالحة للإبحار.

صعوبات اللجوء في إيطاليا

يشمل نظام استقبال المهاجرين الإيطالي شبكة من المنظمات غير الحكومية والبلديات، وغالبًا ما تكون مراكز استقبال طالبي اللجوء في مناطق معزولة، ولا تقدم سوى الخدمات الأساسية.

تقدم طوابير الأشخاص اليائسين الذين يحاولون التقدم بطلب للحصول على اللجوء خارج أقسام الشرطة، إلى جانب وفاة شاب مصري مؤخرًا، تجمد في شوارع بولزانو، تذكيرًا رسميًا بالآثار المميتة لمثل هذه السياسات.

كافح كل من حسن والأنور، على الرغم من وجود وثائق مكثفة، للتنقل في هذا النظام، وهو وضع زاد تعقيدًا بسبب جائحة Covid-19.

الجائحة

وصل حسن إلى روما في أواخر عام 2019، قبيل الإغلاق الأول لفيروس كورونا، والذي أخر معالجة طلب اللجوء الخاص به، حيث تم احتجازه في مركز استقبال مزدحم على حدود المدينة لمدة ستة أشهر، حيث كان يتقاسم غرفة وحمامًا مشترك مع ستة أشخاص.

وبسبب تخفيضات الميزانية، كان موظف واحد فقط مسؤولاً عن مئات السكان في وقت واحد، وتذكر حسن الانتظار في طابور طويل؛ لطرح سؤال على أحد الموظفين.

تم إعادة تسخين الوجبات المجمدة في عبواتها البلاستيكية. تم إصدار بطاقات SIM لطالبي اللجوء، ولكن بدون مصروف الجيب، لذلك، لا يمكنهم شراء أو طهي طعامهم بأنفسهم، وصرح حسن إنه بدون الأوراق اللازمة، لا يمكنهم فتح حسابات بنكية لتلقي الأموال من الأسرة، حيث ظل منعزلاً لمدة ستة أشهر، لذا عاود التفكير في الهروب”.

حق اللجوء

على الرغم من أن عمليات الإغلاق أدت إلى تفاقم الوضع، إلا أن العديد من مراكز الاستقبال الإيطالية لا تسمح للمقيمين بالمغادرة لأكثر من يوم واحد في كل مرة، مع حظر النزهات الليلية ما لم يكن ذلك مطلوبًا للعمل، ويجب تقديم دليلا على ذلك ، وهو أمر يحجم العديد من أصحاب العمل عن القيام به، بسبب المسؤوليات القانونية المصاحبة.

دخل حسن في الاكتئاب، وظل مشغولاً بالعديد من دورات اللغة الإيطالية، التي كان يحضرها بشكل متتال، ويعود إلى المركز كل يوم للنوم. في مايو 2020، حصل في نهاية المطاف على حق اللجوء، وانتقل إلى غرفة وجدها من خلال أصدقائه في روما.

يتذكر حسن قائلاً: “كانت هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بالأمان”. “لقد نمت لمدة 24 ساعة”.

رحلة مؤلمة

بينما اعتمد حسن على شبكة محلية من النشطاء المصريين؛ لمساعدته على الإبحار في المياه المظلمة لنظام اللجوء، لم تكن لـ الأنور نفس الصلات.

وقال، إن انتظاره لمدة عام للحصول على وضع اللاجئ في روما، متبوعًا بالانتظار تسعة أشهر للحصول على تصريح إقامة مؤقتة، حصل أخيراً على تصريح في يونيو 2021، شكل نقص فرص العمل تحديًا جديدًا. لبضعة أشهر كان يغسل السيارات؛ لكسب المال، ثم سافر إلى ألمانيا؛ لأعمال بناء قصيرة المدى.

عندما نفدت تأشيرته الألمانية، عاد الأنور إلى إيطاليا في سبتمبر 2022، وعاش في خيمة في ضواحي فلورنسا لأكثر من شهر.

وقال: “الشيء الوحيد الذي امتلكته في ذلك الوقت هو خيمتي و 100 يورو”.

كان نظام الهجرة الإيطالي، جعل الأنور في مأزق، لأنه كان بحاجة إلى عنوان ثابت لمدة خمس سنوات من أجل التأهل للحصول على تصريح إقامة طويل الأجل. وبعد فترة قصيرة أخرى قضاها في ألمانيا، تطوع الأنور للعمل في ملجأ المهاجرين في ميلانو في وقت سابق من هذا العام، حيث يتقاضى 100 يورو شهريًا فقط كدفعة شهرية، ولكن للمرة الأولى منذ عدة سنوات، يمكنه العيش داخل غرفة مسقوفة، يشعر بالأمان، لكن آثار رحلته عميقة.  يجعله ينام بجواز سفره ووثائقه تحت وسادته.

لم يستطع أن يذهب لطبيب بعد بسبب إصابات أذنه وعموده الفقري، لكن الجروح غير المرئية، والخوف الخانق الذي شعر به في ماليزيا، وانفصاله عن ابنته – ستبقى معه أطول مدة.

حالة طارئة

وصل حسن والأنور إلى إيطاليا قبل وصول ميلوني إلى السلطة، وحتى في ذلك الوقت، كانا يكافحان من أجل التعايش داخل نظام لجوء، يفتقر إلى التمويل – وهو نظام يسمح للمهاجرين بالتسلل عبر شقوق المجتمع.

تم انتخاب ميلوني على خلفية وعد بوقف تدفق المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئ إيطاليا، وفي إبريل الماضي، أعلن مجلس الوزراء الإيطالي حالة الطوارئ، والتي من المقرر أن تستمر ستة أشهر على الأقل، بعد “الارتفاع الحاد” في عدد المهاجرين الوافدين. جاء ذلك في أعقاب اللوائح الجديدة التي جعلت من الصعب على منظمات الإغاثة القيام بعملها، وإرسال سفن البحث والإنقاذ إلى الموانئ الشمالية البعيدة، قبل أن يتمكن المهاجرون من النزول.

وصرح الدبلوماسي الإيطالي، فرديناندو نيلي فيروسي لقناة الجزيرة، بأن “الغالبية العظمى من القادمين إلى الشواطئ الجنوبية لإيطاليا، هم مهاجرون لأسباب اقتصادية”. “لذلك هناك مشكلة في محاولة إدارة استقبال هؤلاء المهاجرين، والتي تسعى خطة الطوارئ إلى معالجتها”.

في نوفمبر الماضي، تقطعت السبل بـ 35 طالب لجوء، قبالة سواحل صقلية بعد أن اعتبرتهم الحكومة غير مؤهلين لدخول البلاد، وفي فبراير / شباط، أدى غرق سفينة قبالة ساحل كالابريا إلى مقتل أكثر من 90 شخصًا، فالقيود الجديدة على عمليات البحث والإنقاذ؛ يمكن أن تسهم في تكرار مثل هذه الكوارث.

إغراق القوارب

 

قالت ميلوني ذات مرة، إن على إيطاليا “إعادة المهاجرين إلى بلدانهم ثم إغراق القوارب التي أنقذتهم”. واليوم تخلق حكومتها جواً من العداء للأشخاص الذين يصلون إلى شواطئ إيطاليا، وهو جو يتشدد ويتحول إلى هياكل رسمية مصممة؛ لإبعاد أشخاص مثل الأنور وحسن.

ويشعر حسن بالعزلة في إيطاليا، على الرغم من شبكة النشطاء الجديدة التي عرفها، وقال: “عشت 23 عاما في مصر. تركت عائلتي وأصدقائي ورائي”. “الآن، لم يبق لي أي أصدقاء في مصر …