سجلت معدلات العمل بـالقطاع غير الرسمي ارتفاعا كبيرا بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتبلغ في مصر والمغرب وتونس 62.5% و77.3% و43.9%، على التوالي.

والاقتصاد غير الرسمي هو  مجموعة الأنشطة التي تتم خارج الأطر القانونية والتنظيمية التقليدية، ويشكل 40% من الناتج الـمحلي الإجمالي لمصر بما يعادل 2.6 تريليون جنيه، وفقا  لتقديرات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

بحسب تقرير للبنك الدولي بعنوان “القطاع غير الرسمي والنمو الشامل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”،  فإن حكومات المنطقة بعيدة عن تقديم الدعم الشامل، وتوفير فرص عمل في القطاع العام، وهو ما كان يشكل تاريخيا أساسا للعقد الاجتماعي.

تثير زيادة معدلات الوظائف غير الرسمية العديد من المشكلات، أهمها عدم حصول قطاع كبير من العمال والأسر على التأمين الاجتماعي، الأمر الذي يحد من كفاءة أنظمة الحماية، وقدرتها على تحقيق المساواة.

تتركز العمالة غير الرسمية بشكل كبير في الشركات الصغيرة، ما يعيق وفورات الحجم والإنتاجية والنمو الاقتصادي، كما يقلص أيضا الإيرادات الحكومية التي يتم تحصيلها لتقديم السلع والخدمات العامة، ويخلق تحديات هيكلية أعمق تجعل النمو أقل إنصافًا.

المشكلات القانونية والتنظيمية..

الطابع غير الرسمي ناجم إلى حد كبير عن مشكلات قانونية وتنظيمية ومؤسسية، منها طريقة تصميم التأمين الاجتماعي، والأنظمة والأعباء القانونية والضريبية، وتطبيق القوانين واللوائح، وإجراءات تسجيل الشركات، وتسوية النزاعات التجارية، والحصول على الائتمان، والفساد، والمنافسة غير العادلة.

يتيح التصميم الحالي لأنظمة الحماية الاجتماعية بالمنطقة تغطية وإعادة توزيع على نحو محدود، خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية وكبار السن، فضلا عن قوانين الحد الأدنى للأجور، وإجراءات معقدة للتسريح من العمل  وضعف تطبيق لوائحه وأنظمته.

فرص العمل في القطاع الرسمي

الجانب الضريبي مشكلة أيضا، فالأنظمة  الخاصة لبعض الشركات، والثغرات، والإعفاءات التي تعطي مزايا لبعض الأنشطة على حساب أنشطة أخرى تكبل توسعها ونمو الإنتاجية، وتحد من خلق فرص العمل الرسمية، كما أن الافتقار إلى المزايا المرتبطة بتسجيل الشركات يثنيها عن العمل بشكل رسمي، مما يقلص فرص التوظيف الرسمي.

بحسب البنك الدولي فإن حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عليها الشروع في الانتقال إلى نظام حماية اجتماعية، يتيح لجميع المواطنين الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، وعلى الأقل على حد أدنى من الدخل في سن الشيخوخة.

الواقع المصري.. رهانات تصطدم بالواقع

راهنت الحكومة لدمج الاقتصاد غير الرسمي على قانون العمل الجديد الذي يعتبر أن الأصل في التعاقد بعقود دائمة،  والحد من العقود المحددة المدة ،وإلزام صاحب العمل بتحرير عقد عمل مكتوب وايداع نسخة منه لدى مكتب العمل المختص وتسليم نسخة منه للعامل، وإلزام ممارسي المهن والحرف الحرة باجتياز اختبار قياس مستوى المهارة وترخيص مزاولة الحرة

كما وضعت قانونا جديدا للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، يتضمن العديد من الحوافز، منها ألا تتم المحاسبة الضريبية للمشروعات التي تقدمت بطلب الحصول على ترخيص مؤقت لتوفيق أوضاعها، عن السنوات السابقة لتاريخ تقديم هذا الطلب، وهو يحل محل أي موافقات أو إجراءات قانونية أخرى

وتحدد الضريبة المستحقة خلال فترة سريان الترخيص المؤقت، بألف جنيه سنوياً لمشروعات الاقتصاد غير الرسمي متناهية الصغر التي يقل حجم أعمالها السنوي عن 250 ألف جنيه، و2500 جنيه سنوياً للمشروعات التي يتراوح حجم أعمالها السنوي من 250 إلى 500 ألف جنيه، و5 آلاف جنيه سنوياً للمشروعات التي يتراوح حجم أعمالها السنوي من 500 ألف إلى مليون جنيه، دون الحاجة لإمساك دفاتر»

الحصيلة الضريبية

إلا أن الدراسات تؤكد أن الدولة لا تتوفر لديها خطة من السياسات الواضحة، الهدف النهائي لها هو التسجيل ومن ثم زيادة الحصيلة الضريبية،  والأمر يتطلب توفير حوافز عمرانية واجتماعية وتخطيطية تجذب القطاع الموازي.

بحسب الدراسات، فإن اتجاه العمالة للقطاع غير الرسمي سببها عدم وجود فرصة في القطاع الرسمي، ولعبه دورا مكملا لنمط النمو الليبرالي الجديد الرأسمالي، وتخوف الأفراد من الأعباء القانونية والمادية للتسجيل الرسمي، حتى وأن تم التسجيل يحدث تهرب من الأعباء سواء الضريبية أو غيرها.

وأدى غياب التوجه الاقتصادي المحدد للدولة، ووجود بعض التعارض في البرامج الاقتصادية للوزارات المختلفة، ورقابة مهملة، وانتشار التجارة الإلكترونية وعدم القدرة على ضبطها في تفاقم تلك المشكلة.

المعاملة الضريبية غير العادلة

يجب التخلص من المعاملة الضريبية غير العادلة لبعض الشركات، مع تشجيع إنشاء ونمو الشركات عالية الإنتاجية. ووضع رؤية واضحة  تتضمن حزمة شاملة من السياسات والإصلاحات والمضي قدما نحو التصدي للطابع غير الرسمي للوظائف وتحقيق الشمول، وفقا للبنك الدولي.

يدعو البنك أيضا إلى تنسيق الإصلاحات، عبر تدشين  مجموعات تنفيذية مشتركة بين الوزارات لضمان اتباع نهج شامل ومنسق لتغيير السياسات، وإدخال إصلاحات تدريجية على نظام الحماية الاجتماعية، بما فيها توسيع مظلة الرعاية الصحية لجميع المواطنين، وتحويل نظام معاشات التقاعد لتقديم مزايا على أساس المساهمات التي يدفعها الموظفون فقط، واستكمال ذلك بمعاش تقاعد عام لا يستند على الاشتراكات، بالإضافة إلى برنامج تحويلات نقدية موجه للفقراء.

الحد من التفاوت وتحسين الخدمات

يطالب البنك الدولي أيضا بقانون للضرائب، يتسم بالعناية الواجبة بحيث يصبح أكثر تقدما لتحقيق أهداف اجتماعية شاملة للجميع، مثل فرض الضرائب على الأنشطة غير المراعية للبيئة؛ وإلغاء الأنظمة الضريبية الخاصة والإعفاءات من ضريبة القيمة المضافة؛ وإلغاء الدعم الشامل التنازلي المرتبط بالاستهلاك، خصوصا منتجات الطاقة التي من المرجح أن يستفيد منها الأثرياء؛ وتعزيز إنفاذ الضرائب.

ويجب تحسين سبل تقديم الخدمات الأساسية عبر تعزيز الرعاية الصحية والخدمات العامة المقدمة لزيادة الثقة والامتثال لضرائب الدخل، مما يؤدي إلى زيادة الإيرادات والاستثمارات والحد من التفاوت.

كما يجب إضفاء المزيد من المرونة على اللوائح والأنظمة التي تعمل على تحقيق الاستقرار الوظيفي، وتبسيط إجراءات تسجيل الشركات، وتحسين المزايا المقدمة للشركات المسجلة لتطوير ظروف السوق، وتشجيع التوظيف الرسمي، وزيادة الإنتاجية.