حالة من الترقب تسيطر على المشهد الليبي، منذ محاولة الانقلاب غير المكتمل الذي أعلنه قائد مجموعة فاغنر يفجيني بريجوجين، والذي انتهى بتسوية بين موسكو وزعيم المجموعة التي تتواجد في عدة مناطق في العالم، لا سيما في ليبيا.

فيما يسود تفاؤل حذر بعض مكونات المشهد الليبي؛ بشأن إمكانية الوصول لتسوية سياسية تنهي المعاناة المتواصلة منذ عام 2012، يسيطر القلق على بعض المكونات الأخرى التي تحظى بدعم المجموعة المتواجدة بالساحة الليبية بشكل فعلي منذ عام 2018.

ومع التطورات الجديدة، والتخبط في العلاقات بين موسكو وفاغنر، والتي تعد رقما صعبا في المعادلة الليبية، تطرح مجموعة من التساؤلات التي تحتاج لإجابة؛ بشأن تأثير تمرد على الوضع  في ليبيا؟ وكذلك على علاقة موسكو بطرفي النزاع في البلاد؟.

أصابع إماراتية

ظهرت فاغنر في ليبيا رسميا عام 2019؛ لمساعدة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي – قوات شرق ليبيا – في هجومه على طرابلس؛ لطرد حكومة الوفاق الوطني التي كانت تحظى بدعم دولي وأممي وقتها .

وقالت وزارة الدفاع الأميركية عام 2020، إن الإمارات هي التي دفعت لفاغنر من أجل دعم حفتر، حيث ساندت أبو ظبي موقف حفتر إلى جانب روسيا.

وفي عام 2020، ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أن فاغنر نشرت نحو 1200 فرد في ليبيا، فيما قالت القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، إن طائرات عسكرية روسية تقدم الإمدادات لمقاتلي فاغنر هناك.

وأدارت فاغنر أنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة من قاعدة الجفرة الجوية جنوبي طرابلس، مع وصول بعض الطائرات الحربية من قاعدة حميميم في سوريا.

وبالإضافة إلى تجنيد سوريين، عملت فاغنر بمعاونة مقاتلين أجانب من السودان وتشاد وأماكن أخرى.

ورغم أن هجوم حفتر على العاصمة طرابلس انتهى دون أن يحقق أهدافه، بعد التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار عام 2020، فإن فاغنر لم تغادر ليبيا وظلت موجودة في الجفرة وغيرها من القواعد الجوية بالجنوب .

مصالح اقتصادية

تقف فاغنر في ليبيا خلف مصالح تجارية تشمل إنتاج الطاقة عبر التواجد في الحقول النفطية، وشبكات تهريب محلية.

فاغنر ليست شركة رسمية في روسيا، لأن القوانين الروسية لا تسمح بإنشاء شركات عسكرية خاصة، ومع ذلك، فإن المجموعة أقامت شركات وهمية خارج البلاد، تستخدمها في تمويل عملياتها، وتعزيز نفوذها.

وتشير تقارير دولية، أن شحنات من الذهب تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، قد نُقلت من السودان إلى الإمارات، بتسهيلات من جانب شركة فاغنر.

وبحسب  أندرياس كريج، الأستاذ المشارك للدراسات الأمنية بكلية كينجز كوليدج لندن”اعتمد الكرملين على الإمارات؛ لتسهيل كثير من عمليات فاغنر في جميع أنحاء إفريقيا خلال عام 2018، لأن المجموعة كانت لا تزال توصف في ذلك الوقت، بأنها قوة ناعمة لروسيا، رغم أنها كانت قوة صلبة في الوقت نفسه”.

في العام الماضي، اتهمت الولايات المتحدة مرتزقة فاغنر باستغلال الموارد الطبيعية في جمهورية إفريقيا الوسطى، ومالي والسودان ودول أخرى في القارة، ولم تكن المجموعة بالسيطرة على تلك الموارد سوى بدعم وتسهيلات من الإمارات.

وقال كريج: “حظي بريجوجين خصوصاً بعلاقات جيدة مع الإمارات، فهي شريك بارز لروسيا، ونخب النفوذ في أبي ظبي والكرملين تجمعها شبكات من الصلات الشخصية والروابط التجارية”.

عقوبات أمريكية

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على كيانات في دولة الإمارات، وجمهورية إفريقيا الوسطى وروسيا؛ لتورطها في تعاملات غير مشروعة بالذهب؛ لتمويل مرتزقة مجموعة فاغنر.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، إنها فرضت عقوبات على أربع شركات مرتبطة بمجموعة فاغنر ورئيسها يفجيني بريجوجين.

وذكرت الوزارة، أن تعاملات غير مشروعة بالذهب تمول مجموعة فاغنر، وتساعدها على بقاء عناصرها وزيادة عددهم في أوكرانيا وبعض البلدان في إفريقيا.

ومع إعلان بريجوجين الانقلاب على الجيش الروسي، دعت أبوظبي الروسيين إلى خفض التصعيد.

وأصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانا تؤكد فيه، “أنها تتابع بقلق بالغ التوترات الأخيرة في روسيا الصديقة، الناجمة عن تمرد في القوات العسكرية، والذي يهدد بالمزيد من التصعيد وعدم الاستقرار في المنطقة”.

وشددت الخارجية على موقف دولة الإمارات الداعي إلى ضرورة الالتزام بالتهدئة، وضبط النفس، مشيرة إلى ضرورة المحافظة على وحدة واستقرار روسيا الاتحادية؛ بما يحقق الأمن والازدهار لشعبها الصديق.

هذا التشابك الواضح بين الإمارات وفاغنر، دفع أندرياس كريج، للحديث بشأن إمكانية ممارسة بوتين ضغوط على صديقه في الإمارات محمد بن زايد، لتضييق الخناق على شبكات تمويل المجموعة في محاولة للسيطرة عليها، إذ يعتبر مراقبون أن التسوية التي تم التوصل إليها بين بوتين وزعيم فاغنر بوساطة من رئيس بيلاروسيا ، لن تكون الحلقة الأخيرة في السلسلة التي بدأها بريجوجين .

مصير الأزمة الليبية

الخلاف بين موسكو وفاغنر، ربما يمثل فرصة مواتية لإخراج مرتزقة الشركة من ليبيا، ومن ثم تخفيف حجم الضغوط الممارسة على مكونات المشهد هناك، فروسيا أعلنت أن فاغنر خارجة عن القانون، وبالتالي إذا تم أي عمل من شأنه الحد من سيطرة فاغنر في ليبيا وطردهم، فلا يمكن وقتها للسلطات الروسية القول، بأن لديها رعايا أو قوات تم الهجوم عليها في ليبيا.

رغبة بوتين في تقويض مساحات نفوذ فاغنر، قد تفتح الباب لمقاربة بين موسكو وتركيا تضمن بها روسيا مصالحها في ليبيا، وفي الوقت ذاته تكون أداة بوتين في معاقبة بريجوجين بإخراج مرتزقته من ليبيا، التي تعد قاعدة استراتيجية هامة في إدارة عمل  الشركة بالقارة الإفريقية.

كما أن الخلاف بين موسكو وبوتين، يفتح الباب واسعا أمام الولايات المتحدة؛ لاستثمار الحدث لإخراج فاغنر من شمال إفريقيا في وقت تمارس فيه القوى الدولية ضغوطا للحد من دور عناصر الشركة في السودان، ودعمهم للاحتراب المندلع هناك، إذ يصطفون خلف قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو.

وفي ظل الحديث عن رفع الغطاء الرسمي لموسكو عن فاغنر، شنت طائرات مسيرة مجهولة هجوما على قاعدة الخروبة الجوية التي يتواجد بها عناصر تابعين للشركة في شرق ليبيا .

حالة الغموض التي سيطرت على المشهد في أعقاب الضربات، أثارت تساؤلات بشأن الجهة التي تقف خلفها.

يشير مراقبون إلى تبعية الطيران المسير إلى القيادة الأمريكية في إفريقيا، والتي كانت تنتظر فرصة لبدء حملة موسعة؛ لإنهاء نفوذ مرتزقة فاغنر في إفريقيا.

بينما أشار آخرون إلى دور فرنسي ساعي إلى استعادة نفوذ باريس في إفريقيا، بعدما شغل عناصر الشركة مساحات الفراغ التي خلفها انسحاب فرنسا من دول القارة، وفي المقدمة منها مالي، وفي المقابل تحدث فريق ثالث عن إمكانية تبعية تلك المسيرات إلى تركيا، باتفاق بين أنقرة وموسكو.

في المقابل نفت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، والتي تحظى باعتراف أممي، مسئوليتها عن الضربات التي طالت مرتزقة فاغنر في قاعدة الخروبة العسكرية في شرق ليبيا.

وقال اللواء محمد الحداد رئيس أركان القوات المسلحة في غرب ليبيا قوله: “لم تستهدف أي من أجهزتنا أي موقع في المنطقة الشرقية”.

وأضاف، أن معلومات مماثلة “تهدف إلى إشعال الحرب بين الأشقاء الليبيين، وتوريط ليبيا في صراع إقليمي”.