في أعقاب الرفض الشعبي الواسع لاستمرار جماعة الإخوان في حكم البلاد، وخلعهم بواسطة الجيش، الذي كان يعد الجهة الوحيدة القادرة على القيام بهذا الدور، مع توافر حاضنة شعبية واسعة في ذلك الوقت، عانت البلاد لعدد من السنوات من أعمال عنف وإرهاب غير مسبوق، من حيث اتساع رقعته جغرافيا ونوعيا بصورة تشبه الحرب …. الأمر الذي استدعى إطلاق يد كافة الأجهزة الأمنية في مصر؛ للتصدي لأعمال العنف والتخريب والفوضى التي خلقها ذلك التيار المخلوع؛ نتيجة لعدم تمكّينه من إقامة دولته الدينية في البلاد.

وقد أخذ الأمر في التوسع، كنتيجة طبيعية لتلك الأوضاع الأمنية الخاصة جدا التي فرضها واقع محدد على أجهزة الدولة والمسؤولين، واقع داخلي وإقليمي ودولي أيضا، وهو واقع الفوضى التي خلفتها جماعات الإرهاب، والعنف السياسي المغلف بالدين في الكثير من الأحيان، واقع أراد أن يهدم المعبد على رأس الجميع في إطار مقولته الشهيرة ” إما أن نحكمكم أو نقتلكم ”

والآن بعد مرور عشرة أعوام بالتمام والكمال على إبعادهم عن السلطة، وبعد التخلص بشكل شبه كامل من خطرهم الداهم على الدولة المصرية، ما الذي يضير البلاد والعباد أن توضع الأشياء في مكانها الصحيح، وتعود الأمور إلى وضعها الطبيعي، وأن يزول ذلك الخلط الذي أخذ يتزايد بصورة باتت شديدة الفجاجة …..

في البداية سعد هؤلاء بممارسة السلطة والهيمنة، وبسط النفوذ على الجميع دون استثناءات، ومع الوقت أصبحت جميع أجهزة ومؤسسات الدولة مجرد جهات تابعة وملحقة، ومنفذة لإرادة تلك الجهات  !!!

تعالوا نتخيل شكل البلد لو أن: جميع مؤسسات الدولة عادت تمارس وظائفها وفقاً للدستور، والقوانين الحاكمة وبشكل مستقل تماماً، ودون أي تداخل بين مهامها ومهام مؤسسات أخرى، ودون إملاءات أو ضغوط من أي جهة، مهما كانت هذه الجهة.

هيئات قضائية على تنوعها: مستقلة وجميع المواطنين متساوون أمامها، لا تتلقى التعليمات، ولا تقبل تدخل في ممارسة أعمالها من أي جهة ولا يٌلزمها سوي دستور البلاد والقوانين وضميرها القضائي والإنساني.

أجهزة شرطية وأمنية: تمارس وظيفتها التي وجدت من أجلها، وهي توفير الأمن والأمان للمواطنين، وحماية أمن الوطن وتنفيذ أحكام القانون على الجميع دون انحيازات، أي أن تكون مسئولة عن تنظيم العلاقات بين جميع المواطنين من ناحية، وبينهم وبين مؤسسات الدولة من ناحية أخرى، في إطار ما يفرضه الدستور وتحدده القوانين المعمول بها في البلد..

أحزاب سياسية مدنية تمارس حقها في الوجود على الأرض، وتقدم برامجها للمواطنين وتدعوهم لتبني تلك البرامج، وتقدم مرشحيها لهم لجميع الهيئات التي تتشكل بالانتخاب.

انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تجري في إطار من الديموقراطية على جميع المستويات والمناصب.

إطلاق حرية الرأي والتعبير والكف عن تجريم الآراء المختلفة مع السلطة الحاكمة، وإطلاق سراح جميع المحتجزين بالسجون؛ بسبب آرائهم.

في اعتقادي، أن هذا ما نحتاج إليه الآن، وهذا ما يمكن أن يوفر الأمن والأمان للجميع، حكاما ومحكومين، وما يحافظ على استقرار الدولة ويوفر المناخ والبيئة الآمنة للاستثمار، باختصار مطلوب العودة إلى الحياة الطبيعية اللائقة بشعب متحضر؛ يسعى لحل مشاكله ومناقشة حاضره ومستقبل أبنائه؛ باعتماد أسلوب ونهج الحوار والتفاعل الديموقراطي الآمن بعيدا عن سياسات التخويف وتكميم الأفواه.