يلعب الاقتصاد دور البطولة في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر التي انقطعت قرابة العشرة أعوام، فأنقرة التي تعاني أزمة بسعر صرف الليرة المحلية، وإحجاما من الاستثمارات الخليجية، وارتفاعًا في تكاليف الإنتاج الصناعي؛ بسبب أسعار الغاز، ترى في القاهرة بوابة؛ لحل غالبية لتلك المشكلات.
سفير تركيا الجديد في القاهرة صالح موتلو شين، يلمح إلى تلك النقاط؛ بتأكيده على أن المؤسسات والقطاع الخاص في البلدين ستستفيد من جميع أنواع فرص التعاون في المستقبل مع مصر، خاصة مع التفاوض لإعادة وكالة التعاون والتنسيق التركية المغلقة حاليا.
تستكشف الشركات التركية فرص الاستثمار بمصر حاليًا، بعد زيارة لوفد من رجال الأعمال الأتراك مؤخرًا إلى القاهرة؛ لإجراء محادثات بتنسيق من قبل جمعية المصدرين الأتراك، بحسب جوخان تورهان من جمعية مصدري المعادن في إسطنبول.
مصر ستتحول إلى بوابة لتصدير المنتجات التركية للخارج.
يقول جوخان تورهان، إن “المشاكل التي واجهها الأتراك في السوق المصرية خلال السنوات الماضية، والتي في مقدمتها الحصول على التأشيرة تتراجع، فالوفد الذي زار القاهرة قبل عطلة عيد الأضحى لم يصادف أي منها.”
أضاف، أن أعضاء الوفد التركي أجروا أكثر من 100 محادثة ثنائية مع نظرائهم المصريين، والتي تصب في إقامة علاقات تجارية مثمرة لرجال الأعمال الأتراك والمصريين على حد سواء، خاصة في ظل مزايا الاستثمار بمصر من انخفاض الحد الأدنى للأجور إلى 80 دولارًا، وتوفير الأراضي للاستثمارات المحتملة، وإنشاء مرافق إنتاج تساعد الشركات التركية على دخول الأسواق بأوروبا وإفريقيا والولايات المتحدة.
تواجه الشركات التركية مشاكل في تلك الأسواق؛ بسبب الضرائب الإضافية، وبالتالي ستكون مصر بوابة أسواق جديدة للشركات التركية، خاصة أن اتفاقيات التجارة الحرة المتعددة التي وقعتها القاهرة تسمح لها بالوصول إلى 1.5 مليار مستهلك.
كما تربط المستثمرين بالأسواق القائمة، والناشئة بنسبة 8٪ من التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس؛ علاوة على أن وقت وتكلفة الشحن أقل في مصر، ويستغرق سبعة أيام أقل إلى الولايات المتحدة من الصين، وتكلفته 50٪ أقل مقارنة بالإمارات المتحدة.
كاظم تايجي، رئيس مجلس إدارة جمعية مصدري الحبوب والبذور الزيتية في إسطنبول، يرى أن الضرائب مرتفعة بمصر وهناك مشاكل في تحصيل المستحقات لكن هناك ثقة قوية في العلامات التجارية التركية، وإذا تم حل هذه المشاكل، يمكن أن تزيد الصادرات إلى مصر بشكل كبير”.
ارتفع حجم التجارة الثنائية من 4.7 مليارات دولار في 2014 إلى 5.2 مليارات دولار في 2018. وبلغت صادرات تركيا إلى مصر 4.6 مليارات دولار العام الماضي.
لماذا قطعت أنقرة الخطوة الأولى للمصالحة؟
سياسة تركيا الخارجية واقتصادها تغيرا بقوة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وترى حاليا أن التطبيع بين أنقرة والقاهرة أمرًا مهمًا؛ لحل النزاعات في شرق البحر المتوسط، والتوازن ضد اليونان التي وقعت مذكرة تفاهم مع القاهرة بعد عام من توقيع أنقرة اتفاقية مع الحكومة الليبية التي تدعمها الأمم المتحدة.
تعاني تركيا حاليًا من مستويات تضخم غير مسبوقة، وانخفاض كبير في قيمة العملة وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما أثر خلافها مع الرياض بشكل سيئ على الاقتصاد التركي، وسحب مليارات الدولارات من الاستثمارات السعودية، وتقلص التجارة بين البلدين.
كان الكثيرون يأملون أن تؤدي زيارة أردوغان إلى السعودية في إبريل؛ للإفراج عن 3 مليارات دولار من الاستثمارات التي وعدت بها الرياض، لكن هذه الآمال لم تتحقق، وبغض النظر عن ذلك، تعتمد تركيا على السعودية؛ لتعزيز عملتها بإيداع 20 مليار دولار متوقعة من الرياض في الأشهر المقبلة.
بالمثل، وقعت الإمارات العربية المتحدة وتركيا العديد من الصفقات التجارية والتجارية بمليارات الدولارات خلال الأشهر القليلة الماضية، من الواضح أن سياسة أردوغان الخارجية الجديدة أساسية لبقائه السياسي والاقتصادي، ومغايرة لرغبته السابقة في النفوذ واستعادة أمجاد الماضي.
الاقتصاد .. حلقة الربط الوحيدة بعيدا عن السياسة.
رغم التوترات السياسية بين مصر وتركيا، نمت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بشكل كبير على مدى السنوات العديدة الماضية. يتوقع بعض الاقتصاديين أن تزيد تركيا من استثماراتها في مصر إلى 15 مليار دولار، وأن ترفع حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار سنويًا.
تركيا ومصر وقعتا اتفاقية تجارة حرة عام 2005، والتي عندما دخلت حيز التنفيذ في عام 2007، نتج عنها تضاعف إجمالي حجم التجارة بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا.
يبدو أن كلا البلدين على استعداد للتعاون في قطاع الطاقة، خاصة في استخراج وتصدير الغاز الطبيعي من شرق البحر الأبيض المتوسط، فتركيا من أكبر مستهلكي الغاز الطبيعي، وتعتمد بشكل كبير على الواردات من الخارج.
بحلول نهاية عام 2021، أصبحت مصر موردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال لتركيا، ومن المتوقع أن يزداد الطلب التركي على هذا المورد بسبب؛ الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا.
كما أخذت مصر في الاعتبار مطالبات تركيا في المنطقة، عندما حددت حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اليونان عام 2020 ، وهي خطوة اعتبرتها تركيا بادرة حسن نية.
عقبات أمام تطبيع العلاقات الاقتصادية.
رغم الجهود الأخيرة؛ لتطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، لا تزال بعض القضايا بدون حل، فبينما يتفق الطرفان على أهمية استعادة الاستقرار والحفاظ عليه في ليبيا ، إلا أنهما يختلفان حول كيفية تحقيق هذا الهدف.
لا يزال الملف الليبي مشكلة، فمصر تدعم رئيس الوزراء المؤقت المختار من مجلس النواب الليبي المقيم في الشرق فتحي باشاغا، لكن تركيا تدعم عبد الحميد دبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس الذي رفض تعيين باشاغا، أو نقل السلطة لحين إجراء الانتخابات.
لا تزال مصر متشككة في التدخل التركي في ليبيا، لا سيما بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية المتنامية بين أنقرة وحكومة الدبيبة، تم توضيح هذا الشك عندما رفضت مصر مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الدبيبة؛ بشأن التنقيب عن النفط والغاز في مياه البحر الأبيض المتوسط الليبية، وأثارت غضب اليونان وقبرص.
ملف السد.. هل تنجح أنقرة في الحل؟
قد يكون العرض التركي للوساطة بين مصر وإثيوبيا في نزاع سد النهضة؛ بمثابة غصن زيتون يمكنه تسريع عملية مصالحة أنقرة مع القاهرة، قد يؤدي الالتزام الجاد بجهود الوساطة بين دولتي حوض النيل إلى تهدئة مخاوف القاهرة؛ بشأن توسيع العلاقات التركية مع إثيوبيا – على وجه الخصوص، بعدما باعت طائرات مسلحة تركية بدون طيار إلى أديس أبابا في قتالها ضد المتمردين في تيجراي.
وأزال البرلمان الإثيوبي جبهة تحرير تيغراي الوطنية من قائمة الإرهاب في البلاد، بعد أن وقعت الحكومة اتفاق وقف إطلاق النار مع الحزب الإثني اليساري الحاكم للمنطقة الشمالية لإثيوبيا في نوفمبر 2022، لا تزال التوترات عالية بين الحكومة وجيش تحرير أورومو، وهو معارضة مسلحة، تسعى المجموعة للحصول على الحكم الذاتي لأكبر مجتمع عرقي في البلاد في منطقة أوراميا في إثيوبيا.