في تطور لافت، أعلنت فضائية القاهرة الإخبارية عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى تركيا في السابع والعشرين من الشهر الجاري، وهي الزيارة التي سيتخللها عقد أول قمة رسمية بين رئيسي البلدين في أعقاب 10 سنوات من القطيعة السياسية، والتي بدأت مع  الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، وما تلى ذلك من استضافة أنقرة لقيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها، ودعم بعضها والسماح لهم بإنشاء قنوات فضائية معارضة للنظام السياسي في القاهرة.

قبيل الإعلان عن موعد ومكان القمة الرسمية الأولى بين رئيسي البلدين، أعلنت كل من القاهرة وأنقرة ترفيع علاقاتيهما الدبلوماسية لمستوى السفراء.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان رسمي، إن ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يأتي في إطار تنفيذ قرار رئيسَي البلدين في هذا الصدد مضيفة، أن تلك الخطوة تهدف إلى تأسيس علاقات طبيعية بين البلدين من جديد، كما تعكس عزمهما المُشترك على العمل؛ نحو تعزيز علاقاتيهما الثنائية لمصلحة الشعبين المصري والتركي.

وتطرح التطورات  السياسية والدبلوماسية الكثير من التساؤلات؛ بشأن مجالات تأثير ذلك التقارب الذي بات على بعد خطوة واحدة من الوصول لمرحلة التطبيع الكامل في العلاقات، وكذا ماهية الخطوات اللاحقة.

شراكة اقتصادية تخفف الضغوط الإقليمية

منذ بداية التوتر السياسي بين البلدين في العام 2013، كان هناك توافق غير مكتوب على تحييد الملف الاقتصادي الذي ظل حجر الزاوية في تلك العلاقات، وظل البعد الاقتصادي بعيداً نسبيا عن تلك التوترات على مدار سنوات الخلافات.

وإن كان لا يمكن فصل مخاوف المستثمرين في الجانبين عن المشهد، والتي بطبيعة الحال قد تسببت في خفض لحجم الاستثمارات المباشرة بين البلدين في ظل المخاوف من أية إجراءات، كان من شأنها تهديد الاستثمارات؛ حيث كانت مؤشرات العلاقات السياسية طيلة ثماني سنوات تسير في اتجاه الهبوط .

ويعني رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بين البلدين الكثير لمستثمري البلدين، فمن شأنه أن يعطي دفعة أكبر للملف الاقتصادي، بما يعزز في الفترة المقبلة مزيداً من الاستثمارات التركية في قطاعات حيوية في القاهرة، ومزيداً من التبادل السياحي بين البلدين.

قبيل الإعلان الرسمي عن خطوة رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، وبالتحديد في مايو الماضي، اجتمع مجلس الأعمال المصري التركي، بعد انقطاع دام 10 سنوات.

وأكد نهاد اكينجي، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك، أن حجم التوسعات التي تجري حاليا لمصانع وشركات تركية قائمة بالفعل داخل مصر تتخطى الـ 500 مليون دولار.

ويرى المسئولون في كل من تركيا ومصر، أن تشابه الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلدين، يعد فرصة مواتية لمزيد من الشراكة والتعاون في ظل رغبة من كليهما؛ لتخفيف مستوى الضغوط الدولية والإقليمية عليهما.

تفعيل العملة المحلية

وفي هذا الإطار كشف رئيس جمعية رجال الأعمال المصرية التركية، أن هناك مقترحا حاليا بإمكانية تبادل الاستثمارات بين البلدين بالعملة المحلية لكل بلد، من أجل تسريع عودة الاستثمارات والتعاون بين البلدين إلى سابق عهده مرة أخرى.

ومن شأن تفعيل مقترح استخدام العملة المحلية؛ التخفيف من حدة مشكلة النقد الأجنبي في مصر، وتعزيز موقف العملات المحلية للبلدين، حيث تعاني كل من الليرة التركية والجنيه المصري من تراجع قيمتهما على مدار الفترة الماضية، كما أن من شأن الدخول في هذه الخطوة؛ زيادة قيمة التبادل التجاري والمعاملات المالية بين البلدين.

وتشير البيانات الرسمية الصادرة في مصر إلى، أن قيمة الاستثمارات التركية في القاهرة بلغت 179.9 مليون دولار خلال العام المالي 2021-2022، مقابل 138.1 مليون دولار خلال العام المالي 2020-2021، بنسبة ارتفاع قدرها 30.3 بالمئة.

وارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا؛ ليصل إلى 7.7 مليارات دولار خلال العام 2022، مقابل 6.7 مليارات دولار خلال 2021 بزيادة قدرها 14%، وذلك بحسب البيانات الرسمية، الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وبلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في عام 2019 حدود 5.4 مليارات دولار، بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي.

من جهته يتوقع سفير مصر السابق في تركيا عبد الرحمن صلاح، ضخ استثمارات جديدة تصل قيمتها لنحو 300 مليون دولار خلال ماتبقى من العام الجاري قائلا، إن ” هناك اهتماما كبيرا من المستثمرين التركيين بقطاعات استثمارية كبيرة مثل، النسيج و السيارات”.

وأوضح صلاح، أن الصادرات المصرية إلى تركيا الأعلى نموا خلال آخر ٣ سنوات، كاشفا عن خط ائتمان مفتوح من البنوك التركية لأي استثمار مصري تركي، يغطي ما يصل إلى 85 % من جملة الاستثمار.

وفقا لتقارير إعلامية واقتصادية تركية، فإن واحدة من كبرى الشركات التركية المتخصصة في حديد التسليح، ستدخل في شراكة قريبا مع طرف محلي بمصر، لإنتاج حديد التسليح.

والجدير بالذكر، أن حديد التسليح التركي إحدى السلع المهمة التي تستوردها مصر من تركيا، وكون الشركة التركية ستقوم بإنتاج مشترك لهذه السلعة الحيوية في مصر، فقد يساعد هذا بشكل كبير في تهدئة أسعار الحديد بمصر، حيث وصلت أسعاره في الفترة الماضية لمستويات عالية.

وسجلت الصادرات المصرية إلى تركيا 4 مليارات دولار خلال العام 2022، وذلك مقابل 3 مليارات دولار خلال العام 2021 (بنسبة ارتفاع قدرها 32.3 %).

فيما بلغت قيمة الواردات المصرية من تركيا 3.72 مليارات دولار خلال العام نفسه، مقابل 3.74 مليارات دولار خلال 2021 (بتراجع طفيف 0.7 %)، حيث وصلت قيمة واردات حديد التسليح منها 503 ملايين دولار .

الحدود البحرية وغاز المتوسط

على رأس الملفات العالقة بين البلدين، والتي سيقود التوصل لتفاهمات؛ بشأنها تغيير الوضع في الإقليم، هو قضية غاز شرق المتوسط، والتي تعتبر قضية شديدة الأهمية لتركيا، فهي دولة مستوردة لحصة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة، تصل إلى 90%.

وبقدر أهمية قضية غاز شرق المتوسط لتركيا، بقدر حساسية تلك القضية لمصر، التي ترتبط باتفاقيات شراكة مع كل من اليونان وقبرص، طرفي النزاع الأكبر مع تركيا؛ بسبب الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية.

وهناك خلاف بين أنقرة وأثينا؛ بشأن امتداد الجرف القاري لكل منهما، وحقوق موارد النفط والغاز البحرية في شرق المتوسط منذ عقود.

الموقف المصري بشأن النزاع في منطقة شرق المتوسط، بحسب مسئول رسمي  تحدث لـ” مصر 360″، شهد تأكيدات من جانب القاهرة خلال المباحثات التمهيدية؛ لعودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة، بعدم التعرض سلبا للتحالف المصري اليوناني ومراعاة مصالح قبرص واليونان في هذا الإطار، وهو ما يعني إمكانية لعب القاهرة دورا في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، ومحاولة إنهاء النزاع بشكل يراعي مصالح كافة الأطراف.

تلك التفاهمات التي تشهدها العلاقات، قد تقود في نهاية  المطاف إلى زيادة أعضاء منتدى غاز شرق المتوسط إلى تسعة أعضاء، بانضمام تركيا في ظل الاتجاه؛ لتطبيع العلاقات مع مصر التي تترأس المنتدى.

ويشكل المنتدى الذي يضم في عضويته 8 دول، في يناير 2019 بدعوة من مصر، في وقت وصف مراقبون تلك الخطوة في حينه إجراءً؛ لمواجهة نشاطات التنقيب التركية في المنطقة.

ويضم المنتدى في عضويته، كل من مصر واليونان وقبرص وإسرائيل وفلسطين، والأردن،  وفرنسا وإيطاليا.

اللحظة التي انتظرتها أنقرة

في مارس 2021، صرح وزير الخارجية التركي وقتها مولود تشاووش أوغلو، بأن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط؛ إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة.

وقال تشاووش أوغلو خلال مؤتمر صحفي، إن عروض التنقيب التي طرحتها مصر على الشركات العالمية أخيرا، احترمت الجرف القاري لتركيا، وإن تركيا  نظرت إلى هذا الأمر نظرة إيجابية.

وكانت مصر، قد أعلنت في فبراير2021، عن طرح مزايدة؛ للتنقيب عن النفط والغاز في 24 منطقة، بعضها بالبحر المتوسط.

ربط تشاوش أوغلو الحديث عن ترسيم للحدود البحرية بتحسن العلاقات، وهي الخطوة التي  تمثل ذروتها القمة الرئاسية بين زعيمي البلدين.

وربما، يعزز ذلك فرص طرح هذه القضية خلال القمة خاصة، وأن التوصل لاتفاق قد يقطع الطريق على المساعي الإسرائيلية؛ لإنشاء خط “إيست ميد”  والذي يقوّض فرص مصر فى أن  تصبح منصة إقليمية؛ لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

إنهاء التنافس في ليبيا بشراكة اقتصادية

وكما، أن ملف الاقتصاد كان بمثابة حجر الزاوية في العلاقات، فإن الملف الليبي الذي ظل خلال سنوات التوتر عائقا رئيسيا أمام استعادة العلاقات بين البلدين، سيكون حاضرا أيضا بقوة خاصة، وأن مصر ترى  الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا، تهديدا مباشرا لأمنها القومي.

حل المعضلة الليبية بين مصر وتركيا، ربما يكون هذه المرة من الجانب الاقتصادي في وقت تعول فيه البلدان  على حصيلة إعادة الإعمار الليبية في إنعاش الاقتصاد،  يعزز ذلك وجود مؤشرات قوية على تحسن العلاقات بين مصر، وحكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهي تحظى بدعم تركي كامل، إلى جانب تحسن في العلاقات بين أنقرة ومعسكر شرق ليبيا الموالي للقاهرة.

كانت تركيا وقعت في نوفمبر 2019، اتفاقاً مع حكومة مع حكومة غرب ليبيا، بشأن الحدود البحرية في البحر المتوسط، إلى جانب اتفاق آخر؛ لتوسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري.

وعقب توقيع الاتفاق، سمح البرلمان التركي في يناير 2020، بنشر قوات تركية في ليبيا لمدة عام واحد، وتم تمديد التفويض لمدة 18 شهراً أخرى حتى يوليو 2022، قبل أن يتم تمديده أيضاً في يونيو 2022 لمدة 18 شهراً أخرى.

من بين مساعي الدبيبة، هو خلق شراكة اقتصادية مصرية – تركية على أراضي بلاده، بالشكل الذي يحقق  معادلة دعم تبقيه على رأس السلطة التنفيذية لمزيد من الوقت.

التصور الذي يطرحه رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية في هذا الصدد، يقوم على استعانة الشركات التركية التي تستحوذ على الكثير من عقود إعادة الإعمار التي تحتاج لعمالة كثيفة، بعمال مصريين في الوقت الذي تعول فيه القاهرة على زيادة العمالة المصرية في ليبيا لنحو 2 مليوني عامل.