واصل التضخم العام الارتفاع خلال يونيو، مع تحريك أجازة العيد الطلب المكبوت على اللحوم والأسماك والملابس، ومدفوعا بارتفاع غالبية الخدمات بداية من الصحة والتعليم وحتى إصلاح الأحذية والأجهزة الكهربائية والفساتين المُؤجرة.

سجل معدل التضـخم السنوي لإجمالي الجمهورية 36.8% لشهر يونيو 2023 على أساس سنوي مقابل 14.7% للشهر ذاته من العام السابق، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الإثنين، ليأتي مقاربًا لتوقعات الخبراء الذين قدروا التضخم بنحو 33.6%.

على المستوى السنوي، كانت أسعار الطعام والشراب المحرك الأساسي للتضخم العام بإجمالي 64.9%، خصوصًا البروتين الحيواني.

إذ ارتفعت اللحوم والدواجن بنسبة (92.1%)، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (83.6%)، والألبان والجبن والبيض بنسبة (67.0%)، والزيوت والدهون بنسبة (31.1%).

كما ارتفعت الفاكهة بنسبة (36.5%)، والخضراوات بنسبة (53.6%)، والسكر والأغذية السكرية بنسبة (35.5%) والحبوب والخبز بنسبة (58.9%).

معدل التضـخم السنوي
معدل التضـخم السنوي

 

الارتفاعات تطارد الأساسيات.. من الملابس حتى السكن

 

الارتفاعات تطارد الأساسيات.. من الملابس حتى السكن
الارتفاعات تطارد الأساسيات.. من الملابس حتى السكن

مع ظهور طلب مكبوت قبل العيد، سواء على مستوى تجهيزات الزفاف، ارتفعت أسعار الملابس والأحذية ارتفاعا قدره (23.5%)؛ بسبب زيادة الأقمشة بنسبة (36.2%)، والملابس الجاهزة بنسبة (22.9%)، والأحذية بنسبة (21%). بينما قفزت المفروشات المنزلية بنسبة (29.2%)، والأجهزة المنزلية بنسبة (50%)، والأدوات الزجاجية ومستلزمات المائدة بنسبة (39.4%).

بحسب شعبة الملابس الجاهزة، بالغرفة التجارية بالقاهرة، فإن مستلزمات الإنتاج  زادت بمستويات قياسية مع تحرك سعر العملة بأكثر من 100%، والتي ارتفعت معها المستلزمات المستوردة مؤكدة، أن مصانع الملابس امتصت الزيادات السعرية، وتحركت الأسعار في حدود 30% فقط.

اسعار المسكن

وارتفع قسم المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 6.6%؛ بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الإيجار الفعلي للمسكن بنسبة (8.3%)، والمياه والخدمات المتنوعة المتعلقة بالمسكن بنسبة (3.3%)، والكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى بنسبة (1.2%).

 

 الرعاية الصحية والتعليم.. مستويات مرتفعة

 

سجل قسم الرعاية الصحية ارتفاعاً قدره (19.1%)؛ بسبب ارتفاع أسعار المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة (13.7%)، وخدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة (23.6%)، مجموعة خدمات المستشفيات بنسبة (30.2%).

كما سجل قسم التعليم ارتفاعا قدره (7.7%)؛ بسبب ارتفاع أسعار مجموعة التعليم قبل الابتدائي والتعليم الأساسي بنسبة (8.5%)، مجموعة التعليم الثانوي العام والفني بنسبة (3.5%)، مجموعة التعليم بعد الثانوي والفني بنسبة (6.1%)، مجموعة التعليم العالي بنسبة (15.1%)، مجموعة التعليم غير محدد المستوى بنسبة (4.5%).

وارتفع قسم النقل والمواصلات ارتفاعاً قدره (23.3%)، موزعة بين شراء المركبات بنسبة (34.8%)، وخدمات النقل بنسبة (21.6%).، وكذلك الخدمات السلكية واللاسلكية بنسبة (1.4%)؛ بسبب ارتفاع أسعار مجموعة خدمات البريد بنسبة (16.7%).

بحسب رابطة تجار السيارات، شهدت السيارات المستعملة والجديدة ارتفاعا قياسيا مع وجود نقص كبير في السيارات الجديدة؛ ما يخلق مغالاة في أسعارها، حتى أن بعض الماركات زادت 4 أضعاف ثمنها، وذلك بسبب وقف الاستيراد وعدم فتح اعتمادات وتحويلات، وأصبح المعروض قليلا جدا لذلك العميل، أو التاجر أو الموزع أو الوكيل يعرض السيارة بأعلى سعر».

ارتفعت المطاعم والفنادق في يونيو 2023 مقابل يونيو 2022 بنسبة (49.0%)؛ بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة (49.3%)، مجموعة خدمات الفنادق بنسبة (31.2%)، وكذلك سجل قسم السلع والخدمات المتنوعة ارتفاعاً قدره (28.9%)؛ بسبب ارتفاع أسعار مجموعة العناية الشخصية بنسبة (34.9%)، مجموعة الأمتعة شخصية بنسبة (50.5%)، وفقا لـ”الإحصاء”.

التعامل مع التضخم.. خيارات صعبة

 

التعامل مع التضخم.. خيارات صعبة
التعامل مع التضخم.. خيارات صعبة

 

تملك السياستان النقدية والمالية آليات ثابتة، للتعامل مع التضخم. أولها، رفع الضرائب التي تقلل الاستهلاك، وبالتالي تخفّض الأسعار لقلة الطلب عليها، ورفع الفائدة البنكية؛ لإغراء المواطنين؛ لإيداع أموالهم في البنوك، وتقليل عرض النقود وخفض الطلب على السلع والخدمات.

يقول الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد لا يزال يواجه تحديات تضخمية، وأن الإجراءات الحكومية لم تحقق المطلوب منها في مجال الحد منه، الأمر الذي يضع ضغوطًا صعبة على لجنة السياسات النقدية في اجتماعها القادم.

هذا وتعقد لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزي المصـري اجتماعًـا في 3 أغسطس/آب المقبل؛ لنظر أسعار الفائدة، بعد ما أبقتها في اجتماع 22 يونيو لسعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 18.25%، 19.25% و18.75% على الترتيب. كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 18.75%.

يتبنى البنك المركزي في خياراته التضخم الأساسي الذي يعده، وليس التضخم العام الذي يعده المركزي للتعبئة والإحصاء، والفرق بينهما  حسابي في المقام الأول، فالتضخم العام يقيس التغير في أسعار ألف سلعة وخدمة بوجه عام.

أما التضخم الأساسي، فيتم اشتقاقه من التضخم العام، واستبعاد السلع التي تحدد أسعارها إدارياً ــ أي بواسطة الحكومةــ مثل، الكهرباء والمياه والبنزين، والسلع شديدة التقلب في أسعارها وتحديداً كالخضروات والفاكهة.

خلال  يونيو 2023 سجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، ا1.7%  مقابل معدلاً شهرياً بلغ 1.2% في ذات الشهر من العام السابق، ومعدلاً شهرياً بلغ 2.9% خلال مايو 2023، كما سجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 41% في يونيو 2023 مقابل 40.3% في مايو 2023.

وقال جاب الله، إن اللجنة في موضع صعب، فالتضخم المرتفع يضغط نحو رفع الفائدة، وهو خيار وارد، لكن التضخم في مصر لم يستجب لذلك الرفع نظرًا؛ لأن أسبابه كثيرة ومختلفة بمصر، تتعلق بالمنظومة الاقتصادية وآلية التنسيق بين السياسات النقدية والمالية.

يأتي ذلك رغم تشكيل مجلس تنسيقي برئاسة رئيس مجلس الوزراء المصري، يضم المجلس من الأعضاء بحكم وظائفهم كلا من محافظ البنك، ووزيري التخطيط والتنمية الاقتصادية والمالية، ونائبا محافظ البنك المركزي ونائب وزير المالية للسياسات المالية، ومن ذوي الخبرة كلاً من أشرف العربي ومحمد الإتربي وحسين عيسى، ويختص بوضع آلية التنسيق بين السياسة النقدية للبنك المركزي والسياسة المالية للحكومة.

السياسة النقدية والمالية.. تأثير عكسي

السياسة النقدية والمالية.. تأثير عكسي
السياسة النقدية والمالية.. تأثير عكسي

وتسعى السياسة المالية ممثلة في وزارة المالية؛ لخفض معدل التضخم إلى 16%، مع هبوط متوسط الفائدة على أذون الخزانة عند 18.5% في موازنة العام الجديد 2023/2024، وهو أمر لن يتم تحقيقه حال رفع مستويات الفائدة، فكل ارتفاع بها عن المستهدف بالموازنة بنحو 1% (لتصبح 19%)، سيؤدي ذلك إلى عبء إضافي على الموازنة العامة للدولة بحوالي 70 مليار جنيه.

ويوضح جاب الله، أن القضية أصبحت أكثر تعقيدا عن فكرة تضخم، يتم علاجه برفع الفائدة وتحتاج لإدارة أكثر جودة أكثر من كونها تحتاج أفكار جديدة، واللجنة ستشهد نقاشًا ما بين التثبيت أو الرفع بما لا يجاوز 1.5% كحل مؤقت.

ويعتقد قطاع من الخبراء أن التضخم بمصر مُرتبط بسعر الدولار، وليس بسعر الفائدة التي زادت ألف نقطة عام، ولم تؤثر في التضخم، خاصة أن سعر الفائدة الحقيقي (الفارق بين التضخم والفائدة) أصبح سالب 17.45%.

أسباب ارتفاع التضخم

مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، يرى أيضًا، أن تحركات الحكومة لمجابهة أزمة التضخم ليست بالوتيرة المطلوبة، فمصر تعاني شح العملة الدولارية، وتعتمد بشدة على المنتجات المستوردة التي تحتاج العملة الأجنبية، وعانت من الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت سببًا في ارتفاع معدلات التضخم.

يرى بدرة، أن أسباب ارتفاع التضخم نابعة من عدة عوامل: منها خارجي مثل، الحرب الروسية الأوكرانية، ومستوى ارتفاع أسعار الفائدة حول العالم، والاقتراض للدولة، وخروج استثمارات من مصر، وشح العملة الأجنبية، وأخرى محلية: استغلال من بعض التجار؛ لمضاعفة الربح 200/300%، وتراجع حركة الواردات من بداية العام، والاستهلاك الموسمي للسلع والحزم التحفيزية والدعم.

وتتوقع الأسواق العالمية أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي “المركزي الأمريكي” أسعار الفائدة، بمقدار ربع نقطة مئوية، ويبقيها عند هذا المستوى حتى نوفمبر  الذي قد يكون موعدًا لرفع الفائدة مرة أخرى، ما يلقي ضغوطا على الأسواق الناشئة.

ويرى الدكتور أحمد العطيفي، الخبير الاقتصادي، إن مستويات التضخم الحالية مؤقتة، مضيفا، أن المستويات التي تم تسجيلها ستجعل المسئولين عن السياستين النقدية والمالية يفكرون ألف مرة قبل اتخاذ أي خطوة؛ لتعويم الجنيه. فالمواطنون حاليًا يعيشون بنصف احتياجاتهم المعتادة؛ لأن رواتبهم لم ترتفع بنفس نسبة زيادة الأسعار.