استضافت العاصمة الإثيوبية أديس البابا، أول أمس الاثنين، اجتماعا للجنة الرباعية لمنظمة الإيجاد، والمعنية ببحث الأزمة السودانية.

جاء الاجتماع الأخير تنفيذا لمقرارات قمة جيبوتي، والتي عقدت 12 يونيو، واتخذت قرارا بتشكيل لجنة رباعية برئاسة كينيا؛ لمتابعة الملف السوداني، وإدارة حوار بين الجيش وقوات الدعم السريع بمشاركة القوى المدنية، لكن الاجتماع الذي فشل في جمع طرفي النزاع، ترك الأزمات في الداخل السوداني، نظرا لمطالبته بنشر قوات أجنبية في السودان.

وقد يثير اقتراح إدخال قوات شرق إفريقيا في السودان قلق دول الجوار خاصة، وأنه طرح دون تنسيق، وأعلنت القاهرة استضافتها غدا قمة لدول جوار السودان، لبحث سبل إنهاء الصراع في السودان بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى.

كما يفتح مقترح دخول قوات أجنبية في السودان الباب مجددا حول جدوى المؤسسات الإفريقية في حل النزاعات، وحدود تدخلها، من جانبها أصدرت الحكومة السودانية بيانا صباح اليوم، أعلنت خلاله رفضها نشر قوات أجنبية، كما أوضحت موقفها بشأن؛ أسباب مقاطعة الاجتماع.

و”الإيجاد” منظمة حكومية إفريقية شبه إقليمية، تأسست عام 199، تتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم كلًا من: إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، والصومال، وجيبوتي، وإريتريا، والسودان، وجنوب السودان. وبحسب المنظمة، فهي “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية إيجاد (IGAD)في شرق إفريقيا”.

استعلاء إثيوبي وتوصيفات كينية

خلال المؤتمر، تحدث ممثلا كينيا وإثيوبيا عن فراغ بالقيادة في البلاد، واتسم خطاب آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، بالاستعلاء ومحاولة فرض أجندة تسمح بالتدخل الخارجي في السودان، عبر نشر قوات في أراضيه، والمطالبة بوقف استخدام الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة، واصفا هذه البنود بالإجراءات الفورية.

كما سبق، ووصفت نيروبي الصراع، بأنه قتال بين جنرالين، لا بين الجيش ومجموعة متمردة، واتفقت كينيا وإثيوبيا خلال المؤتمر على أن الوضع في السودان يتطلب قيادة عاجلة، تكون قادرة على إخراج السودان من الكارثة الإنسانية التي يتجه نحوها، واعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي، بأن هناك فراغاً في قيادة الدولة، ودعا لفرض حظر جوي ونزع المدفعية الثقيلة.

وكشفت الخرطوم أن هذا يخالف تفاهمات سابقة بين آبي أحمد ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وفي نفس الوقت يعني مساسا بسيادة الدولة السودانية، وعدم اعتراف بقيادة الدولة الحالية، لم تكتف السودان بإعلان هذه المواقف، بل قالت، إنها تعيد النظر في جدوى عضويتها في منظمة الإيجاد.

مخرجات الاجتماع

أصدر الاجتماع بيانا ختاميا، تضمن حث طرفي الصراع على وقف فوري لإطلاق النار، وأشار البيان إلى، سعي دول الإيجاد إلى التوصل لحل سلمي للازمة، ومشاركته مساعي وساطة كل من السعودية والولايات المتحدة؛ للوصول إلى حل سياسي.

ودعا البيان طرفي الصراع؛ لعقد لقاء مباشر و الحوار، والتوقيع على اتفاق غير مشروط وغير محدد المدة.

وناقش الاجتماع مدى إمكانية نشر القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا في السودان؛ بهدف حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، كذلك فرض حظرا جويا والكف عن استخدام الطيران والمدفعية.

اعتداء على السيادة

أعلن الجيش السوداني مقاطعته الاجتماع، ذلك بعد أن رفض طلبه بتغيير رئاسة القمة التي يتولى مهامها وليام بوتو، الرئيس الكيني، وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها، إن وفد الحكومة وصل أديس أبابا، صباح الأحد 9 يوليو.

وأشار البيان: إلى جدية وفد الحكومة ورغبته في التواصل مع كل الأطراف والمنظمات الإقليمية، وأن الحكومة السودانية طالبت منـذ قمـة جيبـوتي بتغيير رئاسـة الـرئيس، ويليـام روتـو رئيس جمهوريـة كينيـا، للجنـة الرباعيـة نظـراً لعدة أسباب؛ بينها عـدم حيادية روتو في الأزمة القائمة..

ويتهم الجيش السوداني الرئيس الكيني بالانحياز لقوات الدعم السريع، هذا وتشير تقارير تحليله إلى، أن موقف الجيش من قمة أدبس أبابا لم يكن مفاجئا، حيث سبقه مقدمات له في قمة جيبوتي.

وأصدرت الحكومة السودانية صباح اليوم الأربعاء بيانا، قالت فيه، ” إن حضور وفد السودان إلى أديس أبابا قبل بداية الاجتماع، وتواصله المسبق مع الجهة المنظمة للاجتماع، أكد رغبة السودان لإيجاد حلول للازمة.

وردا على بيان الرباعية، حول غياب وفد الجيش، قال البيان “إن ما ورد في بيان الرباعية الختامي بخصوص غياب وفدنا غير دقيق ويجافي الواقع”.

كما أكدت حكومة السودان على رفضها؛ لنشر أي قوات أجنبية في السودان، وستعتبرها قوات معتدية، وأعلنت ترحيبها بقمة دول الجوار التي تستضيفها القاهرة غدا الخميس.

وسبق، وصرح نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار،  على مبادرة الإيجاد، بأنها مبادرة للاحتلال، وليست حلا للأزمة، مؤكدا “رفض الحكومة أي مبادرة لا تحترم سيادة السودان وتتدخل في شؤونه الداخلية”.

ترحيب من الدعم السريع والقوى السياسة

وفي الوقت الذي رفض الجيش ما جرى في الاجتماع، رحبت قوات الدعم السريع باجتماع الإيجاد، والذي يحمل في طياته أن مخرجات الاجتماع كانت مرضية لقوى الدعم السريع، بما فيها مواقف الدول المشاركة وخصوصا كينيا وإثيوبيا.

وقالت قوات الدعم السريع في بيان صحفي: “جاءت مشاركة وفدنا في اجتماع أديس أبابا إيمانا بضرورة الوصول إلى حل سلمي، يؤدي إلى وقف الحرب ويمهد إلى بدء حوار سياسي شامل، يعالج جذور الأزمة السودانية، بما في ذلك عودة الحكم المدني”

وقال مستشار قائد قوات الدعم السريع يوسف عزت: نرحب بمبادرة وقف إطلاق النار، وجميع المبادرات العربية والإفريقية ذات الصلة.

شارك بالاجتماع طيف واسع من القوى السياسة، وقال خالد عمر الناطق باسم العملية السياسية بالسودان: والذي لعب دورا في الاتفاق الإطاري قبل اندلاع الحرب، شاركنا في الاجتماع تحت شعار الحوار السياسي للسلام والاستقرار في السودان، وأشار إلى، أن الاجتماع ناقش فرص تعزيز سبل الحل السلمي.

السيناريوهات المطروحة

يبدو أن اجتماع الايجاد يمثل بمكوناته انحيازا الى قوات الدعم السريع، خاصة كينيا وإثيوبيا، وتبدو الأخيرة، تغير مواقفها وتحاول توظيف الأزمة للعب دور قيادي في القارة، وحشد قوة عسكرية للتدخل، ولا يبدو ذلك بعيدا عن ارتباطات إقليمية، تدعم حميدتي في صراعه مع الجيش.

في المقابل يرحب الجيش بشكل أكبر بمؤتمر دول الجوار الذي سيعقد غدا في القاهرة، نظرا لأن مصر ليس في صالحها توسع القتال، أو وجود قوات أجنبية على أرض السودان، وتسعى إلى إنهاء الصراع بشكل سلمي.

ويتخوف الجيش السوداني من مقترح الإيجاد، بأن تكون الخرطوم محطة لوجود قوات أجنبية، خاصة مع تركيز مقترحاتها على  ودود عسكير في العاصمة، بما يعني الرغبة في السيطرة السياسة، وإتاحة الفرصة؛ لتقوية قوات الدعم السريع لوجودها وانتشارها .

تبلور قوى سياسية

وفي إطار تعقد الموقف واستمرار الحرب، لا يستبعد أن تبلور القوة السياسية مواقفها، وتخلق بنى سياسة سواء في الداخل أو الخارج، وهي حالة عرفتها السودان مع تعقد وضع الصراع بين تياراته والجيش، هذا يعني إمكانية تبلور مكونات سياسية داعمة لطرفي الصراع، الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة الأخيرة والتي تعلن أنها تمردت على الجيش من أجل إبعاد فلول نظام البشير، واستكمال المرحلة الانتقالية بما فيها مدنية السلطة، وربما هذا يعني مجددا عودة القوى السياسة لدور غيبته الحرب، وربما، يحظى ذلك بدعم دولي يشكل غطاء لقوات الدعم السريع التي تنتظر تحقيق حسم عسكري على الجيش، وتراهن على دعم من أطراف إقليمية.

الحوار

وربما تحاول أطراف دولية فرض هذا عبر دعم مبادرة الإيجاد، وبدعم الاتحاد الإفريقي الذي سبق، وأعلن عن إمكانية التدخل العسكري.

بينما هناك سيناريو آخر، وهو أن تستطيع أطراف دولية وإقليمية أن تعقد محادثات مباشرة بين طرفي الصراع الجيش والدعم السريع؛ لوقف إطلاق النار، وتعين حكومة جديدة تستكمل مهام الفترة الانتقالية، وتعالج أزمات جديدة خلفتها الحرب.

استمرار الحرب

أما السيناريو الثالث، فهو الأكثر قتامة، وهو أن يستمر القتال شهورا جديدة، مما يزيد عمق الأزمة، ويجعل هناك تجاذبات أكبر على المستوى السياسي والعسكري، وهو ما يفتح الباب لحالة تشرذم أكبر، يعانيها السودان اليوم، بما في ذلك انقسامات على مستوى جهوي مدعوم بنزاعات عرقية وقبلية، خاصة في الغرب “إقليم دارفور”، والشرق في الجوار مع إثيوبيا.