خلال الشهر الحالي، ومع اكتمال انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ستنتقل ملكية جميع مقار الوزارات والجهات الحكومية القديمة للصندوق السيادي، والذي سيتولى إعداد مخططات التصرف في الأصول.
وحتى الآن، وباستثناء الإعلان عن مشاركة بعض الشركات الاستثمارية ورأس مال خليجي في شراء مقر وزارة الداخلية، لم تتضح خريطة تعامل الصندوق مع المقار والأصول العقارية لوسط المدينة.
ليست مجرد قصور
تتميز أغلب مباني وسط المدينة بكونها ذات طراز معماري مميز، لكن ليس التميز المعماري هو السمة الوحيدة المهمة، حيث ترتبط كثير من تلك المباني بوقائع وحقب وشخصيات تاريخية، بجانب إنها تعكس سمات وأنماطا معمارية متميزة ومختلفة بداية من الطابع الاسلامي إلى المملوكي وصولا إلى الطابع الأوروبي في القاهرة الخديوية.
كما أن كثيرا منها يتسم بالندرة والتفرد، كما مقر وزارة الأوقاف والذي يتكون من ثلاثة أجزاء، جزء منها ذو طابع مملوكي، ومسجل كأثر، وبجانب الأوقاف هناك مقر وزارة التعليم، الذي كان قصرا للأميرة فايقة ابنة الملك فؤاد الأول، ومقر وزارة الخارجية، بجانب ذلك وضمن المباني المطروحة للتصرف، مقر البرلمان المصري .
فئات المباني الخاضعة للتصرف
من المباني ذات الطابع المميز أيضا مبنى وزارة التموين بشارع قصر العيني بالقاهرة الذي يعود لعام 1958، والذي تحيط به سور فيلا قديمة تم هدمها وكانت مقرا لوزارة العمل في الأربعينيات، وكذلك مقر وزارة العدل في لاظوغلي.
وتنقسم مباني وسط المدينة إلى ثلاث فئات أولها ذو طابع تاريخي وعمراني مميز، أما الثاني فهو أثري تابع لوزارة السياحة والآثار، والقسم الثالث غير المسجل لدى وزارة الآثار ولا ينتمي للطراز المعماري المميز، يعتبر الأسهل في التصرف، وإعادة استخدامه أو بيعه.
يقول مصدر بوزارة التخطيط التي تتولى إدارة الصندوق إن الخطط الخاصة بتلك المقار حتى الآن تندرج إلى تقسيمها وفق التصنيف السابق، على أن تؤول المباني الأثرية إلى وزارة السياحة والآثار، وتحويلها إلى مزارات.
منذ سنوات تبنت الحكومة خطة لتحويل منطقة وسط القاهرة لمتحف مفتوح، بما في ذلك أعمال تطوير عقارات القاهرة الخديوية، وكان من المفترض اقتصار بعض الشوارع على حركة المشاة ومنع السيارات، لكن المشروع لم يكتمل.
برنامج حكومي لإدارة أصول الدولة
بالنسبة للمباني ذات الطابع المعماري المتميز، فسيتم دراسة حالتها من جانب لجنة تابعة للجهاز القومي للتنسيق الحضاري خاصة الفيلات والقصور والأبنية ذات الطراز المعماري المميز، ومعظم تلك المباني كانت تابعة لأسرة محمد علي، وتمت مصادرتها من قبل ثورة يوليو 1952 وتحويلها لمقار حكومية.
بحسب المصدر الذى تحدث إلى “مصر 360”: فإن الحكومة لديها برنامجاً متكاملاً لإدارة أصول الدولة غير المستغلة وتحقيق موارد للموازنة العامة، عبر الاستثمار في الأصول والشركات القائمة حالياً أو في مشاريع ومناطق جديدة، بهدف استغلال كافة الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر.
ويعمل الصندوق على الاستحواذ على الأصول غير المستغلة بما في ذلك الأراضي والمباني، وطرحها للشراكة مع المستثمرين من القطاع الخاص.
700 مليار جنيه
تستهدف الحكومة وفي ظل أزمة اقتصادية واضحة، تحقيق حصيلة مالية من خلال بيع ومشاركة واستغلال مقار الوزارات.
وهناك تقديرات بأن مباني وسط المدينة التي تم إخلائها تصل قيمتها 700 مليار جنيه، هذا وفقا لدراسة أعدها مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية.
بموجب اتفاق وقع مع شركة A Developments الإماراتية أعلن صندوق مصر السيادي توقيع عقد تطوير مقر وزارة الداخلية بلاظوغلي، الذي يتكون من 7 مبان بمساحة بناء تقترب من 40 ألف متر مربع، وبذلك يكون مقر الوزارة أول المباني التي تم حسم مصيرها بتحويله لمنطقة تضم محال تجارية، ومكاتب إدارية، وفرع لجامعة إيباج لإدارة الأعمال الفرنسية.
كما سيتضمن المقر فندقًا 3 نجوم وشققا فندقية تدار من قبل إحدى السلاسل العالمية، بجانب مركز للتعهيد، وهي خدمات تكنولوجية يتم تقديمها عبر وسيط من خارج دولة مقر الشركة الأم.
منطقة وسط البلد
لم يتم حسم إمكانية امتلاك شركة العاصمة الإدارية الجديدة حصة بالمباني التقليدية الخاصة بالوزارات والتي تم بناؤها منذ ثورة يوليو وحتى التسعينيات بعد أيلولة ملكيتها للصندوق السيادي، خاصة أن الشركة تتعامل ككيان منفرد يدير المدينة ويعزز العائد من الاستثمار بها.
فيما أعلن أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، إن الصندوق يسعى لإحياء منطقة وسط البلد وتحويلها إلى مركز للإبداع والابتكار والتكنولوجيا.
كان اللواء أحمد زكى عابدين، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الأسبق، قد أكد أن الشركة ستتولى إدارة وتطوير وتسويق كافة مقرات الوزارات الحكومية بمنطقة وسط البلد، نظير قيامها بإنشاء مقرات لتلك الوزارات بالعاصمة الجديدة.
وزارة الخارجية فندق سياحي
ورجح زكي أبان توليه منصبه إمكانية تسويق تلك القصور على المستثمرين ورجال الأعمال الراغبين في تملكها للمحافظة عليها كقيمة تاريخية، كما هو متبع في العاصمة البريطانية لندن، مقترحا تحويل مبنى وزارة الخارجية، على سبيل المثال، إلى فندق سياحي مطل على النيل.
مبنى البرلمان
من بين تلك الثروة العقارية الفريدة مقر البرلمان الذي يعود تاريخه إلى القرن الـ 19، وشهد الاجتماع الأول لنواب مصر في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1881، وفي 15 مارس/ آذار 1924 افتتحت قاعة جديدة لعقد جلسات مجلس النواب مع الإبقاء على القاعة القديمة لمجلس الشيوخ، وشيد المبنى الثالث عام 1972 لعقد جلسات لجان البرلمان بمساحة تزيد على 48 ألف متر مربع (ما يقترب من 12 فدانًا).
وزارة التعليم.. قصر الأميرة فايقة
من المباني المميزة أيضًا مقر وزارة التربية والتعليم الذي يعود تاريخه إلى عام 1874 عندما أمر حاكم مصر الخديوي إسماعيل بإنشائه على مساحة 9 أفدنة لابنته الأميرة فايقة لتقيم فيه مع زوجها مصطفى باشا، وفي عام 1931 تحول القصر إلى مقر نظارة المعارف التي أصبحت وزارة التربية والتعليم.
تتضمن المباني أيضًا مبنى وزارة الأوقاف التي بنيت على طراز العمارة المملوكية على مراحل وافتتح أول مرة عام 1899، ثم شهد أعمال توسعة في 1912، ثم أنشئ ملحق آخر له في 1929، وفي عام 1936 بني ملحق ثالث للمبنى.
الحكومة تنفي العروض الخليجية
منذ رحيل الحكومة للعاصمة الإدارية توالت عروض خارجية خاصة من الخليج، لشراء مقار الوزارات القديمة والتي منها بعض المباني التاريخية.
لكن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، نفى عروض الشراء، وقال أنه سيتم استغلال هذه المباني استثماريا بشكل يحقق عائد دون بيع أي منها، ذلك عبر المشاركة فيها بحصص عينية في مشروعات ذات جدوى اقتصادية.
الخبير الاقتصادي محمد كمال يرى أن الحكومة توازن بين التطوير والاستثمار ورغبتها في تحاشي التكدس مجددا بوسط القاهرة، وبالتالي فإن إدارتها للمباني القديمة سيغلب عليها التوجه نحو المقار الإدارية والسياحية.
المباني الأثرية
يضيف كمال أن التحديات أكبر فيما يتعلق بالمباني التراثية الأثرية التي تستوجب ضوابط للتعامل معها، فيما يتعلق بالترميم والصيانة، والمساحات الملحقة، وإدخال بعض المرافق لها، يتابع كمال: العديد من تلك المباني لا تتضمن خطوط غاز على سبيل المثال، علاوة على سوء التخطيط بجانبها والذي جعل مداخلها في شوارع ضيقة.
يعتبر إعادة توظيف المبنى التراثي من أنسب الأساليب اقتصادياً، فهو غير مكلف كبناء مبنى جديد كما أنه يضمن إيجاد قاعدة اقتصادية يعتمد عليها للإبقاء على المبنى.
لكن يجب أن يحقق الاستخدام الجديد لمباني وسط المدنية عدم التعارض مع القيم التاريخية والتراثية والفنية له، كما يجب أن يناسب هندسته وإمكانياته دون الحاجة إلى إجراء تعديل أو تبديل قد يسيء إلى أصالته وأهميته التاريخية.