مجلس حقوق الإنسان يقر مشروع قرار، يرفض العنف الديني، ويناقش الإجراءات في دورته الـ 55.
اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرار “التصدي للكراهية الدينية”، إذ تعد الكراهية الدينية مرتكزا للتحريض، والتمييز والعنف على أساس الاعتقاد الديني، جاء التصويت بأغلبية دول المجلس البالغ إجمالي عددها 47 دولة، حيث وافق على القرار 28 دولة مقابل اعتراض 12 دولة، وامتناع 7 دول عن التصويت.
ودعت في وقت سابق كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا الأمم المتحدة إلى التصويت ضد مشروع القرار، وقال السفير البلجيكي، مارك بسكستين المتحدث باسم الكتلة الأوروبية، إن “مسألة تحديد الخط الفاصل بين حرية التعبير والتحريض على الكراهية معقدة”.
وناقش المجلس على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، وضمن أعمال الدورة 53 للمجلس (19 يونيو- 14 يوليو 2023)، مظاهر الكراهية الدينية المتكررة، بما في ذلك الحادثة الأخيرة التي شهدتها السويد، والتي تعد عنفا على أساس المعتقد الديني، حيث قام بحرق المصحف لاجئ عراقي، وبموافقة من محكمة سويدية.
وهو ما تكرر من جانب تيارات يمينية متطرفة، وشكل ممارسة أغضبت البلدان الإسلامية، ونبهت عالميا إلى خطورة صعود اليمين المتطرف في أوروبا، واستخدامه الاعتقاد الديني كآلية؛ للتحريض والعنف ما يهدد التعايش.
وقال مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك خلال أعمال الدورة: قد تؤدي الإساءة لمظاهر معتقداتنا الراسخة أو تدميرها إلى استقطاب في المجتمعات وتفاقم التوترات.
وأشار فولكر في خطابه إلى عدة نقاط منها: التأكيد على مبدأ القبول، وأن يتصرف الناس باحترام تجاه الآخرين، كل الآخرين، وأن الحوار هو السبيل الوحيد الذي يُمكّن من التصدي للتحديات، وأضاف فولكر، أنه ولعقود طويلة يتم إهانة الناس بالخطابات والأعمال التحريضية الموجّهة ضد المسلمين؛ وكراهية الإسلام؛ ومعاداة السامية؛ والخطابات التي تستهدف المسيحيين، أو الأقليات.
وذكّر بأهمية التنوع، وضرورة أن يتمتع جميع الناس على قدم المساواة بالحق، في أن يؤمنوا أو ألا يؤمنوا، وهذه الحقيقة الأساسية مترسّخة في صميم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك معالجة خطاب الكراهية.
توقيت القرار
ويأتي القرار قرب الاحتفال بمرور 75 عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو التوقيت الذي من شأنه أن يثير طرح أسئلة عدة؛ حول ما تحقق من مبادئ العدالة والمساواة ورفض التمييز على أي أساس، ومن بين ذلك الدين، حيث يرفض الإعلان يرفض أن يكون الدين أساسا في التمييز، وذلك حسبما جاء في الإعلان بالمواد 2،16،18،26.
في المادة الثانية، يقر الإعلان بحقوق الإنسان دون تمييز “لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر”.
وكذلك المادة 18 “لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”.
توصيات المجلس وبحث الإجراءات
دعا القرار إلى اعتماد قوانين، وسياسات وأطر وطنية؛ لإنفاذ القانون. تعالج وتمنع وتقاضي الأفعال والدعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز، أو العداء أو العنف، وأن تتخذ خطوات فورية لضمان المساءلة.
كما أعرب المشاركون في الاجتماع عن قلقهم من عمليات التحريض والتمييز والعنف، وقال المجلس، إن المشكلة ستكون قيد نظره، وستناقش في دورة المجلس الخامسة والخمسين، بما في ذلك أولا: بحث الفجوات التي قد تكون مقيدة لإنفاذ القوانين. وثانيا: اقتراح تدابير الردع بما في ذلك المتعلقة بأعمال التحريض عبر الإنترنت.
لماذا يعد القرار مهما؟
يتخذ القرار أهميته، لعدة أسباب منها، ارتفاع موجة أعمال الكراهية على أساس المعتقد الديني، بما في ذلك التحريض والتمييز والعنف، ثانيا: أن رفض كافة أشكال التمييز تأتي ضمن أعمال المجلس واختصاصاته، لكن لم تكن أعمال التمييز على أساس الدين مطروحة بقوة كما أوجه التمييز الأخرى.
رابعا: يعد القرار نجاحا لجهود الدول الإسلامية والعربية في توجيه أعمال مجلس حقوق الإنسان، بما في ذلك رفض العنف على أساس الدين، والتفريق بين حرية الاعتقاد وبين أعمال العنف على أساس الاعتقاد ذاته، إذ تعد أعمال العنف على أساس الاعتقاد نقضا للحق في الاعتقاد، كأحد مرتكزات حقوق الإنسان.
خامسا: سيساهم القرار في لفت النظر عالميا إلى حوادث العنف القائم على المعتقد الديني، بما في ذلك في دول أوروبا، والتي تشهد تمييزا على أساس الدين، والأصل العرقي يطول المهاجرين العرب خاصة المسلمين منهم.
كما يساهم القرار في تحقيق مبدأ “المساءلة والمشاركة، كركيزتين أساسيتين؛ لبناء الثقة بين المجتمعات المحلية والدولة، والحفاظ عليها وإدامة السلام، عند وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” كما أنه يعبر عن التضامن الإنساني، وجهود منع أو توسع النزاعات والعنف.
ويأتي القرار نتيجة دعوات عدة؛ لمناهضة العنف على أساس ديني، كان من ضمنها دعوة جامعة الدول العربية، ومنظمة العمل الإسلامي، وقدمت مشروع القرار كل من باكستان وفلسطين نيابة عن دول منظمة التعاون، حيث جرت المطالبة بمحاسبة مرتكبي أعمال الكراهية الدينية، بما يتماشى مع التزامات الدول بالقانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان، والتي تعد ضمن نطاق عمل المجلس.
كما تنص المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على جميع الدول الأطراف من دون أيّ استثناء، أن “تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية، أو العنصرية أو الدينية، تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف. ”
أصداء القرار
رحبت عدة جهات دولية حقوقية بالقرار، كما أعلنت عدة منظمات وحكومات عن ترحيبها؛ باعتماد مجلس حقوق الإنسان مشروع القرار، ما يساهم في التصدي لظاهرة الكراهية، والتمييز على أساس الدين.
وأعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط ترحيبه بالقرار، وكذلك أعلنت وزارة الخارجية العراقية ترحيبها، مشيرة إلى مطالبة بغداد للأمم المتحدة بضرورة التحرك؛ لمواجهة التطرف وحرق الكتب السماوية، والذي يعد تحريضا على الكراهية، ويعوق الجهود الدولية الرامية لنشر قيم التسامح، ويقوض الاحترام المتبادل بين الشعوب والدول”.
على صعيد آخر، قرر مجلس حقوق الإنسان الجمعة، خلال اجتماعه الذي عقد في جنيف، تحديث قائمة الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك حذف أسماء الشركات التي جمدت أنشطتها، وإضافة أسماء الشركات الجديدة في المستوطنات.
وصوّتت 31 دولة لصالح مشروع القرار، خلال الدورة الثالثة والخمسين للمجلس، في وقت امتنعت 13 دولة عن التصويت، وعارضته 3 دول هي الولايات المتحدة، وبريطانيا، والتشيك.
ورحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، باعتماد القرار، والذي يعتبر ضمن أعمال المتابعة لقرار المجلس الذي اتخذ في مارس 2016، بإعداد قاعدة بيانات لجميع مؤسسات الأعمال المشاركة في أنشطة المستوطنات الإسرائيلية، والتي تؤثر بدورها في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني.