قضت محكمة أمن الدولة طوارئ بالمنصورة أمس الثلاثاء الموافق 18 يوليو/ تموز 2023 حكما بحبس باتريك زكي، الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ثلاث سنوات، بتهمة “إشاعة أخبار كاذبة بالداخل والخارج”، وهو حكم غير قابل للاستئناف أو النقض بموجب قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958.
اقرأ ورقة موقف مركز دام حول قضية باترك جورج :
وأحالت النيابة باتريك زكي إلى المحاكمة، في سبتمبر 2021، على خلفية نشره مقال بعنوان «تهجير وقتل وتضييق: حصيلة أسبوع في يوميات أقباط مصر»، في موقع «درج» في يوليو/ تموز 2019، تناول فيه أسبوعًا من حياته كمسيحي مصري، يتلقى أخبارًا تخص أوضاع المسيحيين المصريين، كشأن خاص وعام في آن.
وقضى باتريك سنتين قيد الحبس الاحتياطي، في سجن طرة، منذ ألقت الشرطة القبض عليه في فبراير 2020 من مطار القاهرة، لدى عودته من إيطاليا، حيث يدرس الماجستير في قضايا النوع بجامعة بولونيا. ثم أخلي سبيله في ديسمبر 2021 على ذمة القضية.
وحصل باتريك على الماجستير أخيرا بعد مناقشته عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، وذلك لمنعه من السفر.
في السجن، تعرض زكي الذي صوت مجلس الشيوخ في روما على منحه الجنسية الإيطالية، “للضرب والتعذيب بالكهرباء”، بحسب المدافعين عنه.
ويؤكد مركز “دام” للدراسات الحقوقية والسياسية، على إدانته لاستمرار أحكام محكمة أمن الدولة طوارئ على النشطاء والمدونين والباحثين، ويدعو رئيس الجمهورية لعدم التصديق على الحكم. وتطالب بالإفراج الفوري عن كل المتهمين في القضايا الخاصة بحرية الرأي والتعبير.
ملاحظات المركز على الحكم:
يعد هذا الحكم استمرارا لسياسة تقييد الحريات العامة ومن بينها حرية الرأي والتعبير بموجب اتهامات من نوعية “نشر اخبار كاذبة” الواردة في المواد 80 د، و188، و102 مكرر من قانون العقوبات، ويؤكد “دام” على تناقض هذه النصوص مع نص دستور 2014، وتوافر شبهة عدم الدستورية بهذه النصوص حيث يقرر الحكم بحق زكي الحبس في قضايا النشر بالمخالفة للمادة 71 من الدستور التي حظرت توقيع أي عقوبة سالبة للحرية في قضايا النشر إلا في الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف، والتمييز بين المواطنين، والطعن في أعراض الأفراد.
كما يشير النص إلى الجرائم التي “ترتكب بطريق النشر أو العلانية” وليس “تعبير جرائم النشر”.
كما تضمنت المواد المشار إليها في الحكم استعمال تعبيرات متشابهة وفضفاضة وغير منضبطة مثل “تكدير السلم/الأمن العام”، “الحاق الضرر بالمصلحة العامة”، “إثارة الفزع”، بما يتعارض مع الوضوح الواجب للنص الجنائي العقابي إعمالا لمبدأ الشرعية الجنائية.
ويشير “دام” إلى أن هناك عددا من الشخصيات العامة التي لا زال تُنظر قضاياها أمام محاكم أمن الدولة من بينهم د. يحيي حسين عبد الهادي، المنسق السابق للحركة المدنية الديمقراطية، الذي أحيل بموجب اتهام مماثل بنشر أخبار كاذبة، حيث قررت محكمة جنح أمن الدولة مدينة نصر ثان، بتاريخ 13 يوليو الجاري، مد أجل النطق بالحكم على “عبد الهادي”، حتى 21 سبتمبر/ أيلول مع إخلاء سبيله، في القضية رقم 1206 لسنة 2023 جنح، بتهم “حيازة منشورات ونشر أخبار كاذبة وبيانات كاذبة”، حيث اتهمته النيابة بنشر مقالات على صفحته على “فيسبوك” ضد الدولة المصرية.
قدمت النيابة السياسي عبد الهادي للمحاكمة، بزعم كتابته ثلاث مقالات بعناوين: “متى يتكلمان”، و”العار والحوار”، و”بل يجب الإفراج عن الجميع بمن فيهم الإخوان”، وتم نشرهم للجميع دون تمييز على صفحة “فيسبوك” تحمل اسمه.
وطبقًا لمحامين، قد تصل عقوبة هذه الاتهامات إلى أحكام بالسجن لمدة 15 عامًا.
وسبق أن صدر حكم على “عبد الهادي” في 23 مايو/ أيار 2022 من محكمة جنح مدينة نصر، بالحبس أربع سنوات بالتهم نفسها التي يحاكم بها اليوم “نشر أخبار كاذبة عمداً داخل وخارج البلاد”.
وبتاريخ 2 يونيو/ حزيران 2022، صدر قرار بالعفو عن عبد الهادي، حمل رقم 219 لسنة 2022 ونشرته الجريدة الرسمية، ليتم إطلاق سراحه قبيل أن تعاوَد محاكمته.
إن محكمة أمن الدولة طوارئ محكمة استثنائية لا تخضع احكامها للقواعد العامة لضمانات المحاكمة العادلة، حيث لا تقبل الطعن الاستئناف أو النقض. وهي محكمة من درجة واحدة بموجب قنون الطوارئ حيث تنص المادة 12 من القانون” لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية”..
ويختص رئيس الجمهورية بعدد من الصلاحيات الوارد ة 14 أهمها تخفيف العقوبة أو استبدالها بعقوبة أخرى، أو بإلغاء كل العقوبات أو بعضها، أو وقف تنفيذ العقوبة، أو إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى أو الأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى ، أو التصديق على الحكم.
استمرار للعصف بالباحثين والنشطاء
ويشير مركز دام أن هذا الحكم الأخير بشأن باتريك زكي يأتي استمرارا لسياسة العصف بالباحثين والنشطاء السياسيين، حيث تم القبض على عدد من الباحثين الذين يعدون دراسات عليا في جامعات خارج مصر وبشكل خاص في عدد من الدول الأوروبية ومنعوا من السفر لاستكمال عملهم البحثي والأكاديمي في الخارج. وأبرزهم:
1 ـ الأكاديمي والباحث أحمد تهامي عبد الحي، الدكتور بجامعة الإسكندرية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وعمل في 2019 أستاذاً زائراً في جامعة برلين الحرة، ونشر عديد من الكتابات في الدوريات العلمية.
وتعرض للحبس الاحتياطي منذ يونيو/ 2020 على ذمة القضية رقم 649 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، والمتهم فيها ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، والانضمام إلى جماعة إرهابية ولا يزال يتعرض للحبس الاحتياطي المطول حتى الآن.
2 ـ الباحث أحمد سمير سنطاوي الذي منع من السفر، والذي يدرس حاليًا للحصول على شهادة الماجستير في إحدى جامعات فيينا. وحاول سنطاوي مغادرة مطار القاهرة الدولي يوم السبت 3 يونيو/حزيران، لكن ضباط مصلحة الجوازات والهجرة منعوه من السفر إلى النمسا من دون مبرر أو أمر قضائي.
والباحث أحمد سمير تم القبض عليه في 1 فبراير/ شباط 2021 وأدين لاحقًا بتهمة نشر “أخبار كاذبة” وحُكم عليه بالسجن أربع سنوات بعد محاكمة جائرة. واستندت إدانته فقط إلى تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وسوء تعامل الدولة مع جائحة فيروس كوفيد-19. وبعد حملة عالمية، أطلق سراحه في 30 يوليو/ تموز 2022 بعد حصوله على عفو رئاسي.
وهو ما يعد تقييدا للحريات الأكاديمية، وانتهاكا لحرية التعبير في نفس الوقت. حيث تم احالة هؤلاء لنيابات استثنائية وتم حبسهم احتياطيا لفترات طويلة رغم أن الحبس الاحتياطي هو إجراء استثنائي بموجب قانون الإجراءات الجنائية. كما تعرض بعضهم للتدوير في أكثر من قضية.
كما يؤكد مركز دام أن استمرار هذه المحاكمات رغم انهاء حالة الطوارئ منذ اكتوبر 2019، يعد تناقضا مع كل الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ومنها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الصادرة في سبتمبر 2019، وجلسات “الحوار الوطني”، الذي يتضمن محورا خاصا بحقوق الإنسان والحريات العامة، ويفرغ هذه الاستراتيجية من مضمونها ويطيح بكل المطالبات الصادرة من الرأي العام والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والتي يأتي من أهمها إخلاء سبيل المحبوسين على قضايا حرية الرأي والتعبير، ووقف سياسة الحبس الاحتياطي المطول.
وكان صدور هذا الحكم الأخير بحق زكي أثار ردود أفعال سلبية حيث قام بعض أعضاء مجلس أمناء الحوار ومقررو اللجان بالانسحاب من فعاليات الحوار، وبعض المشاركين أعلن تجميد عضويته.
تناقض قانوني
من جهة أخرى يرى “دام” أن هذا الحكم يكشف تناقضا قانونيا بموجب قانون الطوارئ 162 لسنة 1958، حيث يفرق القانون بموجب المادة 19 في حالة وقف حالة الطوارئ بين المتهمين الذين لم يتم إحالتهم لمحاكم أمن الدولة، وبين من أحيلوا بالفعل. حيث تحال قضايا المجموعة الأولى إلى النيابة العادية، وتستمر المجموعة الثانية في خضوعها لمحاكم أمن الدولة، وهو موقف يعد انتهاكا لمبدأ المساواة أمام القانون، بين أصحاب المراكز القانونية الواحدة، رغم أنهم محالون كلهم بنفس الاتهامات أمام هذه المحكمة التي يعد استمرارها انتهاكا لضمانات المحاكمة العادلة وللمبادئ الأساسية المستقرة أمام محكمة النقض ومنها إهدار قرينة البراءة والتقاضي على درجتين واحترام حقوق الدفاع.
يدعو “دام” إلى إخلاء سبيل كل المحبوسين على ذمة اتهامات بنشر أخبار كاذبة في الداخل والخارج، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وكل الاتهامات التي تتضمن مصطلحات تميل إلى التعميم والغموض وتتناقض مع نصوص الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتزامات الدولة المصرية أمام مجلس حقوق الإنسان واللجان الدولية التعاقدية.
ويدعو “دام” رئيس الجمهورية إلى استخدام صلاحياته في إلغاء هذا الحكم والإفراج عن باتريك زكي فورا؛ كما يؤكد أن القيام باحتجاز “باترك زكي” فور النطق بالحكم رغم أن الحكم لا يكون نهائيا الا بعد تصديق رئيس الجمهورية.
كما يدعو “دام ” مجلس النواب إلى إجراء تعديل بقانون الطوارئ يضمن أنه فور وقف حالة الطوارئ يتم إحالة كل القضايا التي تنظرها المحاكم أمن الدولة إلى القضاء الطبيعي، والتساوي بين المتهمين أمام هذه المحاكم بوقف إحالتهم إلى هذه المحاكم وبين من لم يحالوا بعد.