تواجه مهنة المحاماة وجمهور المحامين عشرات التحديات على أكثر من صعيد، منها ما يتعلق بحالة العدالة في مصر من جهة، وفي علاقتها بأجهزة الدولة من جهة أخرى، ربما كانت بعض أسباب هذه الأزمات تاريخيا منذ ثورة يوليو 1952، بفعل العلاقة المتوترة بالدولة في بعض الأحيان التي اتخذت إجراءات بحل مجالس النقابات، كما حدث عام 1954، و1981، أو بوضعها تحت الحراسة كما حدث عام 1995.

وبعضها الآخر ظهر بأثر التغيرات المتسارعة التي مرت بها الحالة المصرية منذ عام 2013، والتي انعكست على مئات القوانين التي نالت من الحقوق والحريات العامة من ناحية، والأخرى التي تضعف من دور المحامين ونقابتهم، والتي لم تستطع مواجهة هذه التحديات، أو تضع خطة لمواجهتها على المدى الطويل.

وقد دخلت الجمعية العمومية للمحامين عشرات المعارك في السنوات الأخيرة، منها ما جاء لتوترات في العلاقة مع الجهات الشريكة في منظومة العدالة، وبشكل خاص جهاز الشرطة، والنيابة العامة ورجال القضاء، وبالرغم من الحصانة التي يتمتع بها المحامون في الدستور وقانوني المحاماة والإجراءات الجنائية، إلا أن الأوضاع الحالية تتجاهل هذه الحصانة، وأصبح معها المحامي هو الطرف الأضعف، وفي كثير من الحالات تعرض المحامون لاعتداءات من بعض رجال الشرطة؛ أثناء ممارسة عملهم، كما تعرضت علاقتهم مع النيابة العامة وموظفي المحاكم  لعدد من الصدامات المماثلة.

كما أحيل العشرات منهم لمحاكمات جنائية؛ بسبب إضرابات قاموا بها؛ دفاعا عن زملائهم وعن مهنة المحاماة في عدد من المحافظات، وآخرها بمرسى مطروح.

ومن الملفات التي دافع المحامون فيها عن أدائهم المهني، ما تعرضوا له من أجهزة الدولة، ووزارة المالية بفرض إجراءات؛ لتسجيلهم في ضريبة القيمة المضافة، وكذلك إصدارهم للفاتورة الإلكترونية؛ حيث نظم آلاف المحامين عشرات التظاهرات خلال الشهور الماضية؛ لرفض التعامل مع المهنة كعمل تجاري، وهو ما قامت به بعض النقابات المهنية الأخرى كالأطباء والمهندسين.

المهم في ذلك، أن الجمعية العمومية سبقت مجلس النقابة بخطوات، وظهر انفصال بين النقابة العامة، وبين جمهور المحامين في كثير من الحالات، إلا في بعض المحاولات التي تجاوبت معها النقابة؛ لصعوبة تجاهلها وسعيا لتهدئة المحامين، لأن الأمر أصبح يضع أعباءً مادية متوالية عليهم، وهو الأمر الذي أصبح يزيد من تكلفة التقاضي على المواطنين رغم النص عليه دستوريا.

وعانت مجالس النقابات منذ عام 2011، من الخلاف والانقسام الداخلي، وحالة من عدم الانسجام النقابي، في ظل استقطاب واضح بين النقباء السابقين، خاصة بين النقيب الراحل الأستاذ، رجائي عطية، والنقيب الأسبق، الأستاذ سامح عاشور، الذي تولى المسئولية لفترات نقابية طويلة، كان آخرها عام 2019، وقبله مع النقيب حمدي خليفة، واستمر ذلك الاستقطاب داخل المجلس بين أعضاء كانوا مقربين من النقيب عاشور، وبين نقيب ينتمي لمعسكر آخر. وازاه استقطاب آخر سابق بين أعضاء المجلس من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين والقوى الأخرى.

وهو ما أصبحت النقابة معه لا تقوم بدورها الأساسي في مناقشة القوانين ذات العلاقة بمنظومة العدالة، وفي نفس الوقت خفت دورها في الدفاع عن المحامين المقبوض عليهم في قضايا تتصل بعملهم، أو لممارستهم حرية الرأي والتعبير. عكس مجالس سابقة في حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وفي ظل تواجد قوي للجنة الحريات داخل النقابة وخارجها.

من جهة أخرى شابت علاقة النقابة بالسلطة التنفيذية عدد من الممارسات أهمها:

ـ استمرار تدخل الدولة في الانتخابات النقابية، من خلال تأييد مرشحين معينين، سواء لمقعد النقيب أو مقاعد مجلس النقابة، بل أثيرت معلومات بتدخل بعض أجهزة الدولة في إعلان نتيجة معينة في عضوية انتخابات مجلس النقابة 2019، التي انتهت بفوز النقيب الراحل رجائي عطية، ومجلس نصفه محسوب على النقيب السابق سامح عاشور.

إلى جانب ذلك، انحسر النشاط النقابي داخل النقابة، وتراجع دورها في مناقشة القضايا ذات العلاقة بمفهوم العدالة، وضمانات المحاكمة العادلة، كحالة الطوارئ والحبس الاحتياطي المطول، والتدوير وغيره من قضايا مهمة، تجاهلتها كافة المجالس خلال هذه الفترة، كما حدث ذلك مع النقابات المهنية الأخرى، وخاصة نقابة الصحفيين، بشكل كبير خلال السنوات الماضية، باستثناء نشاط الجمعية العمومية في قضايا مهنية بعينها مثل ،الفاتورة الضريبية، وقبلها قانون القيمة المضافة، والذي لم يستغله مجلس النقابة الحالي، ملقيا الكرة في مفاوضات بين لجنة نقابية ووزارة المالية.

ـ كذلك جاءت ردود أفعال المحامين غاضبة، تضامنا مع زملائهم الذين تم الاعتداء عليهم في المحافظات المختلفة من بعض موظفي المحاكم، كما حدث في مرسى مطروح مؤخرا، أو من بعض أفراد الشرطة، لكن افتقدت هذه الخطوات خطة واضحة لدى مجلس النقابة للتعامل مع هذه التجاوزات المنهجية لدور المحامينـ وإضعاف الحق في الدفاع.

وتوازى مع ذلك إضعاف دور المحامين أمام المحاكم المختلفة، سواء في الحصول على أوراق قضايا الموكلين فيها، أو الاطلاع على أوراقها، أو القيام بحقهم في المرافعة، أو زيارة موكليهم في السجون، وحضور التحقيق معهم أمام النيابة العامة و نيابات أمن الدولة.

إلى جانب كثير من القرارات الوزارية التي أصدرتها وزارة العدل، برفع الرسوم الخاصة بالاطلاع على أجندة الجلسات، وعلى أوراق القضايا المختلفة، أوعدم استفادة المحامين بالخطط الخاصة بتسهيل التعامل الإلكتروني داخل المحاكم.

حيث استمر التزاحم في المحاكم على حاله، وعلى أبواب الخزينة داخلها بشكل دائم، الأمر الذي بات يسبب؛ إرهاقا مستمرا لدى المحامين، انعكس على إعلان البعض تفكيره في اعتزال المهنة، وبعضهم قرر عدم الذهاب لأقسام الشرطة للحضور مع موكليهم؛ حتى لا يتعرض لمواقف محرجة.

في المجمل، فقد انشغلت المجالس المختلفة خلال الدورات السابقة بتصفية الحسابات بينها وبين ما سبقها من مجالس، ومحاولات السيطرة على توجهات المجلس.

بل وأدى نهج إشغال الجمعية العمومية بقضايا مختلفة، وغير جوهرية، إلى زرع الانقسام داخلها بين مشتغلين وغير مشتغلين. وهو ما أدى لشطب آلاف المحامين بدعوى عدم اشتغالهم بالمهنة، الأمر الذي أدى إلى رفع هؤلاء قضايا أمام مجلس النقابة وإلغاء هذه القرارات.

من ناحية أخرى، سعت بعض المجالس؛ لاستغلال علاقتها بأجهزة الدولة في تمرير تعديلات على قانون المحاماة 17 لسنة 1983، كان آ

خرها عام 2019، ولم تأت هذ التعديلات بغرض ترسيخ دور المهنة، أو النقابة في الدفاع عن أعضائها، بل كانت أداة لدى بعض النقباء؛ لاستمرارهم في مواقعهم النقابية. بينما تجاهلت معظم المجالس الوقوف مع المحامين، ووضع مشروعات بديلة لقوانين العقوبات، والإجراءات الجنائية، وكافة التشريعات ذات العلاقة بالحقوق والحريات العامة.

أما عن دور النقابة ولجانها الداخلية، فحدث ولا حرج، هناك غياب شبه كامل لأداء هذه اللجان، في قضايا المهنة والمجتمع، ولم تسع لمناقشة هادئة لأي من القضايا التي تظاهر المحامون بشأنها مثل، زيادة رسوم التقاضي أو قانون القيمة المضافة، بعكس فترات سابقة. واجه عدد محدود من محامي لجنة الحريات محاولات الحزب الوطني، برفع رسوم التقاضي، صمموا فيها مشنقة لبعض رموز مجلس الشعب، ونجحوا في وقف هذه التشريعات الجائرة.

خلال العام القادم، هناك انتخابات للنقيب ومجلس النقابة، ومن المنتظر  أن تكون انتخابات مهمة، ومؤثرة على قضايا المهنة في السنوات القادمة، وهو ما يحتاج إلى قيام الجمعية العمومية بدورها في انتخاب مجلس يعبر عن المحامين، ويدافع عن قضاياهم، دون وضع الاعتبار لنصرة قوائم بعينها أو انتماءات قبلية معينة.

كما يحتاج أيضا لجيل جديد من المرشحين يجدد الدماء ـ كما حدث مع موقع نقيب الصحفيين ـ بعيدا عن الأسماء التقليدية التي تولت العضوية لعقود طويلة، ولم تؤد مسئوليتها التي انتخبت من أجلها، سواء على مقعد النقيب، أو على مقاعد المجلس، وربما احتاج الأمر لاعادة مقعدي الشباب مرة أخرى داخل المجلس.