تتعاظم تأثيرات التغير المناخي عالميا، وتترك آثارها على اقتصاديات العالم، بما فى ذلك انخفاض الناتج المحلى للدول، وتأثر  العمالة، وكذلك نقص فى المحاصيل، يدفع نسب الفقر  والجوع إلى التصاعد.

في هذا الوضع يواجه الاقتصاد الدولي تحديات خطيرة ضمن نتائج التغير المناخي، والتى بلغت تكلفة خسائرها 16 تريليون دولار خلال 21 عامًا.

حسب  دراسة نشرها  المتندى الاقتصادي العالمي، إذا ارتفعت  درجات الحرارة العالمية بمقدار 3.2 درجة مئوية حتى 2050 فإن ذلك سيخلف خسائر تقدر ب 18٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وأدى استهلاك الطاقة المنتجة بالوقود الأحفوري إلى زيادة كبيرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري- بشكل أساسي ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز- وهي الغازات التي تسبب احترار المناخ.

بحسب البنك الدولي، فإن تركيز ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي ارتفع من 280 جزءًا في المليون عام 1750 إلى 423 جزءا بالمليون في عام 2023.

ارتفع استهلاك الطاقة فى العالم بشكل متسارع، وكان يعتمد سابقا على قطع الأشجار وحرقها،  لكن الوقود الاحفورى الآن هو أساس الاستهلاك، الذى قفز  في عام 2021 إلى 159000 تيراواط/ ساعة، أكثر من 80٪ من حرق الفحم والنفط والغاز.

تحذر جامعة “دارتموث” الأمريكية من أن الحرارة الشديدة يمكن أن تكلف البلدان ما بين 2٪  إلي 6.7٪ من ناتجها المحلي الإجمالي كل عام.

كريستوفر كالاهان، وهو باحث مختص فى التغير المناخي والجغرافيا، يشير  إلى أن الحرارة الشديدة يمكن أن تلحق الضرر بالمحاصيل، وتزيد انتشار الأمراض، وتؤدي لانهيار البنية التحتية.

وفى السياق، تشير أبحاث  مؤسسة Arsht-Rock  إلى أن تداعيات الحرارة الشديدة على المحاصيل ستكون عنيفة مستقبلا.

تقول المؤسسة إن الحرارة العالية تتسبب فى حدوث خسائر فى محصول  الذرة الأمريكي، قدرت بحوالي 720 مليون دولار من العائدات سنويًا، ويُتوقع أن ترتفع  إلى 1.7 مليار دولار بحلول عام 2030.

لم يسلم قطاع البناء من الخسائر،  حيث تتسبب الحرارة في تشوه الحديد والصلب، كما تقلل فرص تماسك الخرسانة، مما يجعلها أكثر عرضة للتشقق، ويؤثر على قوتها ومتانتها.

 حقوق العمال.. التغير المناخي خطر داهم

 

 حقوق العمال.. التغير المناخي خطر داهم
حقوق العمال.. التغير المناخي خطر داهم

تسود التوقعات، حاليًا، بانتشار الظواهر الجوية المتطرفة، بما فيها موجات الحر  مع ارتفاع متوسط درجاتها ما لا يقل عن 1.1 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية .

يقول شورو داسجوبتا ، خبير الاقتصاد البيئي، إن تأثير الحرارة الشديدة على العمال أصبح “قضية من قضايا حقوق الإنسان”، وتتطلب تأثيرات التغير المناخي سياسات أقوى لحماية العمال، مضيفا أن الحق في بيئة عمل آمنة وصحية هو حق من حقوق الإنسان الذي يتآكل.

ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، من المرجح فقدان ما يعادل أكثر من  2% من إجمالي ساعات العمل بجميع أنحاء العالم كل عام بحلول عام 2030 ، إما بسبب ارتفاع درجة الحرارة في مواقع العمل، وإما بسبب اضطرار العمال إلى العمل بوتيرة أبطأ.

عمال البناء والنسيج ضحايا للإجهاد الحراري

 

عمال البناء والنسيج ضحايا للإجهاد الحراري
عمال البناء والنسيج ضحايا للإجهاد الحراري

ووفقًا للمنظمة، فإن عمال الزراعة أو البناء مُعرضون بشكل خاص لخطر الوفاة والإصابات والمرض وانخفاض الإنتاجية بسبب الحرارة الشديدة، وبين عامي 1992 و2016 توفي 285 عامل بناء بالولايات المتحدة لأسباب مرتبطة بالحرارة.

حتى الذين يعملون في داخل المؤسسات الصناعية مثل عمال النسيج البالغ عددهم 66 مليونًا عالميًا يعملون داخل المصانع وورش العمل بدون تكييف، ويقع العديد منهم ضحايا للإجهاد الحراري.

وحينما تعرضت كندا لموجة حارة عام 2021، زادت إصابات مكان العمل المرتبطة بالحرارة والتي تتطلب تعويضًا بنسبة 180% مقارنة بمتوسط الثلاث سنوات السابقة.

تعطيل العمل

وبحلول عام 2061 ، من المتوقع أن يضيع ما بين 700 ألف و 2.7 مليون يوم عمل إضافي كل عام في أستراليا لأن تغير المناخ سيؤدي إلى موجات حر أكثر تواتراً وشدة واضطرار المؤسسات لتعطيل العمل.

صحة النساء والأطفال

 

صحة النساء
صحة النساء

تتأثر صحة النساء أيضا بالتغيرات المناخية، خاصة ارتفاع درجات الحراراة، في دراسة لمؤسسة Arsht-Rock حول النتائج السلبية على صحة الحوامل، تشير الدراسة إلى موت مليون طفل كل عام بسبب مضاعفات الولادة المبكرة. حيث تتسبب الحرارة الشديدة في ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وسكري الحمل، ما يزيد الوفيات بين الأطفال. ضمن المؤشرات واعتبارًا من عام 2021 ، انتهت واحدة من كل 15 حالة حمل بالإجهاض.

خسائر فى الناتج المحلى

 

خسائر فى الناتج المحلى
خسائر فى الناتج المحلى

تتفاوت خسائر الدول من ظاهرة التغيير المناخي، وتأتى الصين في مقدمة الدول المعرضة لخطر فقدان  ما يقرب من 24٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، ذلك مقارنة بالخسائر المتوقعة بنسبة 10٪ للولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة و 11٪ لدول الاتحاد الأوروبي.

 مخاطر تأمينية ضخمة.. الشركات في مشكلة

 

سويس ري
سويس ري

تشير بيانات شركة إعادة التأمين “سويس ري” لحدوث خسائر بسبب الكوارث المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، منها  تدمير المحاصيل بسبب الجفاف أو أضرار حرائق الغابات .

حسب بيانات الشركة، قدرت الخسائر بـ  46.4 مليار دولار  في الفترة ما بين 2017  و2022 مقابل 29.4 مليار دولار في السنوات الخمس السابقة (2012- 2017).

خسائر حرائق الغابات

 

حرائق-كالفورنيا
حرائق-كالفورنيا

تعد ولاية كاليفورنيا الأمريكية واحدة من أكثر المناطق تضرراً من حرائق الغابات، لذا  أحجمت بعض شركات التأمين الأمريكية الكبرى عن بيع بوالص التأمين على المنازل الجديدة.

ستعاني أمريكا من خسائر قياسية مستقبلا، وفي  عام 2017 ، بلغت خسائر  ولاية تكساس من إعصار هارفي 125 مليار دولار، بينما تسبب إعصار ساندي في خسائر تقدر بنحو 71 مليار دولار عام 2012.

وخلال 2019 جرفت الأمطار حقولا كثيرة وأغرقت الماشية وخسرت ولاية نبراسكا، وسط الولايات المتحدة ما قيمته 440 مليون دولار من الماشية فيما عانت ولاية أيوا من خسائر بقيمة 1.6 مليار دولار في إعصار مارس الماضي.

تحذيرات: الفقر والجوع سيتوسع

التوقعات تشير إلى أن درجات الحرارة ستزداد بين 2.4 درجة مئوية و 2.6 درجة مئوية بحلول عام 2100. وهذا أعلى بكثير من الـ 1.5 درجة مئوية التي حذر العلماء بعدها من حدوث تغييرات محتملة لا رجعة فيها أو ما سمي “نقطة اللاعودة” على الكوكب وعواقب مدمرة على  السكان .

يحذر البنك الدولي من أن حكومات العالم إذا لم تفعل شيئًا على الفور، فقد يدفع تغير المناخ 100 مليون شخص إضافي إلى الفقر بحلول عام 2030.

هدف القضاء على الجوع، سيصبح عسيرا، حيث سيساهم الجفاف فى تراجع  انتاج المحاصيل، مما يزيد من تعقيد المهمة الشاقة، وهي إطعام سكان العالم.

عندما تؤثر التغيرات المناخية على البذور والحصاد، تكون فرص العمل محدودة.  بالنسبة للفقراء العاملين في  الزراعة وفرص الطعام أيضًا.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين، أدى ارتفاع متوسط درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة إلى انخفاض دخل الفرد على المستوى العالمي بمعدل 1.4%.