تعيش عاملات المنازل في ظروف شديدة القسوة، يرتبط ذلك بطبيعة العمل، وتكرار حدوث انتهاكات، خاصة مع عدم امتلاك أدوات وآليات الشكوى والمحاسبة.

وتواجه عمليات توثيق الانتهاكات، مشكلات بينها هشاشة أوضاعهن، وبحكم أنهن عمالة غير مرئية، تعمل في الأغلب في المنازل، فإنها تخضع للضغوط، وأحيانا تخشى اللجوء إلى آليات الشكوى والإبلاغ.

تشير ورقة بحثية، أصدرها مركز دام، أن الضغوط الاقتصادية زادت أعداد عاملات المنازل، حيث لم يقتصر الأمر على النساء الأميات وذوات التعليم الأولي.

الورقة التي كتبتها الباحثة آية سالم، تهدف إلى تسليط الضوء على حجم، وملامح وسمات فئة عاملات المنازل، كما عرضت أوضاعهن ضمن إطار القانون والاتفاقيات الدولية.

كما تستهدف الورقة التي شاركت بها الباحثة في مسابقة دام للأبحاث والدراسات، إلى مناقشة المشكلات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي تعانيها عاملات المنازل.

وناقشت الورقة دور المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق عاملات المنازل، وقدمت في هذا السياق توصيات حول تحسين أوضاع العمالة المنزلية، وتفعيل الدور الدفاعي لمنظمات المجتمع المدني.

للاطلاع على الملف كاملا

حجم العمالة المنزلية

على المستوى المحلي، يقدر عدد العاملات في المنازل بأكثر من 1.5 مليون، بينهن أجنبيات، من جنسيات مختلفة، ويذكر أن بعض دول هذه العمالة الأجنبية حددت حداً أدنى لسن العمل، وتنفذ دورات تدريبية على استخدام الإلكترونيات، والتدبير المنزلي وتعلم اللغة العربية.

استقبلت مصر عام 2004 أكثر من 25 ألف عاملة روسية، زاد عليهن مائة ألف عامي 2006 و2007، وتتراوح أعمارهن بين 18 و40 سنة.

هذا بالإضافة إلى عشرة آلاف من العاملات الإندونيسيات والهنديات، لكن تشير الورقة إلى أن عدم وجود أجهزة، أو مؤسسات أو قانون ينظم هذه العمالة؛ يجعل الوقوف على أعدادهن بدقة غير ممكن.

استبعاد عاملات المنازل من التشريع

ينص قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، في مادته رقم 4 على أن “أحكام هذا القانون لا تسري على عمال الخدمة المنزلية، ومن في حكمهم، ومن القوانين الوطنية ما يمكن أن يتناول مصالح هذه الفئة، وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة.

وينص قرار وزير المالية رقم 544 لسنة 2007؛ بشأن القواعد المنفذة لقانون التأمين الاجتماعي على استبعاد هذه الفئة، حيث تنص فقرة (3) من هذا القرار على سريان القانون على المشتغلين بالأعمال المتعلقة بخدمة المنازل؛ بشرط ألا يكون محل مزاولة العمل داخل مكان معد للسكن الخاص، ولا يكون العمل الذي يمارسه العامل يدوياً، لقضاء حاجات شخصية للمخدوم أو ذويه.

الاتفاقيات الدولية

وقعت مصر علي العديد من الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالعمالة المنزلية، وتشمل اتفاقية الأمم المتحدة؛ لمنع ومكافحة الجريمة المنظمة غير الوطنية) باليرمو 2000، (والاتفاقية الخاصة بالرق لعام 1956، واتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالسخرة عام 1930وعام 1957.

هذا إضافة إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لعام 1999؛ بشأن حظر عمل الأطفال، والاتفاقية رقم 138 الخاصة بالحد الأدنى لسن الاستخدام، وتبنت منظمة العمل الدولية مؤخرا معاهدة جديدة، هي الأولى من نوعها لمد تدابير حماية للعمالة المنزلية، والتي تتراوح ما بين 50 إلى 100 مليون شخص في شتى أنحاء العالم، أغلبيتهم نساء وفتيات.

وأحياناً، لا تكون المشكلة في وجود القوانين أو التوقيع على الاتفاقيات رغم أهمية ذلك، فالمشكلة تكمن في الظروف الاقتصادية الصعبة، ونقص الموارد وفرص العمل، وتزايد شريحة الفقراء في غياب سياسات اجتماعية؛ مع عدم توفر الحدود الدنيا للمعيشة الكريمة، هذه الظروف تجعل ما تطالب به الاتفاقيات غير قابلة للتنفيذ.

مشكلاتهن

ضمن الورقة تعرض الباحثة آية سالم، عددا من أبرز مشكلات عاملات المنازل، فتشير إلى المشكلات الاقتصادية، وتعقد ظروف الحياة وتفاقم الضغوط المادية.

بينما أبرز المشكلات النفسية هي معاناة العاملات من مشكلة القصور في احترام الذات، وهي مشكلة خفية معقدة، ولا يعيها الشخص، لكنها مسئولة عن كثير من الاضطرابات النفسية.

إضافة إلى مشكلة التفكير السلبي “ويُقصد به الميل للبحث عن أسوأ ما في الأمور وخفض مستوى التوقع لأدنى حد والاعتقاد بحدوث أسوأ المواقف”، فهذا التفكير السلبي يولد خلافات وينتج سوء الفهم والغضب والانتقام، ما يؤثر على التصرفات والعلاقات، ويتغلغل في أعماق الذات، وربما يصبح جزءاً من كيان شخصية الفرد وتركيبته النفسية. كما يمكن أن يُنتج ذلك عدم توافق نفسي، بما يتضمنه من شعور دائم بعدم الرضى عن النفس، بل وعدم القدرة على إشباع الحاجات العضوية الأولية، وكذلك الحاجات الثانوية المكتسبة.

بجانب المشكلات النفسية، تشير الدراسة إلى مشكلات اجتماعية بينها، سوء التوافق الاجتماعي الذي يتمثل في عدم القدرة على التفاعل مع الآخرين، وعدم الالتزام بالمعايير الاجتماعية، وعدم القدرة على التعامل مع الجماعة وتحقيق الرضى.

دور المنظمات الحقوقية

يتمثل دور المنظمات الحقوقية في الدفاع عن هذه الفئة؛ للحصول على قرارات أو استصدار تشريعات لصالح الفئات المستهدفة، وتتضمن المدافعة في علم تنظيم المجتمع، المشاركة من جانب أفراد المجتمع، والضغط من أجل الحصول على حقوق الفئات الأكثر حرماناً.

حسب الدراسة، فإن الأدوار الدفاعية، يمكن تعريفها بأنها الجهد الإداري المنظم للتأثر والتوافق في الجوانب الاجتماعية الرئيسية، وأشار ميثاق القيم الأخلاقية للاختصاصيين الاجتماعيين بالولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الدفاع عن حقوق أفراد المجتمع المهضومة حقوقهم، مسئولية أخلاقية، يتحملها الممارسون والمهنيون.

وتعمل منظمات المجتمع المدني على دعم الحشد الجماهيري لمطالبها، وتسعى للتأثير على صانعي السياسات؛ لدفعهم إلى اتخاذ قرارات ومواقف بهذا الخصوص، وفي هذا الإطار يمكن لمنظمات حقوق الإنسان أن تلعب دوراً هاماً وأساسياً، فيما يتعلق بقضايا عاملات المنازل كإحدى الفئات التي تحتاج إلى المدافعة وتمكينهن من حقوقهن.

وبين أدور هذه المنظمات، تبرز مهام حماية حقوق عاملات المنازل في مواجهة أرباب العمل، وتحسين البنية التشريعية، وأيضا الدفاع عن عاملات المنازل الوافدات من دول أخرى.

ويمكن للمنظمات الحقوقية أن تلعب دوراً هاماً كذلك في نشر ثقافة حقوق الإنسان، والتي من بينها حقوق عاملات المنازل، سواء كانت تلك الحقوق اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها.

تجارب عربية

ومن أشكال تنظيم العمل على المستوى العربي، أعدت الإمارات العربية المتحدة عقداً للعاملات في المنازل عام 2007، وأعد الأردن صورة لعقد آخر يؤدي عدم الالتزام به إلى إلغاء رخصة وكالات التوظيف التي تخل به.

نتائج وتوصيات

خلصت الدراسة إلى عدة نتائج وتوصيات، وضمنها ما يخص منظمات المجتمع المدني، فوفق الورقة، يتطلب الدور الدفاعي عن عاملات المنازل، زيادة برامج التوعية والتثقيف لكل أفراد المجتمع والأسر بحقوق العاملات، ووضع سياسات لمتابعة حقوق عاملات المنازل، وحالات الانتهاكات التي يتعرضن لها والقيام بمهام الدفاع عنهن.

وتوصى الدراسة ببناء شبكة اتصال بين المنظمات الحقوقية المهتمة بعاملات المنازل، وتوفير قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية، والمجالس القومية الخاصة بحقوق المرأة والطفل وغيرها من المجالس.

هذا اضافة إلى توفير قاعدة بيانات كافية تحدد الاحتياجات الفعلية لعاملات المنازل، مع إنشاء الخطوط الساخنة للمشورة الأسرية وخط النجدة في كل منظمة حقوقية تعمل في مجال المرأة.

وتقترح الورقة ضرورة توفير التمويل اللازم لجميع الأنشطة، والبرامج التي تقدمها المنظمات الحقوقية لعاملات المنازل، وتقترح في الجانب الاقتصادي، صرف القروض وتسهيل عمليات الشراء بالشراكة مع المؤسسات التجارية، ورجال الأعمال.

وتشير الورقة إلى توصيات على مستوى المجتمع، منها التوعية بحقوق المرأة بشكل عام، وعاملات المنازل بشكل خاص، والاهتمام بالتعليم، وتتبع الأطفال المتسربين من الدراسة، مع الاهتمام برفع مستوى معيشة الأسر الفقيرة من خلال برامج الحماية الاجتماعية.