بين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من يوليو/تموز الجاري، استضافت القاهرة ولأول مرة اجتماعات لقوى “الحرية والتغيير – المجلس المركزي” السودانية؛ بحثًا عن صياغة مبادرة لوقف إطلاق النار في السودان، وإنهاء الأزمة في البلاد، عبر تكوين جبهة مدنية موحدة.

وأتت هذه الاجتماعات في ظل تجاوز الحرب المستعرة بين الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع” يومها الـ100 مع عدم تمكن جهود الوساطة التي تقوم بها قوى إقليمية، ودولية من إيجاد سبيل للخروج من صراع بات مستعصيًا على الحل.

واندلع القتال في السودان في 15 إبريل/نيسان الماضي؛ بسبب الصراع على السلطة بين الطرفين العسكريين، مما أشاع الدمار في العاصمة الخرطوم، وتسبب في زيادة حادة في العنف العرقي في دارفور. وشرد ما يزيد على ثلاثة ملايين، منهم أكثر من 700 ألف، فروا إلى دول مجاورة. وتقول وزارة الصحة السودانية، إن القتال أودى بحياة زهاء 1136 شخصًا، لكن المسئولين يعتقدون أن العدد أكبر من ذلك.

وقالت قوى “الحرية والتغيير”، التحالف المدني الرئيس في السودان، إن الاجتماعات تمت في مصر التي تقدم نفسها كوسيط في الصراع. وأضافت في بيان، أن “التحديات والمتغيرات تفرض ضرورة وقف الحرب، وقطع الطريق أمام مخطط النظام السابق؛ لتحويلها لحرب أهلية شاملة، واستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي”.

كما أجرى نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار (المقرب من الجيش)، سلسلة من الاجتماعات والمشاورات في القاهرة مع قادة “الحرية والتغيير”؛ لمناقشة كافة الآراء لخلق توافق وطني في شأن القضايا السودانية.

وبرعاية من المخابرات المصرية، وفق تقارير سودانية، التقى قياديو الحرية والتغيير، مع الحزب الاتحادي الأصل، بزعامة جعفر الميرغني، من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي شامل دون إقصاء؛ لمعالجة ما حدث خلال الفترة الماضية.

وهدفت هذه الاجتماعات إلى تكوين جبهة سياسية مدنية من الأطراف السودانية؛ لمجابهة طرفي الصراع، والتأكيد على دور السودانيين دون التدخلات الخارجية.

ويتعرض التحالف المدني لحملة انتقادات واسعة، وتُتهم قياداته بموالاة قوات الدعم السريع، والتغاضي عن إدانة الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها عناصرها في الخرطوم ودارفور. بينما يقول قادة الائتلاف، إنهم يسعون بجدية لوقف الحرب ولا يناصرون طرفًا على الآخر.

القاهرة توّسع من مساراتها

يعد هذا الاجتماع الأول لقادة “المكتب التنفيذي” لقوى الحرية والتغيير، منذ اندلاع الحرب في البلاد، ويصل عدد قيادي الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الاجتماعات إلى نحو 45 شخصًا.

ويمثل اجتماع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير تطورًا مهمًا على صعيد اقتراب القاهرة منها، ورغبة الأخيرة في ممارسة دور مؤثر في وقف الحرب، وبدء صفحة جديدة مع المجلس المركزي، حيث رفضت قياداته -في فبراير/شباط الماضي- زيارة القاهرة، وحضور اجتماع ضم قوى سياسية متنوعة؛ لإيجاد حل للأزمة قبل تطورها عسكريًا.

آنذاك، حضر إلى القاهرة أعضاء الكتلة الديمقراطية في قوى الحرية والتغيير، والمعروفة بأنها داعمة لتصورات المؤسسة العسكرية في السودان، بينما غاب أعضاء المجلس المركزي الذين توجسوا في ذلك الوقت من دعم القاهرة للجيش.

ويقول مراقبون، إن اجتماع المجلس المركزي في القاهرة الهدف منه؛ إحداث توازن بين البُعدين العربي والإفريقي في الأزمة السودانية. إذ زار وفد من الحرية والتغيير أديس أبابا مؤخرًا، وفُهم من الزيارة وتفسيراتها السياسية، أن إثيوبيا تدعم الوفد، وتؤيد توجهات قائد الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

يذكر أن وفد الحرية والتغيير، قد قام مؤخرًا بجولات لبعض الدول منها أوغندا وإثيوبيا، والتقى برئيس أوغندا، يوري موسيفيني.

وتأتي هذه الخطوات، بعدما استضافت مصر قمة دول جوار السودان منتصف الشهر الجاري، لبحث سبل إنهاء الصراع في السودان. وأكدت مصر في ختام القمة على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية، ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها أو انتشار عوامل الفوضى، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها.

وقد حرصت القاهرة في القمة على تهيئة الأجواء؛ لتهدئة الأوضاع السياسية والإقليمية؛ لوقف إطلاق النار، وبدء حوار سياسي شامل. واعتبرت القمة نواة صلبة لتحركاتها الرامية إلى وقف الحرب، وتقريب المسافات بين القوى الإقليمية والأطراف المحلية؛ لمنع تزايد الانفلات والفوضى.

كما أقرت القمة التي شارك فيها قادة سبع دول إفريقية هي: مصر وليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا آلية اتصال، يقودها وزراء خارجية الدول المشاركة؛ لبحث “الإجراءات التنفيذية المطلوبة؛ لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل، واستقرار السودان، ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار”.

وكان من بين البنود التي تضمنها البيان الختامي، التأكيد على “أهمية الحل السياسي؛ لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار”.

 

محاولة لتهيئة الأجواء

تقول المحللة السياسية، صباح موسى، إن نجاح الاجتماع مرهون بقبول أعضاء المجلس المركزي، الجلوس مع الأطراف السودانية التي اختلفوا معها حول الاتفاق الإطاري، ما تسبب بشكل كبير في اندلاع شرارة الحرب في الخرطوم.

وأضافت، أن “ما رَشح عن الاجتماع يشير إلى وجود رغبة في تشكيل جبهة مدنية عريضة؛ لإنهاء الحرب، تضم كل الأطراف السياسية السودانية، ومن الضروري أن يترك الجميع أجنداتهم الضيقة؛ لوقف إراقة الدماء، وتبتعد الأطراف المدنية عن الاصطفاف مع الجيش أو قوات الدعم السريع، ونسيان فكرة الحواضن السياسية للمكونات العسكرية من أجل؛ ضمان التحول الديمقراطي السليم”.

وذكرت موسى، أن الاجتماع يشير إلى نجاح القاهرة في تهيئة الأجواء خلال الفترة الماضية؛ لتوحيد الرؤى من أجل وقف الحرب، والعودة إلى عملية سياسية منتجة، “فمصر تفهم جيدا تفاصيل الأزمة، وتشابكاتها وتُنسق مع الأطراف المعنية في إطار ثوابتها التي تقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والحفاظ على السيادة ووحدة الدولة”.

من جانبه، قال السفير محمد الشاذلي، سفير مصر السابق في السودان، إن قوى الحرية والتغيير هي أهم الفصائل السودانية، والتي تدعو إلى انتقال سلمي للأزمة التي تشهدها السودان. وأكد الشاذلي، أن قوى الحرية والتغيير هي الأمل بالنسبة للشعب السوداني، وذلك لأن الجيش والدعم السريع أثبتوا عدم أهليتهما للحكم.

وتعتقد تقارير، أن مصر باتت -عقب قمة دول جوار السودان- الأقرب لقيادة وساطة ناجحة لحل الأزمة؛ نظرا لعدة اعتبارات، أولها: أن الوسيط الإثيوبي بات أبعد حاليًا عن هوى الجيش السوداني، بعد تصريحات اعتبرها الأخير تنال من سيادته، وإصرار أديس أبابا على دخول كينيا في المفاوضات، وهو ما قابله الجيش بالرفض.

وعلى الجانب الآخر، نالت المبادرة المصرية شبه إجماع لدى الفرقاء، كونها ارتكزت على حياد جميع الأطراف الخارجية تجاه الأزمة، بحيث لا تخل بالتوازنات بين الأطراف المتصارعة، وتسمح ببدء جولة التفاوض وسط مناخ جديد غير منقسم الأهواء.

ما الذي ناقشته اجتماعات القاهرة؟

القيادي في “الحرية والتغيير”، خالد عمر يوسف، دعا إلى توحيد المبادرات للإسراع في حل الأزمة.

وكان قد أوضح، أن الاجتماع في القاهرة يتناول -إضافة إلى سبل وقف الحرب- معالجة الوضع الإنساني، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وتعويض المتضررين.

ورأى الناطق باسم “الحرية والتغيير”، جعفري حسن، أن أهمية الاجتماعات تأتي من كونها الأولى بعد الحرب، فضلاً عن بحث سبل “بناء جبهة مدنية واسعة” تشمل كل السودانيين، عدا حزب المؤتمر الوطني وأتباعه.

وترأس الرئيس السوداني السابق عمر البشير -الذي ظل في الحكم لنحو ثلاثة عقود- حزب المؤتمر الوطني السوداني، قبل أن تطيح به احتجاجات شعبية في إبريل من عام 2019.

من جانبه، قال عضو المكتب التنفيذي لقوى “الحرية والتغير”، محمد عصمت يحيي، “قبيل بدء الاجتماع” إن اجتماعات القاهرة ستناقش تأمين وصول المساعدات الانسانية إلى مستحقيها، لافتًا إلى “أحاديث كثيرة داخل السودان، أن المساعدات ضلت طريقها إلى الأسواق وتجار الحروب”.

وأكد، أن الاجتماعات ستتناول “القطاع الصحي المعرض للانهيار في السودان”، مشددًا على أن بلاده “تحتاج لمشروع سياسي جديد يعالج كل القضايا بصورة جذرية، ويفتح الباب أمام عملية بناء وطني”. وأضاف “نعمل على أن تكون تلك الحرب آخر الحروب في السودان”.

“نسعى من خلال الوسائل الإعلامية والدبلوماسية، للتواصل مع الفاعلين في المشهد السوداني من دول الجوار والمجمتع الدولي، من أجل الضغط على طرفي النزاع من أجل؛ وقف الحرب، والالتزام بخطة كاملة للانتقال من أجواء الحرب إلى السلام، ومن ثم استعادة المسار الديمقراطي”، يوضح عمار حمودة، المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير.

واعتبر حمودة، أن “الحل السياسي لن يبدأ قبل أن تسكت أصوات الرصاص في السودان، والوصول لوقف شامل وكامل للحرب، وهذا الأمر أساسي ومصيري من أجل إيجاد حل شامل للأزمة الحالية”.

وقال: “نسعى لبذل المزيد من الجهود الدبلوماسية في المنطقة، لا سيما مع دول الجوار والدول الإقليمية من أجل دعم مسيرة مبادرة جدة، من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وبنظرنا فإن هذا الأمر حتمي، مهما طال الزمن ومهما تبدلت مواقع القوات العسكرية على الأرض”.

وطالب البيان الختامي للاجتماع؛ بإجراء تحقيق مستقل حول الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة “مع اعتماد آليات فاعلة لإنصاف الضحايا ومحاسبة الجناة”. كما دعا المجتمع الإقليمي والدولي لوضع إيصال المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين في مقدمة أجندتهم.

وأكد البيان على أهمية تنسيق الجهود، وتوحيدها والاتفاق على رؤية سياسية، وصيغ عمل وتنسيق مشترك، والتوافق على تصميم العملية السياسية، وأطرافها وقضاياها وطرق إدارتها، بما يسرع من جهود وقف الحرب، وتأسيس وبناء الدولة السودانية الجديدة.

“الحرية والتغيير تبحث عن التماسك”

الباحث في الشؤون الإفريقية، إسلام نجم الدين قال، إن الحرب في السودان عنصر تهديد قوي للأمن القومي المصري. وقد ركز التحرك المصري منذ اللحظة الأولى على التهدئة العسكرية، خاصة أن لدى كلا الطرفين قوة عسكرية مفرطة، وكلاهما يحصل على دعم إقليمي وعسكري من دول مجاورة وإقليمية، وكلاهما يمثل شبكة مصالح مختلفة.

ويوضح “هذا الموقف المصري الذي حافظ على اتصالاته السياسية مع كافة الأطراف، واستقبال الكثير من اللاجئين رغم ظروف مصر الاقتصادية، جعل القوى السياسية السودانية ترى أن القاهرة لا تلعب لمصلحتها الخاصة، بل لمصلحة السودان”.

فيما أكد المحلل السياسي عمار العركي، أن “ما يلفت النظر في اجتماع الحرية والتغيير هو توقيت ومكان انعقاد الاجتماع، كونه يأتي بعد ما استبانت الأوضاع، ولم تكن الحرية والتغيير أعلنت طوال الفترة الماضية، موقفًا واضحًا من الأحداث، كما أنه يأتي في القاهرة بما تمثله كدولة، تكاد تكون غير مرحبة بهذه الجماعة في الإجراءات السياسية التي تمت، وأيضًا بما للقاهرة من موقف يدعو إلى أن يكون هناك توافق وحوار سوداني – سوداني”.

ولكن العركي يرى، أن “الحرية والتغيير بعد كل المناورات السياسية التي تمت، بدءًا من كينيا إلى أديس أبابا وغيرها، شعرت أنها تحتاج للتماسك، وبالتالي كان لا بد من هذا اللقاء، خاصة بعد أن تعالت أصوات داخل مكونات الحركة، وبرزت الخلافات حول توصيف الصراع والموقف منه. ففي الوقت الذي اعتبرته قيادات الحركة صراعًا بين الجيش والدعم السريع، ولم تدن كل أفعال وانتهاكات قوات الدعم، كان هناك تيار داخل الحركة، يتبنى رأيًا مخالفًا، وبدأت بعض المكونات السياسية للحرية والتغيير، بإدانة توجهات الدعم السريع الحليف الاستراتيجي للحركة”.

وتابع: “وبالتالي كان لا بد للمجموعة دعم لقاء القاهرة لمزيد من التماسك الداخلي، وليس من أجل إجراء مشاورات مع المكونات في مصر، كما يقول بيان الحرية والتغيير. وعلى الرغم من أن الهدف هو توحيد رؤية الحركة تجاه الأزمة، إلا أن هذه الخطوة موفقة، باعتبار أن القاهرة سعت لحوار سوداني داخلي، توافقت عليه دول الجوار في قمتها الأخيرة، وسيصب وجود الحرية والتغيير في القاهرة في اتجاه دعم الوسطاء، وتماسكها حتى يتسنى إعمال المبدأ الذي أقرته جامعة الدول العربية ومصر، بأن الحل يجب أن يكون عبر حوار سوداني داخلي خالص”.

هل تنجح الجهود؟

من جانبه، قال رئيس حزب “المؤتمر” السوداني، وأحد قيادي الحرية والتغيير، عمر الدقير، في الجلسة الافتتاحية للاجتماعات، أن “قوى التغيير” انحازت منذ اليوم الأول إلى “وقف الحرب، على النقيض من موقف فلول النظام المعزول الذين قرعوا طبول هذه الحرب للعودة إلى السلطة التي عزلهم منها الشعب السوداني في ثورة ديسمبر (كانون الثاني) 2018”.

وأشار الدقير إلى، أن “قوى التغيير” تمد الأيادي إلى جميع القوى المكونات المؤمنة بالديمقراطية، للعمل على إيقاف الحرب وحشد الجهود الدولية والإنسانية لإصلاح البلاد.

وحول مجمل المشاورات التي أجراها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، مع بعض قيادات “الحرية والتغيير”، قال شريف إسماعيل، الأمين السياسي في حزب “المؤتمر السوداني” والقيادي بالحرية والتغيير، إن المشاورات بين قيادات التيار ومالك عقار “لم تنقطع”، لافتًا إلى أن عقار بوصفه أحد مؤسسي التيار، ومن بين الموقعين على “الاتفاق الإطاري” لم تتوقف اتصالاته بقادة القوى المكونة لـ”الحرية والتغيير”.

يقول محمد مصطفى، رئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال”، إن اجتماع قوى الحرية والتغيير بالقاهرة، للتوافق حول مبادرة لإحلال السلام في البلاد، ربما لن يأتي بجديد، لأنها لم تسوِ الخلافات الداخلية فيما بين مكوناتها أولًا.

وتابع مصطفى، “اجتماعات القاهرة لن تحقق تقدما في ملف وقف الحرب، ما لم ترتق قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي إلى مستوى المسئولية، وتقدم مبادرة عملية لتحقيق التوافق السياسي..”.

وفي الوقت نفسه، يقلل مراقبون من فرص نجاح هذا الاجتماع، كونه مقتصرًا على القوى السياسية المدنية السودانية، مع غياب الأطراف العسكرية المتشابكة، خاصة أن تلك القوى السياسية لا تملك أوراق ضغط على طرفي النزاع السوداني.