تتجلى حقيقة مطلقة في تاريخ البشرية عبر تاريخ الإسلام بوجه خاص، تتعارف حولها كل العلوم الاجتماعية: ” إذا كان التاريخ هو “مفتاح” العقل، فإن السلطة هي مفتاح التاريخ”، لقد لعبت السلطة دورا جبروتيا طاغيا في تشكيل العقل الإسلامي، ليس السياسي فحسب، بل العقل الجمعي للإسلام، وبين صراع العقل والسلطة، امتلأ جسد الإسلام بالجروح على مستوى العقيدة والفكر والعلم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، لقد تم سحق دفقة الحيوية الأولى التي انبثقت من المجد النبوي تحت مطارق الاستبداد والقهر، والتحريم والتضييق على المسلمين، وذلك وإن رجع فإنه لا يرجع إلا لذلك الحاجز العملاق الذي بنته المنظومة السلفية بفقهها ورواتها؛ لعزل المؤمنين عن النص الخالص _القرآن والسنة الصحيحة_ ورويدا تبدد الدين الأصلي خلف ركام من الروايات والخزعبلات والصوفية وأقوال رجال عاديين، بل إن ذلك المجد النبوي صار “تاريخا” يعكس منظومة الفقه السلفي، وهو ما يتطلب الآن وقفة قوية من جموع المسلمين، يستعيدون بعدها علاقتهم القوية مع إسلامهم الأول الذي بناه النبي وصحابته، وتركوه بعد قرن واحد عالميا؛ يتجاوز حدود اللغة والجغرافيا والمكان. كيف استطاع منطق التحريم أن يطغى على العقل الإسلامي ويزيح روح الدين الحقيقية ويضع الفقه مكانها؟ لا يستطيع الآن أي مسلم أن ينكر أن الفقه والفقهاء هم الذين يرسمون العلاقة مع الله، وهو ما شوه جوهر الدين، وأخفى نوره الذي إن ترك مجردا لبصم على قلب كل مسلم بصمة تميزه عن بقية الخلق.
لم يرد في القرآن استعمال القتل “كعقوبة” إلا في حالة واحدة هي القصاص، ودعا إلى عدم الإسراف فيه، وأوحى بالعفو عنه “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق”، لكن الفقه والرواة والأسانيد دعت إلى القتل كعقوبة في الزنا، والردة وممارسة السحر، والمثلية الجنسية، والخروج على الحاكم، وكسر عصا الطاعة، بل إن هناك جدلا قويا يدور في كل عصر من عمر الإسلام، حول حد الحرابة، يقف فيه المتعقلون موقفا، ينادي بأن آية الحرابة: “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا” بحسب سياق نزولها، لا تهدف إلى إنشاء حكم فقهي، يستحدث عقوبة متفردة، بل تهدف إلى تفسير موقف الرسول الذي كان بالغ الشدة حيال جماعة بعينهم في سياق ظرفي استثنائي؛ لمعالجة واقعة محددة، هي واقعة “العرانيين” أو الجماعة التي قدمت من قبيلة عرينة إلى المدينة، لمقابلة النبي، وأعلنوا إسلامهم، ولما رأى عليهم النبي جهد الطريق مصفرة وجوههم من الجوع والعطش، أمرهم أن يخرجوا إلى مرعى إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، ولما فعلوا ذلك صحوا واشتدت قواهم، فمالو إلى رعاة إبل الصدقة فقتلوهم، واستاقوا الإبل_ سرقوها إلى خارج المدينة، وحين بلغ النبي خبرهم من أول النهار أرسل في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم وقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وفي رواية (سمل) أعينهم أي أمر بمسامير أحميت وكحلهم بها. قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدِم (يعض) الأرض بفيه عطشا من قيظ المدينة حتى ماتوا، ويحكي أهل التواريخ والسير، أنهم قطعوا يدي الراعي ورجليه وغرزوا الشوك في عينيه، وأُدخل المدينة ميتا، وكان اسمه يسار، وكان نوبيا، وكان هذا الفعل من المرتدين سنة 6 من الهجرة، ونقل الطبري في تفسيره عن الوليد بن مسلم: “ذاكرت الليث بن سعد، ما كان من سمل رسول الله أعينهم، وتركه حسمهم، حتى ماتوا. فقال سمعت محمد بن عجلان: يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله معاتبة في ذلك، وعلّمه عقوبة مثلهم بالقتل أو القطع أو النفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم، كما حكي عن السدي: أن الرسول لم يسمل أعينهم، بل هم بهم فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يقيم الحدود فيه، ورأى فريق آخر من الفقه والتفسير في فعل النبي قصاصا عادلا لأنه: “إنما سمل أعين أولئك؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة، وقد عقب القرطبي على هذا الرأي بقوله: “لا إشكال، ولا لوم، ولا عتاب، إذ هو مقتضى الكتاب، قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، فمثّلوا فمُثل بهم، إلا أنهم يحتمل أن يكون العتاب إن صح على الزيادة في القتل، وذلك تكحيلهم بمسامير محماة، وتركهم عطشى حتى ماتوا.
يتدخل المفكر المصري عبد الجواد ياسين، في مسألة العرينيين محاولا فهم الجزاءات الواردة في آية الحرابة على طريقة الفقهاء أنفسهم من باب اللغة، والاشتقاق فيقول: (التقتيل وهو مصدر الفعل قتّل_ والتصليب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والنفي عقوبات مخففة، بما تم إنزاله بالعرنيين، حسب الروايات (قطع الأيدي والأرجل وسمل الأعين بمسامير محماة، منع الماء حتى الموت، ثم التحريق) مما يستدعي التمعن في عقوبات الآية ذاتها من جهة الثقافة الاجتماعية التي تحملها. لا أعني بالضبط محاكمة هذه الثقافة الاجتماعية الخشنة إلى المعايير الفنية المعاصرة لحقوق الإنسان، فليس بمقدور أي تشريع؛ أن ينفلت من بصمة الثقافة التي يصدر فيها (لأنه يصدر عنها)، ولكن أعني قراءتها إلى جوار المطلق الإيماني الأخلاقي الذي يمثل جوهر الدين في ذاته، بغرض التأكيد على أن التشريع لا ينتمي إلى هذه المنطقة المطلقة، فباعتباره_ أي التشريع _ أحد التجليات التفصيلية للاجتماع، فهو يصدر عن منطقة أكثر التصاقا بالواقع وبالجانب الغريزي من الإنسان، ما أعنيه هو فقط التوقف أمام تاريخية الآية الواضحة من منظور رؤيتنا الحالي”. وكلام ياسين يلمح إلى الكثير من الميول التشريعية للفقهاء، واستشعارهم بعض الحرج من ممارسات أمراء، وملوك كانوا يعاصرونهم، حرج ربما من الممكن أن يدفعهم إلى الافتراء على النبي بروايات مثل هذه، تبرر التمثيل والقتل وتقنن له، ثم تخلط الزمان والمكان الماضيين بالزمان والمكان الحاليين، رغم أن الظرف والجغرافيا مختلفان تماما، ولا يمكن الجمع بينهما، خصوصا في التشريع الديني الذي يطالبنا الفقهاء بتطبيقه، في أي زمان ومكان غير عابئين بملابساته الاجتماعية والتاريخية.
بمعنى أدق، نحن نربأ بالنبي، أنه كان يريد نقل ما يدور في مجتمعه الصحراوي كاملا إلى الشريعة التي ستطبق بعد عصره بمئات السنين، ويكون كل شيء قد تغير وتطور، إذ يشير عبد الجواد ياسين إلى، أنه في بيئة قاحلة كبيئة البادية العربية كان الفقر واحدا من الأسباب المعروفة، والمبررة للغارات المتبادلة بين القبائل، ومثلت الغنائم المتحصلة عن الغزو مصدرا من مصادر العيش، يمكن الاعتماد عليها داخل اقتصاد صحراوي بسيط، لم يقتصر ذلك على البوادي، التي كانت مسرحا للتنقل والارتحال، بل كثيرا ما كان يطال الحواضر المستقرة، خصوصا حواضر الأطراف على حدود الشام والعراق، وعَرفت البوادي العربية ظاهرة الصعاليك الذين اعتمدوا السطو؛ وسيلة لكسب الرزق، وسجلوا ذلك في أشعارهم . وأقرت الأعراف بحق القاتل في الاستيلاء على سلب قتيله، سواء كان القتال جماعيا أو فرديا، بل إن الروايات نقلت عن الرسول قوله: “من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه” مما سينعكس على المادة الموروثة في فقه القتال الذي ناقش أحكام “السلب” ضمن أبواب الغنيمة، وفي الرواية المنقولة عن النبي :”بعثت بالسيف بين يدي الساعة، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي” دلالة واضحة على الربط داخل الثقافة العربية بين الغزو والارتزاق، وهو المعنى الذي تطور داخل الثقافة السلفية إلى الربط بين الغزو والدين، تماما مثلما ذهب المفسرون والفقهاء نحو استحداث جرائم، لينطبق عليها قوله تعالى: (إلا بالحق) في آية: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) فقد توقف الفقه كثيرا محاولا التحايل على العبارة، ووسع نطاقها لتشمل أسبابا، لم ترد في النص الرئيسي، معتمدا في ذلك على قياس، وإجماع وأخبار آحاد ونصوص ثانوية: لا تتمتع بالتوضيح الاستدلالي الكافي لمعارضة القرآن، لتنتهي المنظومة السلفية إلى توسيع دائرة الإباحة في القتل _على عكس توسيع الدائرة في بقية الأحكام الحياتية_ وهو ما لا يختلف عم انتهت إليه النصوص اليهودية، يبدو ذلك أكثر وضوحا في حد الزنا، حيث أقر الفقه السلفي، ما أقرته التوراة بشأن؛ زنا المتزوج والمتزوجة والمخطوبة، لا يوجد نص في القرآن مطلقا يدعو إلى رجم أوقتل الزاني أو الزانية، وما ورد في الزنا بشأن نصان رئيسيان 15 و16 من سورة النساء: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) (16) والنص الثاني من سورة النور: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ” وهنا يشير المفكر عبد الجواد ياسين في كتابه الدين والتدين ص108 مبحث النص في سياق النزول: الحكم المنصوص في الآية الأولى، يتعلق بالنساء، وهو الإمساك بهن في البيوت حتى الموت، أو صدور تشريع جديد، وسواء كان هذا الإمساك عقوبة في ذاته، أو إجراء تحفظيا حتى يصدر التشريع الجديد، فهو يؤكد ضمنا أن المشرع عند تناوله الأول لمسألة الزنا، لم يتطرق إلى عقوبة الرجم التي كانت معروفة بالفعل في التوراة، ومقبولة بالعرف في البيئة الاجتماعية العربية، ومن اللافت أن النص وهو يفتتح التشريع الجنائي بعد وضعية الاستقرار الاجتماعي في المدينة المنورة عقب الهجرة النبوية، يبدأ بالنساء اللاتي يأتين الفاحشة، وهو ما سيتكرر في الآية الختامية التي تعاقب “الزانية والزاني” ويجوز قراءته في إطار النظرة الاجتماعية التي تقدّم زنا المرأة على زنا الرجل، في سلم الخطورة واستحقاق العقاب. خصوصا وإن كثيرا من المقاربات التفسيرية اللاحقة في الفقه السلفي، ستربط بين هذا التقديم وبين فكرة الغواية التي لا تكاد تفارق المفهوم الديني للمرأة، والآية الثانية من سورة النساء، تشير إلى زنا الرجل_ قد أثارت صياغتها القرآنية بعض المشاكل اللغوية في أذهان الفقهاء، جعلت بعضهم يذهبون إلى القول، بأنها تشير إلى ارتكاب الفعل بين رجل وامرأة، أو رجلين _والعقوبة المنصوص عليها هنا هي الإيذاء دون بيان لوسائله التي تراوحت بين التوبيخ والفضح والضرب بالنعال، كما تنقل الروايات عن ابن عباس، وكل ذلك يعد عقوبة مخففة بالقياس الى الرجم الذي أقره الفقهاء، وخففه أيضا بالقياس إلى عقوبات النساء المتمثلة في الإمساك أو الحبس المؤبد.
السؤال الأهم الآن، والذي يطرح نفسه بقوة بعد كل ما سبق، ماذا يريد الرواة والمحدثون والفقهاء السلفيون من الإسلام؟ هل نجحوا فى استعادة كل ما كان النبي يريد الهروب منه؟ الجاهلية بمجتمعها الكامل ماثلة في الفقه السلفي بدءا من “الاجتماع” ووصولاً للأحكام الفقهية، وكذلك الإسرائيليات التي كانت بحكم مجاورة اليهود للمخاض الإسلامي، هل نجح السلفيون في الانزلاق بالإسلام إلى قاع الجاهلية مرة أخرى، لقد ولد الإسلام عالميا، تجاوز حدود الجزيرة الصحراوية، وعبر الأنهار والأبحر البعيدة إلى مجتمعات، كانت غارقة فيما هو أجل من الجاهلية، وأخذ بيدها في العلم والسياسة والثقافة وأخرجها، وتركها تهنأ بنعيم التطور، وذاكرة لا يمكن نسيانها حتى وإن تغيرت الملل والحقب، أو جاءهم غزاة آخرين، التحرك نحو استعادة النص المجرد هو الحل السريع لإنقاذ الإسلام، لا بد من العودة إلى الوحى، إلى القرآن المتخلص من تدخلات الرواة وتفسيرات اللغوين، وكأن القرآن كتاب لغوي فقط، لقد كانت اللغة هي أقوى أسلحة لمنظومة السلفية، نحو لي ذراع النص، ثم تتويجه بكامل قداسته في عقول الأمة لا يخلو التراث من حقبة واحدة، منذ تدوين الفقه دون اتهامات بالكفر والزندقة، لعلماء كانوا يحاولون استعادة هيبة النص المجرد، ولأن الكفر نهايته في فقه السلفية القتل _دون حتى الاستتابة في حكم مثل الزندقة_ كانت المنظومة السلفية تقضي على أي محاولة لا تتبع منهاجها في التفكير، واستخدام قداسة الدين في تثبيت أحكام لم يكن الله يريدها، ولا حتى يرتضيها، فالقرآن لا يتخيل مؤمنا يقتل مؤمنا هكذا، بدأ النص بما التعجب، وهو يضع شريعة الدية في القتل الخطأ: “وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ” ثم يسرد الحكم الواضح الذي يعوض أهل الضحية، ويجبر قلوبهم بعد ذلك، تبدأ آية بتوعد من يقتل متعمدا”ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابا عظيما” والكلام واضح وليس فيه أي مواربة أو استثناء؛ حتى في الجهاد، لقد ظل أسامة بن زيد يستحلف النبي أكثر من مرة أن يستغفر الله له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يأبى، بعد أن قتل أسامة رجلا يدعى، مرداس بن ناهيك، كان نازلا من جبل يتبع قرية يهودية، تسمى فدكة ،وهو يقول لا إله إلا الله فقابله أسامة وقتله، حزن الرسول حزناً شديدا حين سمع الخبر، وكان يقول “قتلوه قتلوه”وأسامة يقول: “استغفر لي يا رسول الله” والنبي يرد “قتلت رجلا يقول: لا إله إلا الله” وأسامة يستعطف: “إنما تعوّذ _خاف_من القتل “فيجيبه النبي: “هل شققت عن قلبه؟ لتعلم أقالها خوفاً أم لا.” لقد قُتل الحلاج وأبو العلاء المعري وابن المقفع ومئات آخرين من العلماء، والفقهاء الكبار دون استتابة، بعد ما اتهموا بالزندقة، ولا أفهم كيف ساقت المنظومة السلفية قوله تعالى: “فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلو سبيلهم”، ليكون دليلا قرآنيا على إقرار حكم قتل المرتد، مع أن السورة التي وردت فيها هذه الآية اسمها التوبة، والآية واضحة وتدعو إلى إخلاء السبيل والحرية؛ إن تاب المحكوم عليه وثبت إيمانه، بل إن كل الأدلة التي يسوقها الفقهاء من القرآن ليبيحوا حد الردة لم يرد فيها سيرة القتل. والعقاب فيها موكل إلى الله وحده في الآخرة كقوله تعالى: ” يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير” وقوله: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة:217]
يقول عبد الجواد ياسين في بحثه الفكري المهم، “السلطة في الإسلام”: لقد أصبح السلف_ وهو تعبير غامض يحتاج إلى الضبط والتحديد _ مصدرا للتشريع بما يخالف الشريعة، ففعل “السلف الذي وافق على الانقياد لأنظمة فاسدة، يصبح “دليل” حكم بجواز ذلك الانقياد، وهذا نموذج لعلاقة التاريخ السياسي بتاريخ الفقه، نموذج ليس فقط لتنحية النص، بل لطريقة رسمه وإنشائه وتكوينه. فمنذ أن دونت النصوص، ولا سيما السنة في كتب مستقلة، كمتون سردية صرف_ بغير إشارة إلى سياقات الوقائع التي كانت تلابسها في لحظات التلقي الأولى_، والعقل الإسلامي يتعامل معها ككائنات تشريعية مطلقة، وكاملة الكينونة بمعزل عن العوامل التاريخية” ويضيف:” لقد قرأنا الأحاديث في كتب السنة الصرف فلم نفهمها، ولما قرأناها في كتب التاريخ فهمناها، كما قرأنا أحاديث في كتب السنة الصرف فقبلناها، ثم قرأناها في كتب التاريخ فلم نقبلها” لذلك لا بد من “قراءة النص في ضوء التاريخ، وفي التاريخ على ضوء النص”.