قدم القطاع المصرفي خلال عام اغراءات للمواطنين، تمثلت في الأوعية الادخارية مرتفعة الفائدة، والتي وصلت من قبل بعض البنوك إلى 40% مقدمًا على الشهادات الثلاثية “3 سنوات”.
ورغم تعددت شهادات الادخار التي قدمتها البنوك، وارتفاع نسب الفائدة عليها، اختارت شريحة من المصريين؛ شراء الذهب كوسيلة؛ لحماية مدخراتهم من معدلات تضخم مرتفعة، وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ارتفع التضخم العام في المدن المصرية إلى 35.7% في يونيو/ حزيران، من 32.7% في مايو/أيار، بسبب مجموعة الطعام والمشروبات التي زادت بنسبة 64.9%، ومجموعة الدخان التي ارتفعت بنسبة 45.4%.
إقبال على شراء سبائك الذهب
اشترى المصريون 80 طنًا، من الذهب خلال العام الماضي، بحسب جهاز تنمية التجارة الداخلية، وسط إقبال غير معتاد على السبائك، وهي “قطعة ذهب مستطيلة الشكل بنقاوة 99%”.
وشهدت الأسواق حالة من الإقبال على شراء جنيهات الذهب، “8 جرامات”، ما يشير إلى رغبة استثمارية بحتة، وليس لأغراض الزينة، خاصة مع خسارة المشغولات الذهبية حال إعادة البيع؛ بسبب اختلاف تقييم المصنعية، وفصوص الزينة الملحقة.
إبراهيم عشماوي، مساعد أول وزير التموين، رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية، يؤكد تلك النقطة بالكشف عن أن الفترة الماضية شهدت إقبالاً على شراء سبائك الذهب الذي أصبح أحد المكونات التي تستهدفها البورصة السلعية، وهي منصة إلكترونية تضم السلع الاستراتيجية مثل، الأرز والسكر، وتتلقى طلبات الشراء والبيع، ما يضع هامشًا للأسعار.
ارتفاع أسعار الذهب
وسجلت أسعار الذهب في السوق المحلية ارتفاعًا قياسية، بنسبة تقارب 108% خلال عام 2022؛ ليرتفع جرام 21 من مستوى 799جنيهًا في يناير إلى 1660 جنيهًا خلال ديسمبر من العام ذاته، وهو عائد لفت أنظار الكثيرين، وجعلهم يقلبون عليه كوسيط لحفظ القيمة.
حيازة الذهب لأغراض الاستثمار
تمثل مشتريات العام 2022، والمقدرة بـ 80 طنًا قفزة غير مسبوقة، في حيازة الذهب بمصر حال مقارنته بعامي 2021 و2020، اللذان سجلا 27.9 طنا و 19.7 طنا على الترتيب، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي الصادرة في فبراير من العام السابق.
الاستثمار الأفضل
يرى قطاع كبير من حائزي الذهب حاليًا، أنه الاستثمار الأفضل في ظل القدرة السريعة على تسييله، وبيعه في أي وقت عكس العقار الذي يتأثر بالركود، وتوافر القدرة الشرائية للراغبين، ومنافسة بين الشركات على طرح منتجها من الوحدات السكنية، علاوة على التوقعات المتتالية بارتفاع أسعار المعدن الأصفر عالميًا في ظل التوترات الدولية المتنامية.
السبائك صغيرة الحجم تستهوي راغبين الاستثمار الصغار
قال صاحب محل مشغولات ذهبية، في سوق الصاغة بطنطا، إن البيع حاليًا يتركز في السبائك الصغيرة، خاصة فئتي “5 و10” جرامات، أما الفئة الأعلى دخلاً، فتركز على السبيكة وزن 31.1 جراماً، وهي تعادل وزن الأوقية، مضيفا أن الزبائن يسألون عن تلك الأوزان تحديدًا.
يتراوح سوق الذهب المحلي المدموغ من قبل مصلحة الدمغة، والموازين التابعة لوزارة التموين سنويًا بنحو 65 طنًا في العام، 20 % منها مستورد والباقي يتم إنتاجه محليا.
وهناك كميات أخرى متداولة غير مدغومة أو مغشوشة أو مستوردة، منذ فترة طويلة من الخارج، خاصة الذهب العراقي الذي أتى به مصريون أبان عملهم في الثمانينيات والتسعينيات.
يتوقع صاحب محل الذهب، أن مشتريات العام ستكون أعلى وفق ما يلمسه، وما يؤكده زملاؤه في السوق، خاصة مع بداية تنويع ورش الصناعة أوزان السبائك بالسوق، وتخفيضها إلى سبيكة تقترب من جرام ونصف فقط.
استجابات رسمية: صندوق للاستثمار في الذهب والإعفاء من الضريبة الجمركية
تظهر بيانات مجلس الذهب العالمي لعام 2021، تلك الرغبة لدى المصريين، إذ تضمنت مشترياتهم خلاله 39% ارتفاعاً في الطلب على السبائك، والجنيهات الذهبية، لتسجل نحو 2.4 طنين، بقيمة 2.2 ملياري جنيه، مشتريات الجنيهات والسبائك بارتفاع 12% مقارنة بعام 2020.
تجاوبا مع مؤشرات ارتفاع الاستثمار وشراء الذهب، أطلقت هيئة الرقابة المالية في 14 مايو الماضي أول صندوق للاستثمار في الذهب.
يعطي الصندوق المستثمرين إمكانية استرداد أموالهم أو جزءا منها، بالإضافة إلى أرباحها المحققة في أي وقت بحسب قيمتها، فإذا كان إجمالي حجم استثماره أقل من المعادل السعري لـ 50 جرامًا عيار 24 يحصل عليها بالجنيه، أما إذا كان أعلى من 50 جرامًا فيمكنه الحصول عليها في صورة عينية “ذهب”.
الإعفاء من الضريبة الجمركية
سمحت الدولة أخيرًا للمصريين بالخارج العائدين في مايو الماضي، بإدخال الذهب معهم، لتستقبل المنافذ الجمركية أكثر من ١٩٤ كيلو جرامًا من الذهب بصحبة الركاب القادمين من الخارج، في الفترة من ١١ مايو الماضي إلى ١١ يونيو الحالي، أى خلال شهر واحد من تطبيق قرار رئيس الوزراء بالإعفاء من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى، ما عدا القيمة المضافة.
الذهب ند قوي لشهادات البنوك مرتفعة العائد
رغم طرح البنوك المصرية سلسلة من شهادات الادخار عالية العائد؛ بهدف مواجهة التضخم عن طريق سحب السيولة من الإنفاق الاستهلاكي إلى الادخار، ما زالت مشتريات الذهب مرتفعة.
رحلة شهادات الادخار
ضمن شهادات ادخارية متعددة طرحت خلال عام، إصدار بنكي الأهلي ومصر شهادة ادخارية مدتها عام واحد بفائدة 25%، تصرف بنهاية المدة، أو فائدة 22.5% تصرف شهريًا.
وفي الفترة من 21 مارس/ آذار وحتى 30 مايو/ أيار 2022، طرحت البنوك شهادات الـ 18% ، فضلاً عن طرح بنك التنمية الصناعية شهادة ثلاثية يمكن الحصول على 39% من عائدها مقدمًا.
بحسب الخبير الاقتصادي نادي عزام، فإن الذهب وسيط آمن حال الأزمات الدولية، أو المشكلات الاقتصادية والتضخم المرتفع.
يشير عزام، أن التوقعات طوال الأعوام الماضية، مالت جميعها نحو ارتفاع الذهب ذلك بسبب؛ الحرب الروسية الأوكرانية، وتعقيدات الأزمة الصينية ـ التايوانية، وتنامي المخاوف من حدوث حرب عالمية.
توقعات بارتفاع الذهب
وتوقعت 7 بنوك عالمية أخيرًا، أهمها بنكا “مورجان ستانلي” و “يوبي إس” السويسري، ارتفاع الذهب في النصف الثاني من العام الحالي، مع بداية استقرار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يترتب عليه انخفاض قوة الدولار لارتباطهما بعلاقة عكسية، علاوة على مشتريات البنوك المركزية.
وشهد العام الماضي إقبالاً كبيرا من البنوك المركزية على اكتناز الذهب، بأسرع وتيرة منذ عام 1967، بإجمالي نحو 1136 طنًا في إجراء احترازي من رفع الفائدة على الدولار، ورغبة بعض الدول في التخلي عن استخدامه في المعاملات الثنائية علاوة على المساعي، لإصدار عملات بديلة مثل تكتل “البريكس”.
لكن عزام يرى أن الذهب استفاد أيضًا، من وجود تخوف لدى البعض من إيداع أمواله بالبنوك بسبب؛ عدم القدرة على إثبات مصدرها أو امتلاكه مشروعًا بالقطاع غير الرسمي.
لكن الأمر، ربما يختلف بحسب عزام مع طرح الشهادات الدولارية الأخيرة بعائد 9 و7%، والتي سمحت فيها البنوك للمرة الأولى بإيداع أموال، دون ترديد السؤال المعتاد عن مصدرها.