وسط ضجة إعلامية وكروية كبيرة، انطلقت بطولة كأس العالم للسيدات 2023، الأسبوع الماضي، وتقدر قيمة عائدات بث المباريات بحوالي 200 مليون دولار، لا يخلو الفرح بكأس العالم للسيدات من قضايا مغيبة، تخص النساء والفتيات اللاتي وصلن الملعب عبر طريق ممهد بالكفاح والمثابرة.

نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا تقريرا، يناقش مدى تحقيق المساواة بين الجنسين في كأس العالم، بما في ذلك مناقشة أشكال التمييز في الأجور، ومعاناة بعضهن من التعرض لانتهاكات بينها التحرش، والاعتداء الجنسي.

ووفقا للتقرير، فقد تراجع رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، والذي يبلغ مجموع راتبه الأساسي ومكافأته 3.9 ملايين دولار، عن وعده في يونيو بحصول كل لاعبة في البطولة على 30 ألف دولار، معترفًا ضمنيًا بسرقة الأجور السابقة في كأس العالم للسيدات- ومعلناً في المؤتمر الصحفي أن دفع المكافآت متروك لاتحادات كرة القدم الوطنية لكل دولة.

يعتبر التقرير فشل الفيفا في حماية لاعبات كرة القدم، ليس بمفاجأة-  حدث ذلك في رياضات أخرى مثل، التنس-  كما فشل، فيما يتعلق بقضايا الأجور، وأنظمة أماكن العمل التي تفتقد الحماية من الانتهاكات .

رغم الموارد المالية التمييز موجود

مع احتياطيات الفيفا البالغة 4 مليارات دولار، وإيرادات 11 مليار دولار المتوقعة في دورة كأس العالم 2026، تتوافر موارد مالية، تضمن دخلا كريما للاعبات، لذا فإن التمييز بين الجنسين هو السبب الذي يمنع الفيفا من المساواة بين الأجور، والتمييز ملحوظ في كأس العالم للسيدات.

وقد وصل إجمالي الجوائز المالية التي منحها الفيفا لكأس العالم للسيدات 2019 حوالي 30 مليون دولار _ووصل إجمالي مشاهديها إلى 1.12 مليار على مستوى العالم.

تجاوزت سجلات المشاهدة في الولايات المتحدة 25.4 مليونا- بعد ضغوط عالمية كبيرة، سترتفع قيمة الجوائز المالية لهذا العام إلى 110 ملايين دولار، ولكن لا يزال أقل بكثير مما حصل عليه اللاعبون في كأس العالم للرجال 2018، والذي يقدر بحوالي 400 مليون دولار، بينما بلغ في كأس العالم للرجال 2022، نحو 440 مليون دولار.

أموال الفيفا لا تصل إلى اللاعبات

تقوم الفيفا بتمويل كل فريق وطني بمتوسط 1.5 مليون دولار في السنة، ولكن لسوء الحظ غالبًا ما يتم استنزاف هذه الأموال “المخصصة لدعم الرياضة النسائية”، من قبل الاتحادات الوطنية قبل أن تصل إلى اللاعبات.

أيضا، تغيب المحاسبة عن وصول المستحقات، الفيفا لا تستخدم نفوذها كممول رئيسي للرياضة؛ للتأكد من أن كل اتحاد وطني يعامل الرياضيات بشكل عادل.

وبحسب تقرير الهيومن رايتس ووتش، كشفت دراسة حديثة مهمة، أجراها الاتحاد العالمي للاعبي كرة القدم المحترفين (FIFPRO)، أن هناك حوالي 29 % من اللاعبات اللائي استجبن للاستقصاء أجبن: بأنهن لم يتلقين أي أجور أو مصروفات من منتخباتهن الوطنية لبطولات تصفيات كأس العالم.

منتخب جامايكا يبحث عن تمويل ذاتي

إحدى المشاهد التي توضح معاناة اللاعبات؛ نتيجة لعدم المساواة، هي قيام أمهات اللاعبات في منتخب جامايكا الوطني للسيدات بتنظيم حملة تمويل جماعي؛ لتغطية تكاليف المنافسة في كأس العالم، قمن بذلك، واتخذت الحملة اسم “ريجي جيرلز”.

تقول الحملة، إن مهمتها إلهام وتثقيف وتعبئة ودعم الجيل القادم، من لاعبات كرة القدم الشابات في المجتمعات المحرومة. والسعي إلى تكافؤ الفرص، وخلق المزيد من الفرص، وإمكانية الوصول، وإبراز الشابات في رياضة كرة القدم.

وقد أعلنت لاعبات الفريق، ومنهن خديجة شو، وتشاينا ماثيوl، من خلال تغريداتهن عن “خيبة أملهن الكبيرة من اتحاد كرة القدم الجامايكي” بشأن “التخطيط، والنقل، والإقامة، وظروف التدريب، والتعويضات، والتواصل، والتغذية والموارد”.

وكتبت إحدى اللاعبات الجامايكيات: “لقد ظهرنا مرارًا وتكرارًا، دون الحصول على تعويض متفق عليه تعاقديًا”.

ووفقاً للتقرير، روج المنتخب النيجيري” سوبر فالكونز”، لسرقات فظيعة للأجور لسنوات، وهدد بمقاطعة أول مباراة له في كأس العالم، أما في جنوب إفريقيا فتتقاضى لاعبات الفريق الوطني عُشر ما يتقاضاه الرجال، وقد أعلنّ عن غضبهن من اتحاد كرة القدم في جنوب إفريقيا، بشأن الأجور والإعداد والتدريب.

نتيجة لهذه المظالم، انسحب فريق جنوب إفريقيا بأكمله في المباراة التمهيدية النهائية قبل كأس العالم للسيدات، وقامت 150 من أفضل لاعبات المنتخب الوطني بالتوقيع على رسالة إلى الفيفا، تطالب بأجر البطولة وشروطها المتساوية.

فالواضح من الصورة الكاملة، أن هناك خطأ ما، حيث لا تستطيع لاعبات كرة القدم اللواتي وصلن إلى قمة تألقهن الرياضي، الاعتماد على الفيفا؛ لضمان الأجور المستحقة لهن.

وهذا وفق التقرير، يفضح الافتقار إلى ضوابط حقوق الإنسان التي هي أيضًا وراء العديد من الانتهاكات الأخرى للنساء، والفتيات في رياضة كرة القدم للسيدات.

فريق أستراليا يطالب بالمساواة

أستراليا تستضيف هذه البطولة مع جارتها نيوزيلندا، مما دعا قيام أعضاء فريق ماتيلداس لكرة القدم النسائي الأسترالي الوطني، بالاستجابة للرد على هذا التفاوت الهيكلي من خلال فيديو قوي، يدين الفيفا لمسئوليته عن فجوة الأجور التمييزية بين الجنسين في جميع أنحاء العالم.

أما منتخب كندا لكرة القدم سيدات، فقد أعلن عن دخوله في إضراب، ومقاطعة معسكر الفريق قبل بطولة كأس العالم، احتجاجا على عدم المساواة في الأجور.

المنتخب الأمريكي ينتزع المساواة

وخاض فريق المنتخب الأمريكي للسيدات معركة من أجل المساواة في الأجور، وتوصل الفريق خلال مايو 2022 لاتفاق، بشأن المساواة في الأجور بين لاعبي المنتخبين الأمريكي للرجال والسيدات .

وكانت لاعبات المنتخب الأمريكي للسيدات قد رفعن دعوى تمييز في عام 2019، وجرى التوصل إلى تسوية، تضمنت دفع تعويضات بقيمة 24 مليون دولار .

وأعلن الاتحاد الأمريكي لكرة القدم، أن المنتخبين سيحصلان على بدلات مالية متساوية، بما في ذلك ما يتعلق بعائدات المشاركة في كأس العالم، والحصة من عائدات البث التلفزيوني وحقوق الرعاية، وهو ما حاز ترحيباً كبيراً، ووُصف بأنه قد “يغير اللعبة في جميع أنحاء العالم”.

وقالت سيندي بارلو كون، رئيسة الاتحاد الأمريكي لكرة القدم: “لقد غيرت هذه الاتفاقيات اللعبة إلى الأبد في الولايات المتحدة، بل ويمكنها تغيير اللعبة في جميع أنحاء العالم”.

كأس العالم فرصة لتسليط الضوء على التمييز

وحتى الآن، كافحت سبعة منتخبات وطنية للسيدات، حيث حققت المساواة في الأجور. ولكن بالنسبة لمعظم النساء البالغ عددها 736 امرأة، في 32 فريقًا متنافسًا، تظل ظروف العمل اليومية بعيدة عن المساواة مع الفرق الوطنية للرجال.

فالفيفا لديها الأموال اللازمة؛ لإقرار المساواة في الأجور، ولكن تفتقر للإرادة السياسية، فالجدير بالذكر، أن لاعبات التنس ناضلن من أجل المساواة في الأجور في بطولة الولايات المتحدة المفتوحة عام 1973، وحصلن عليها – قبل نصف قرن.

من المؤكد، أن كأس العالم للسيدات هذه ستسلط الضوء على الأداء الرياضي المذهل للسيدات. ولعله يسلط الضوء أيضًا على الحاجة الملحة؛ لإنهاء الخلل الوظيفي في الفيفا الذي ينتهك اللاعبات اللواتي يقدمن دوراته بنفس الأهمية.