ترددت كثيرا قبل أن اتخذ القرار بالكتابة تعليقا على مقال المهندس يحيى حسين عبد الهادي الأخير والمعنون: من يتحدث باسم مصر؟ المنشور بموقع ” ذات مصر ” يوم الأحد ٣٠ يوليو ٢٠٢٣، وذلك بعد أن قرأت المقال بعناية فائقة عدة مرات.

وجاء ترددي للأسباب التالية:

أولا: ما يربطني بالمهندس يحيى حسين من احترام متبادل، وخشية من إساءة فهم ما أريد قوله: وما يعبر عن قناعاتي التي تختلف مع أفكار أساسية وردت بالمقال، وبنى عليها الصديق يحيى حسين، صرح مقاله وفكرته الجوهرية … ولكنني حسمت ترددي، فيما يتعلق بذلك الأمر انطلاقا من قناعتي، بأن الاختلاف في رؤيتنا حول قضايا الوطن أمر طبيعي، ويحتمل الجدال حوله، طالما يتم باحترام قواعد العمل الديموقراطي، وآليات وآداب الحوار المحترمة.

ثانيا: خشيتي من الانزلاق إلى دهاليز التناول المركب للمقال، والاصطدام بالألغام التي وردت به، حيث يتناول الكاتب الحديث عن حق أمور تتعلق بأخطاء، بل وجرائم السلطة المتعلقة باعتماد أسلوب تكميم الأفواه، والزج بصاحب كل رأي، وأي رأي مخالف لهم في السجون، وانتهاج سياسات اقتصادية أدت إلى التدهور الشديد في مستوى معيشة المواطنين، وإضعاف المجتمع والنخب والجماعات السياسية المدنية بالدرجة التي جعلتها خاضعة، وخانعة لمطالب السلطة ورغباتها.

لكنه يصل بنا إلى استنتاجات خطيرة، تتنافى في رأيي مع المنطق، والنهج الديموقراطي المستقيم، استنتاجات لا علاقة لها بالمقدمات، وهو ما سأسعى في السطور القليلة القادمة إلى الكشف عنه.

أن أختلف مع السلطة الحاكمة، وأن أعترض بشدة على مجمل سياساتها في الحكم، وإدارة شؤون الدولة، أن أناضل وأدعو للنضال باستخدام كافة الأساليب، والأدوات الديموقراطية للتغيير، هذا شيء، وأن يعميني ذلك عن رؤية الحقيقة شيء آخر.

والحقيقة التي توجد عليها آلاف الشواهد والأدلة، هي أن جماعة الإخوان، وتحالفاتها الشيطانية مع أطراف ظلامية وإرهابية عديدة، خاضت حرب ضروس، ليس فقط ضد سلطة اختلفت معها، وأزاحتها من الحكم، ولكن ضد الوطن، ضد بلد بأكمله، ضد الدولة المصرية التي أرادت هدمها، واستباحت أهلها ومواطنيها، واستحلت دماءهم، واعتبرتنا جميعا خصوما لها، وأقصد بجميعا الشعب المصري كله، طالما ليس إخوانيا، وليس مؤمنا بفكرهم!!!

لقد خاضت الدولة المصرية: جيش وشرطة وأهال، منذ أن تمت إزاحة الجماعة من الحكم بعد الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، معارك شرسة امتدت لسنوات ضد إرهاب الجماعة، وعنف وإرهاب جماعات الإرهاب المتستر بالدين الخارج من أحشائها، والمتبني لأفكارها في أنقى صورها وأكثرها وضوحا، ما جعلنا ندفع من دماء أبنائنا الكثير، ثمنا غاليا لإزاحتهم من المشهد، ولاستعادة الأمن والأمان للدولة والمواطن المصري، ولا يعنيني هنا، إذا ما كان حسن البنا قد أسس جماعته مقابل ٥٠٠ جنيه، من الإنجليز أو مقابل ١٠٠٠ جنيه؟! فهو أمر مضى عليه ما يقارب المئة عام، قدمت خلالهم الجماعة الكثير من أعمال العنف، والقتل والاغتيالات وغيرها من الجرائم في حق الوطن، ولا يمكن أن نتغافل عن أن غالبية التنظيمات والجماعات التي اعتمدت العنف والإرهاب وسيلة للتغيير، قد خرجت جميعها من رحم الجماعة فكرا وتنظيما.

وردا على السؤال الذي سيطرحه الكثيرون حول اضطهاد السلطات لهم، في محطات كثيرة والبطش بهم، والتعامل معهم بشراسة وعنف، فان ردي ببساطة هو أنني لا أدافع هنا عن مخطئ أو عن مجرم، فالسلطات تقاوم بالأساليب الديموقراطية، والشعوب يتم حشدها باستخدام الأدوات والأساليب السلمية، والديموقراطية من أجل تغيير الحكام، ومن أجل محاسبة المخطئ وحتي مرتكبي الجرائم، لكن ليس عن طريق الفوضى، واستخدام العنف، وهدم أسس ومؤسسات الدولة، وهو ما اعتمدته هذه الجماعة أسلوبا ونهجا، لم تغيره، ولم تعترف بخطئها، أو تعلن التراجع عنه حتى تاريخه.

يأتي بعد ذلك، وفي ثنايا الحديث عن مكونات التيارات السياسية في مصر، سواء الليبرالية أو أصحاب الفكر القومي، أو اليسار بأطيافه المختلفة، تلميحات ذات مغزى للخلافات بينهم، في إشارة واضحة للتراشقات الأخيرة، ويزج الكاتب هنا بنعومة ورشاقة بجماعة الإخوان بين تلك القوى والتيارات، معتبرا إياها جزءا من تلك التكوينات التي يدعوها للتجمع، والاتحاد ونبذ الخلافات؛ لمواجهة العدو المشترك الذي هو السلطة الحاكمة!!!

وأتصور، أن جميع أطراف القوى والتيارات السياسية المدنية المؤمنة بالديموقراطية كطريق، ونهج للتغيير السياسي في البلاد، والتي تلتزم بالدستور وتحترم القانون، مدعوة بالفعل للحوار، ولمقارعة الحجة بالحجة ( وليس باتباع أساليب التخوين والتسفيه والحط من وجهة نظر الآخر ) لتكوين الكتلة المدنية العريضة التي تسعى لتأسيس الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، ولكني لا أستطيع أن أرى، أو أتصور وجود جماعة الإخوان ضمن هؤلاء، فالجماعة قطعت كل صلاتها بالدولة المدنية في مصر، عندما اعتمدت العنف والإرهاب وسيلة للتغيير، منذ أن أعلنت الحرب على الدولة المصرية، ومنذ أن تآمرت على مصر سلطة، ومؤسسات دولة، وشعب من أجل إقامة دولتهم التي ما زالوا يطلقون عليها دولة الخلافة !!!

لكل ما تقدم أجيب عن سؤال المهندس يحيى حسين عيد الهادي: من يتحدث باسم مصر؟ باننا لسنا جميعا في مركب واحد، كما ذهبت في مقالك الأخير، وأن هناك الكثيرون من أبناء مصر الشرفاء يسعون للتغيير، يصيبون أحيانا ويخطئون كثيرا، ولكنهم يحاولون بشرف وأمانة ويقدمون التضحيات، وهم أبدا ليسوا إرهابيين، أو أعداء لبلدهم، ولا يعتمدون العنف وسيلة للتغيير، وليس من بين أهدافهم النبيلة الكثيرة، تدمير أركان الدولة المصرية، ولكنهم يسعون بكل صدق لإصلاح ذلك الكيان بالتصدي لمنظومات الظلم والفساد، والاستبداد باستخدام الأساليب والأدوات السلمية والديموقراطية؛ لكي يصنعوا التغيير المنشود.