طالعت حكم محكمة الجنايات، والذي قضى بإعدام قاتل نيرة أشرف، والذي أيدته محكمة النقض المصرية، وتم تنفيذ الحكم بالفعل، لكن ما شد انتباهي في حكم محكمة الجنايات مطالبة المحكمة في حيثيات حكمها المشرع المصري، بأن يسعى إلى تعديل القانون، بأن يتم تنفيذ عقوبة الإعدام علناً في مثل هذه الجرائم، والسماح بالبث المباشر من خلال الوسائل الإعلامية بهدف؛ تحقيق معنى الردع العام. كما طالبت المحكمة بأن يتم تنفيذ ذلك الحكم على الهواء مباشرة.
وهذا السعي الذي تطرقت إليه محكمة الجنايات، هو السبب الداعي لكتابة هذه السطور، إذ أن عقوبة الإعدام هي أشد العقوبات التي من الممكن توقيعها على المتهمين، وحيث أنها أيضا من أقدم العقوبات التي استخدمتها النظم العقابية للعقاب على الجرائم شديدة الخطورة على المواطنين، أو على المجتمعات، إلا أنه قد صاحبها مع تطورات المجتمعات، والإنسانية جدل فقهي، وفلسفي حول جدوى وجودها، إذ أن أي نوع من أنواع التجريم لا يرقى إلى سلب المتهم حقه في الحياة، كما أن هناك احتمال في تنفيذها أو في القضاء بها، لا يمكن تصويبه بعد تنفيذها، ولسنا هنا في مجال مناقشة ما دار من جدل حول وجودها في النظم العقابية، أو إلغائها على الرغم من وجود المواثيق والاتفاقيات الدولية، وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي جاء في نص المادة السادسة منه على أنه : – لا يجوز في الدول التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يُحكم بهذه العقوبة إلا جزاءً على أشد الجرائم خطورة، وفقا للقانون المعمول به وقت ارتكاب الجريمة، وغير المخالف لأحكام العهد، ولاتفاقية منع جريمة إبادة الجنس البشري والعقاب عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر من محكمة مختصة. كما أكدت على جواز التقدم بطلبات لاستبدلها أ العفو عنها، وقد سعت هذه الاتفاقية إلى حث الدول على السعي نحو الإلغاء التدريجي لها.
وبالرغم من أن مصر من ضمن بلدان العالم التي انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهذا العهد يضع ضمانات كثيرة، في حالة الدول التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام، وأنه يحث تلك الدول تدريجياً على التخلص من هذه العقوبة، أو تضييق نطاقها إلى أضيق النُطق، وفي حالات أخطر الجرائم، كما أنه يدعو الدول إلى تجميد تنفيذ تلك العقوبة، لحين تنقية تشريعاتها، وتضييق حدودها، بما يتناسب مع ما جاء بنصوص العهد الدولي، والذي يعد من أهم الأسس القانونية الدولية لحقوق الإنسان، وفي هذا السياق، فقد صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 168/63، الداعي إلى وقف العمل بعقوبة الإعدام الصادر عام 2008م، قد حث الدول التي لا تزال تبقي على عقوبة الإعدام على احترام الأحكام الدولية التي توفر ضمانات تكفل حماية حقوق السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، وخفض عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، ووقف تنفيذ عقوبة الإعدام؛ تمهيداً لإلغائها. كما أن الأمر لم يقف عند حدود هذا العهد الدولي، فقد تبنت نفس وجهة النظر العديد من الاتفاقيات الإقليمية، أهمها فيما يخص إقليمنا الجغرافي الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
كما أن مصر من الدول التي تستخدم عقوبة الإعدام تشريعيا على مستوى واسع من القضايا، إذ قد تصل مجمل القضايا التي يٌعاقب عليها المشرع المصري بعقوبة الإعدام، ما يقارب مائتي جريمة متفرقة، بما يعني مخالفته لكافة المواثيق، والاتفاقيات الحقوقية الدولية والإقليمية.
لكن، أن يصل الأمر إلى حد المطالبة القضائية، بأن يكون هناك استحداث تشريعي، بأن يكون هناك علانية في تنفيذ حكم الإعدام في مثل تلك الجرائم، فهو من الأمور التي فاقت المستوى، كما أنها تخالف الحد الأدنى المنصوص عليه حاليا في قانون الإجراءات الجنائية، أو قانون السجون بشأن تنفيذ حكم الإعدام، والتي تقتضي أن يتم التنفيذ في مكان مستور، ولا يحضر الحكم سوى الأشخاص المنصوص عليهم في قانون الإجراءات الجنائية، ولا يجوز تنفيذ العقوبة في أيام الأعياد، علاوة على الضمانات الأخرى التي نص عليها القانون.
لكن، أن يصل الأمر إلى المطالبة من جهة قضائية ذات شأن كبير، بتعديل القوانين القائمة حتى تضمن التنفيذ العلني في مثل تلك القضايا، فهو الأمر الذي يتناقض مع كافة الاتفاقيات والعهود الدولية، كما يتناقض مع المطالبات الدولية بالتضييق في النص على العقوبة، وأنه على الدول التي ما زالت تستخدمها أن تؤجل التنفيذ، أو توقفه ولو بشكل مؤقت حتى تتم مراجعة كافة القوانين التي تنص على عقوبة الإعدام، وأن تسعى إلى استبدالها بعقوبات أخرى سالبة للحرية، وهو المنحى الذي اتجهت إليه معظم التشريعات الدولية.
حتى ولو سلمنا بأن مصر من الدول التي تقرر تلك العقوبة، أو بأن الشريعة الإسلامية بحسبها مصدر رئيسي للتشريع تقضي بعقوبة الإعدام في العديد من الجرائم الحدية – على الرغم من وجود خلافات فقهية حول بعضها مثل، جريمة الردة – إلا أن ذلك كله لا يمكن أن يرقى بحال من الأحوال إلى المناداة باستحداث تشريعات، تقضي بالنفاذ العلني للعقوبة تحت مظنة تحقيق الردع العام من العقوبة، وهذا الهدف يتحقق بشكل واسع بمجرد تطبيقه وفق أطر قانونية، تتوافق والإنسانية وتتفق مع ما توصلت إليه التطورات البشرية من احترام المشاعر العامة. كما أن تلك المطالبة القضائية لا تحقق أي هدف إضافي من وراء التنفيذ العلني.
وإن كنت أرى، أن تكون المطالبة بالمزيد من الضمانات القانونية في حالة القضاء بتلك العقوبة في حالة الإبقاء عليها، مثل المطالبة بتحقيق الالتزام الدستوري بوجود قضاء استئنافي لأحكام محاكم الجنايات، أو أن يكون رأي المفتي ملزماً، أو بتحقيق معايير إنسانية في السجون، هذا بخلاف أن تسعى المطالبات القضائية إلى الحد من وجود هذه العقوبة بهذا المستوى الواسع في القوانين المصرية.