ثمة خطر جديد، يستهدف أمن منطقة القرن الإفريقي، في ظل نوايا إثيوبية؛ للبحث عن موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر أوالمحيط الهندي، وذلك في الوقت الذي تتحدث فيه إثيوبيا، دون مواربة عن إمكانية اللجوء للقوة من أجل ذلك الهدف، وعدم الاكتفاء بسياسة “دبلوماسية المواني” التي تتبعها أديس أبابا، منذ باتت دولة حبيسة بعد انفصال إريتريا عنها.

في العشرين من يوليو/ تموز الماضي، جددت تصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، المخاوف من اندلاع صراع جديد في منطقة القرن الإفريقي، الملتهبة بطبيعة الحال في ظل الاقتتال الداخلي في السودان، والمواجهات الدامية بين القوات الحكومية، ومقاتلي حركة شباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، بخلاف التنافس بين القوى الإقليمية على المواني والقواعد العسكرية في المنطقة.

وقال آبي أحمد أمام تجمع كبير لرجال الأعمال، والمسستثمرين في أديس أبابا، إن إثيوبيا، وهي دولة حبيسة (أي غير مشاطئة)، “لم تدخر جهداً في سعيها؛ لتأمين ميناء للبلاد”، مضيفاً: “نريد الحصول على ميناء من خلال الوسائل السلمية، ولكن إذا فشل ذلك، فسنستخدم القوة”.

وتعتبر إثيوبيا واحدة من 44 دولة في العالم غير ساحلية، وذلك منذ استقلال إريتريا عنها في عام 1991، ولهذا واجهت أديس أبابا صعوبات كبيرة في زيادة حجم اقتصادها، وعوائق جمّة في تنمية قطاعاتها الاقتصادية، خصوصاً في الموازنة بين وارداتها وصادراتها، وتقليل فجوة التضخم المالية، نتيجة طغيان الواردات على الصادرات.

ويحذر مراقبون، من أن نوايا أديس أبابا، وما يصفونه بأطماعها التوسعية؛ نحو دول المنطقة المجاورة لها، خصوصاً الصومال وجيبوتي وإريتريا، من شأنها أن تشعل صراعاً وتوتراً عسكرياً جديداً، لا تتحمله المنطقة، وهو ما يستدعي تدخلا فاعلا وحاسما من جانب الرعاة الدوليين لإثيوبيا؛ من أجل ضبط الأوضاع في تلك المنطقة.

انتهاء تصفير المشكلات؟

طموح آبي أحمد الرامي إلى فرض إثيوبيا، كقوة إقليمية مهيمنة في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، ربما كان الدافع وراء تصريحاته الحادة بشأن استخدام القوة، من أجل الحصول على ميناء، يخدم خططه الاقتصادية والتوسعية.

كما أن تصريحات آبي أحمد الأخيرة، ربما تكون تدشينا لمرحلة جديدة، تنهي مرحلة تصفير المشكلات التي تبنتها إثيوبيا منذ 2018، وهي السياسة التي تجلت بوضوح في توقيع اتفاق السلام مع إريتريا، بعد قطيعة استمرت عقدين من الزمان، ومحاولاتها تعزيز العلاقات مع دول جوارها الإقليمي مثل، الصومال وجيبوتي والسودان وجنوب السودان.

البحث عن دور أمني في البحر الأحمر

منذ الإعلان عن تأسيس مجلس الدول العربية، والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، وخليج عدن، والذي يضم المملكة العربية السعودية ومصر، وإريتريا، والصومال وجيبوتي والأردن واليمن، لم تخف أديس أبابا شعورها بالاستياء من استبعادها، رافضة الاعتراف بالمانع الجغرافي للانضمام للمجلس، وهو ما ظهر واضحا في تصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في فبراير 2022، والتي أكد خلالها أن”أمن البحر الأحمر لا يتحقق دون مشاركة إثيوبيا التي ستحافظ على مصالحها الاستراتيجية في المناطق البعيدة خلال السنوات الخمس عشرة القادمة”.

ورقة ضغط

وعزز رغبة أديس أبابا في امتلاك موطئ قدم على أي من سواحل البحر الأحمر أو المحيط الهندي، تحول الطريق الرئيسي الواقع في إقليم عفر الإثيوبي، والواصل بين العاصمة أديس أبابا وميناء جيبوتي، إلى نقطة ضعف أو ذراع يسهل ليه، في إطار الصراعات التي تنخرط بها إثيوبيا، وهو ما بدا في التهديدات التي كررها مقاتلو قوات دفاع تيجراي، خلال الحرب الأهلية الأخيرة في إثيوبيا، بقطع الطريق الذي يعد بمثابة الشريان الرئيسي للتجارة الإثيوبية مع العالم الخارجي، إذا تعتمد عليه أديس أبابا في عبور أكثر من 95% من تجارتها.

وتُسير إثيوبيا 3 آلاف شاحنة يومياً؛ لنقل البضائع من جيبوتي، باعتبارها المنفذ البحري الوحيد لإثيوبيا.

تلك المخاوف جعلت التفكير في تأمين بدائل استراتيجية لميناء جيبوتي، حاضرا طوال الوقت، وعلى قمة أولويات الحكومة الإثيوبية.

واعتمدت أديس أبابا منذ عام 2015، سياسة تنويع المواني التي تستخدمها، ولجأت إلى ميناء مويالي في كينيا، وبربرة في أرض الصومال (صومالي لاند) وتاجورة في جيبوتي، وهو ما خفّض نسبة اعتمادها على ميناء جيبوتي إلى 14 %، وذلك طبقاً لتصريحات لمدير الاتصالات في وزارة النقل والخدمات اللوجستية الإثيوبية، أتيك نيجاش.

مسارات موازية

ما يميز التحركات الإثيوبية في هذا الإطار، ربما يكون قدرتها على الموازنة، واستخدام خطاب وآليات، تساعدها على تحقيق أهدافها، عبر تقديم الحكومة الإثيوبية لنفسها باعتبارها رمان الميزان، لضبط الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي.

وكشف تقرير للبنك الدولي عن خطة تطوير سكك حديد أديس أبابا – جيبوتي بكلفة قدرها 730 مليون دولار، بهدف تحسين الربط الإقليمي الذي يمثل فيه ميناء جيبوتي منفذاً حيوياً لإثيوبيا.

وأعلن البنك وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإثيوبية، (إينا) أن المشروع الحاصل على منحة من المؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، يهدف إلى تطوير الممر التجاري بين أديس أبابا – جيبوتي وزيادة فاعلية الخدمات اللوجستية على طول الطريق الذي يربط بين البلدين.

وكانت إثيوبيا وجيبوتي دشنتا في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، خط سكك الحديد الجديد الرابط بين البلدين بطول 700 كيلو متر، وكلفة 4 مليارات دولار، وبتنفيذ شركتين صينيتين.

ويساعد الخط الجديد في نقل بضائع بزنة 3500 طن، في الرحلة الواحدة ضمن اعتماد إثيوبيا الرئيس، والفعلي على القطار السريع إلى جانب قطار الركاب الذي يخدم 3 آلاف مسافر.

أهمية تعزيز المسارات الموازية؛ لتحقيق الأهداف التنموية، أكد عليه وزير المالية الإثيوبي أحمد شيدي بقوله، إن “تحسين الربط الإقليمي والتجاري ضروريان؛ لإطلاق العنان لإمكانات إثيوبيا الاقتصادية في جميع القطاعات والمجالات”، مضيفاً، أن “هذا المشروع مهم؛ لدعم التزامنا بتعزيز النمو الشامل والتكامل الإقليمي، إذ نركز الآن بشكل كامل على التنمية الاقتصادية، وجني ثمار السلام”.

تقليص نفوذ القوى الإقليمية التقليدية

يسير آبي أحمد، منذ صعوده للسلطة على خطى محددة؛ من أجل جعل إثيوبيا القوة الإقليمية الأولى المهيمنة، وذلك ضمن مشروع قومي تحت مسمى “إحياء المجد الإمبراطوري القديم”، في محاولة لتسويق بقائه لأطول فترة في الحكم.

ويسعى رئيس الوزراء الإثيوبي، إلى تعزيز الهيمنة الإثيوبية على دول القرن الإفريقي، وتمدد النفوذ لمناطق استراتيجية أخرى في القارة، وتقليص نفوذ وأدوار بعض القوى الإقليمية التي ترى أديس أبابا أنها مناوئة لها.

وخلال ذلك المسار يعمل آبي أحمد على زيادة الاعتماد على بلاده من جانب القوى الدولية.