نشر موقع “مودرن ديبلوماسي” تقريرا حول إمدادت الطاقة من دول شرق المتوسط إلى أوروبا، أشارت “أنتونيا ديمو” رئيسة وحدة الشرق الأوسط في معهد تحليلات الأمن والدفاع باليونان، أن مصر وإسرائيل واليونان لديهم فرص استثمارية ضخمة في مجال الغاز.

ويمكن لدول شرق المتوسط أن تعزز أمن الطاقة في أوروبا، ما يقلل اعتمادها على الغاز الروسي، تتمتع الدول الثلاث بمكانة قوية لمواجهة التحديات القادمة في أسواق الطاقة العالمية، وقادرة على تلبية الحاجة إلى الغاز بكفاءة. وذلك وفق المعاد الاقتصادية الشهيرة “رابح رابح”، أي تحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة للأطراف كافة.

كما لدي مصر فرص جيدة لزيادة صادراتها من الغاز إلى أوروبا، ولكن يظل أحد القيود الرئيسية هو افتقار الدول الأوروبية إما إلى محطات الغاز الطبيعي المسال، وإما محدودية قدرة المحطات على استقبال الإمدادات.

ولكي توسع أوربا استقبال الغاز المسال، عليها تحديث المحطات القائمة أو بناء محطات جديدة.

مشروعات الغاز في مصر

يمكن أن تتحول اكتشافات الغاز الجديدة في مصر إلى شحنات تجارية تنقل إلى أوروبا. على سبيل المثال، بئر “نرجس- 1″، المملوك امتيازه لشركتي “تشيفرون” الأمريكية و “إيني” الإيطالية، يحتوي على ما يقرب من 200 قدم صافية (61 م) من غاز الميوسين واليغوسين.

كما تقوم شركة “وينترشال ديا “ الألمانية باكتشاف حقل غاز جديد “دسوق” في منطقة دلتا النيل قد يبلغ الإنتاج فيه 15 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا.

وتمتلك مصر ما يقرب من 2.21 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، وأنتجت أكثر من 95 مليار متر مكعب خلال 2021، كما تجاوزت الصادرات 12 مليار متر مكعب سنويًا.

ترسيم الحدود تجربة إيجابية لزيادة الإنتاج والتعاون المشترك

من أجل استخراج كميات أكبر من الغاز، أعطت مصر الأولوية لترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، منحت اتفاقية الترسيم الجزئي التي تم توقيعها بين مصر واليونان في أغسطس 2020، الحق فى مشاركة ثروات الغاز فى الحدود المشتركة.

فوفقًا للمادة 2 من الاتفاقية، “في حالة وجود موارد طبيعية، بما في ذلك خزانات الهيدروكربونات، تمتد من المنطقة الاقتصادية الخالصة لأحد الطرفين إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة للطرف الآخر، يتعاون الطرفان من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن طرائق استغلال هذه الموارد “.

بهذا شكلت اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر واليونان، سابقة إيجابية يمكن أن تحاكيها دول المنطقة الأخرى.

تطلعات مصرية يونانية

تبرز التطلعات المصرية واليونانية لتصبح البلدين، مركز ين للطاقة في جنوب شرق أوروبا، هذا بالإضافة إلى مشروع الربط الكهربائي الأوروبي الإفريقي، والمسمى بمشروع المصلحة المشتركة، والذي بمقتضاه يتم نقل الكهرباء المتجددة بواسطة كابل تحت البحر.

الكهرباء ستصدر من دول إفريقية عبر اليونان ومنها إلى أوروبا، وقد بدأت بالفعل مصر بإنجاز مشاريع ربط مع ليبيا والسودان والمملكة العربية السعودية.

اليونان: لاعب نشط في تحويل الطاقة في أوروبا

تسعى اليونان لتزويد أوروبا بالغاز، ومع احتمال أن يكون خط أنابيب غاز شرق البحر المتوسط المقترح صعبًا تقنيًا في التنفيذ، سارعت أثينا لتنفيذ المشاريع ذات الأهمية الإقليمية  مثل “مشروع الربط بين أوروبا وآسيا”.

والمشروع يربط شبكات إسرائيل وقبرص واليونان بشبكة الطاقة الأوروبية، ويهدف لتوفير 2000 ميجاواط من الطاقة وبالتالي تعزيز أمن الطاقة الأوروبية.

حصلت شركة “نكسانس”، وهي شركة عالمية في مجال نقل الطاقة، مؤخرًا على عقد بقيمة 1،6 مليار دولار للمشروع الذي سيربط قبرص باليونان عبر كابل تحت سطح البحر.

وتولي اليونان أيضًا أهمية كبيرة لمشاريع البنية التحتية المرتبطة بنقل الغاز إلى البلقان وجنوب شرق أوروبا/ كما هناك مشروع سيشكل العمود الفقري لنقل الهيدروجين إلى أوربا.

استقلال الطاقة الإسرائيلي يخلق الفرص

يمكن لإسرائيل، من جهتها، أن تصدر إلى أوروبا غازا فائضًا يبلغ حوالي 500 مليار متر مكعب خلال العقدين المقبلين.

كما حققت استقلالًا في مجال الطاقة خلال السنوات الماضية، الأمر الذي أوجد درعًا ضد أزمة الطاقة التي اندلعت بسبب الحرب على أوكرانيا.

تسرع إسرائيل جهودها لتحديد اكتشافات غاز جديدة من خلال تقديم 20 موقع استكشاف جديد في سياق جولة الترخيص الدولية الرابعة في البحر المتوسط.

وأعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية مؤخرًا، تقديم أربع شركات عطاءات للحصول على تراخيص للتنقيب عن الغاز داخل المياه الإسرائيلية.

تهدف اسرائيل لزيادة أحجام الغاز للتصدير، وتوفر الحرب على أوكرانيا فرصة ذهبية لدول المنطقة غير المتحالفة مع الإسلام الراديكالي لإنتاج الغاز ونقله بشكل مشترك إلى أوروبا.

لا يمكن تجاهل البعد التركي في حسابات إسرائيل الإقليمية. إن إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الإسرائيلي إلى تركيا يمكن أن يساعد الأخيرة على تنويع موارد الطاقة، لا سيما بالنظر إلى أن العقود مع روسيا وإيران ستنتهي في غضون السنوات الأربع المقبلة.

وعلى الرغم من أن خط الأنابيب التركي- الإسرائيلي ممكن تقنيًا وماليًا، إلا أن الاعتبارات السياسية أعاقت تنفيذه حتى الآن، كما تسعى تركيا لاستيراد غاز شرق المتوسط لتلبية احتياجاتها المحلية المتزايدة بدلاً من تصديره إلى أوروبا.

ليبيا تحدي الأمن والاستقرار

تسود الشكوك في الأوساط السياسية الأوروبية بشأن احتمال أن تكون ليبيا خيارًا ممكنًا لإمداد الطاقة لأوروبا، على الرغم من انخفاض تكلفة استخراج الغاز والنفط الليبي مقارنة بدول شرق البحر المتوسط الأخرى.

لكن الوضع غير المستقر للغاية في ليبيا هو العامل الرئيسي الذي يعوق مشغلي الطاقة الأوروبيين عن التعامل مع السلطات الليبية.

توسيع مصر قدرتها على معالجة وتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، سيعوض الانخفاض الحاد في واردات الغاز من روسيا، وسيزيد إيرادات ميزانية الدولة المصرية.

يمكن أن يثبت الهيدروجين ومصادر الطاقة المتجددة أنهما سيغيران قواعد اللعبة في العقدين المقبلين بالنسبة لأوروبا.

السعودية واليونان: فرص تعاون مستقبلي

بإمكان اليونان المضي قدمًا بسرعة في تعزيز شراكتها في مجال الطاقة مع السعودية حتى تتمكن أثينا من تسهيل استيراد كميات هائلة من الهيدروجين من منطقة نيوم السعودية إلى أوروبا.

وتستطيع إسرائيل تدشين محطة غاز طبيعي مسال مع لبنان بعد أن انتهى خطر التصعيد البحري بين البلدين بموجب اتفاقية ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان.

من الواضح أن دول شرق البحر الأبيض المتوسط وبالتحديد مصر واليونان وإسرائيل لعبت دورًا مبكرًا في الحد من الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية، ويمكن أن تلعب دورًا أكبر من خلال الجهود المنسقة لتصبح موردي غاز موثوقين لأوروبا.