توعية الناخبين هي المهمة رقم 15 المتعلقة بمهام الهيئة الوطنية للانتخابات، تلك المهمة رغم ما يبدو للبعض من سهولتها إلا أنها في حقيقة الأمر ليست كذلك.

الأرجح أن الهيئة الوطنية للانتخابات هي ذاتها وقضاتها في أمس الحاجة إلى توعية القضاة بالعملية الانتخابية، فكيف للهيئة ولآلاف من مساعديها من القضاة أن تقوم هي بتلك المهمة لذاتها وللناخبين وللأطراف الأخرى في العملية الانتخابية معا؟.

لعل من الأمور التي يمكن أن تستوقف المرء إبان الانتخابات المصرية هي عدم دراية القضاة المشرفين على الانتخابات بفنيات وتفاصيل العملية الانتخابية، والتي بموجبها يقومون بمهمة الإشراف على الانتخابات، ففاقد الشيء كما قال المستشار أحمد الزند وزير العدل المصري الأسبق لكاتب تلك السطور، لا يعطيه، بمعنى أن تلك المهمة التي يحتك بها القاضي بالجمهور مباشرة ليست مهمتهم ولا وظيفتهم كما يذكر.

في تكريس المهمة رقم 15 على الأرض، تكتفي الهيئة الوطنية للانتخابات بإيجاز وإبتسار واختصار عملية توعية الناخب بمجرد إبلاغ الناخبين قبل موعد الانتخاب، عن طريق التليفون الأرضي أو عبر موقع الهيئة على الأنترنت، بمكان مقره الانتخابي، ورقم لجنته داخل المقر، ورقم المواطن بكشف الناخبين الملصق على باب اللجنة، ولربما أيضا طريقة ذهاب الناخب إلى المقر الانتخابي. رغم أنه موكول للهيئة مهمة “توعية وتثقيف الناخبين والأحزاب والائتلافات السياسية بأهمية المشاركة في الاستفتاءات والانتخابات، وحقوقهم وواجباتهم، ويجوز لها أن تستعين في ذلك بالمجالس القومية، ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات المهنية والعمالية، ووسائل وأجهزة الإعلام، وغيرها”.

المهمة السابقة الخاصة بتوعية الناخبين مهمة كبيرة وثقيلة، لذلك لم تقتصر على الهيئة الوطنية للانتخابات، وذكر القانون إمكانية أن يكون هناك جهات مساعدة للهيئة، لأن تلك الأخيرة واقعيًا لا تقوم إلا بجزء بسيط منها كما أسلفنا. تلك المهمة يجب أن يتشارك فيها مع الهيئة الأحزاب السياسية والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني خاصة الدفاعية والموكول لها الرقابة على العملية الانتخابية. ولا غضاضة أن تقوم تلك الجهات بعملية التوعية بدون تنسيق مع الهيئة الوطنية للانتخاب، لأن الهيئة ذاتها تحتاج كما أسلفنا إلى توعية قضاتها!!

وبطبيعة الحال، فإن هناك دورا جوهريا يجب أن تضطلع به منظمات المجتمع المدني المعنية بالرقابة على الانتخابات. المهم فقط أن لا تتعرض تلك المنظمات للمضايقة من قبل الهيئة الوطنية، والتي ما برحت تصف عمل تلك المنظمات بالمتابعة لا الرقابة، وهو مفهوم جديد قلما نجده في العمليات الانتخابية في النظم المتمدينة. ما لم تصادق الهيئة على عمل المنظمات، فإنها ستكون بمثابة من خذل الناخب، فلا قامت الهيئة بالعمل ولا تركت الآخرون يقومون به. هنا نجد لزامًا أن نشير إلى أن الإدارة الانتخابية توكل كليا أو جزئيا لمنظمات المجتمع المدني مهمة التوعية، ففي غانا على سبيل المثال هناك لجنة موازية للجنة المشرفة على الانتخابات تقوم بالتوعية، وفي تايلاند يعطى للإدارة الانتخابية صلاحية التعاقد مع مؤسسات وتنظيمات خاصة لغرض تنفيذ حملات التوعية. (ألان وول (وآخرون)، أشكال الإدارة الانتخابية، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، 2006، صص94-95)

توعية الناخبين هي عملية تجعل الناس على دراية كاملة بكل تفاصيل العملية الانتخابية بدءا من الترشيح وحتى الفرز وإعلان النتيجة، مرورًا بالحملة الانتخابية، وكيف يراقب المراقبون نهج العملية الانتخابية برمتها. بعبارة أخرى، التوعية عملية شاملة، لأن المواطن يمكن أن يكون مرشحًا، ويمكن أن يكون مقترعًا، ويمكن أن يكون مراقبًا أو مشرفًا على العملية الانتخابية.

حق الترشيح هو أول الحقوق، وهو في عديد من البلدان النامية التسلطية والشمولية من الحقوق المهضومة، لأن السلطات في تلك البلدان لا تتيح للغير الترشح أمام الرئيس الحالي، وتبتكر العقبات أمام المنافسين للرئيس، اللهم باستثناء المرشح الدوبلير الذي ترشحه السلطة ليكون منافسا كاريكاتيريا للرئيس. لذلك فإنه من المهم القول أن غرس شروط الترشيح في أدمغة الناس، وتعريفهم بكافة إجراءات الترشيح، وغيرها من الأمور التي تشجع على وجود انتخابات تعددية حقيقية، هي من الأمور المهمة التي تذيب النهج السلطوي لدى الحكم.

عقب ذلك يأتي دورالحملة الانتخابية، وهي أيضًا من الأمور التي يجب تبصير كافة الناس بها مهما كان موقعهم في الانتخابات، وهذه العملية تبدأ بتعريف الناس بمحظورات الدعاية الانتخابية من حيث المضمون، مثل منع امتهان الآخر، وحظر استخدام المال العام في الحملات الانتخابية، وحتمية مساواة الإعلام بين المرشحين، وتعامل السلطة وأجهزة الحكم المحلي بشفافية كاملة بالوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية. من الأمور الأخرى المهمة في شأن التوعية، التعريف بمواقيت الدعاية، والبعد عن التلوث البصري فيها، وكيف يتعامل المواطن مع الجهات المختلفة التي تجرى استطلاعات للرأي، وكذلك العقوبات التي يمكن أن تطال أي شخص حال خرق قواعد الدعاية، وسقف التمويل الدعائي. كل تلك الأمور مهم تعلمها، ليس فقط للمواطن أيا كانت صفته كمرشح أو ناخب أو مراقب، بل كمدير للعملية الانتخابية، لا سيما وأن الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر-وقبلها اللجنة العليا ولجنة انتخابات الرئاسة- كثيرا ما تمتنع عن توقيع أية عقوبات تخص المرشحين، كما أنها لا علاقة لها البتة بقيادة المشهد الانتخابي من الناحية الأمنية، رغم كونها يفترض أن ترأس وتقود القائمين على تأمين الانتخابات داخل وخارج اللجان والمقرات الانتخابية قبل وأثناء الاقتراع.

بعد ذلك تأتي عملية التوعية والتثقيف في المرحلة الأخيرة للانتخابات وهي الاقتراع والفرز، والتي تشتمل على تعليم الناخب كيف يدلي بصوته، خاصة في النظم الانتخابية المعقدة، التي أمعن الدستور في شل حركة المشرع الانتخابي لخلق برلمانات طيعة عبر نظم انتخابية مهجورة وشائهة كالقوائم المطلقة في الانتخابات البرلمانية. هنا يكون من المفيد وحتى لا تزيد نسبة الأصوات الباطلة، ومن باب أولى الأصوات العازفة عن المشاركة في العملية برمتها، أن يعلم الناخب جيدًا طريقة الاختيار بين المرشحين، وقواعد الشفافية والنزاهة، ومنع تلقى الرشاوى الانتخابية ولربما الإبلاغ عنها. وبالتوازي مع كل ذلك من المهم تعليم القضاة وهم المشرفون على الانتخابات أبجديات العملية الانتخابية، بحيث يكون لدى هؤلاء الخبرة القانونية والعملياتية، التي تعني الموائمة النابعة من فن الاحتكاك المباشر بالجمهور وبمؤسسات المجتمع المدني الدفاعية، وحسن التصرف وقيادة المشهد بحكمة.

هكذا تعتبر عملية التثقيف والتوعية مهمة للغاية، وهي قضية يجب أن تقوم عليها كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المشاركة في الانتخابات، وذلك بغية الوصول إلى انتخابات شفافة وحرة ونزيهة، تميل إلى أن تُعبر مخرجاتها بصدق عن أصوات الناخبين.