قالت “هيومن رايتس ووتش” الثلاثاء إن الحكومة المصرية تقنن استهلاك الكهرباء في جميع أنحاء البلاد، ما يهدد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما أشارت المنظمة الحقوقية إلى أن انقطاعات الكهرباء جرت في الكثير من الأحيان بوتيرة تمييزية ألقت بأعباء أكثر على المناطق الريفية، إذ يستمر انقطاع التيار الكهربائي لفترات أطول في المناطق الريفية، التي فيها معدلات أعلى للفقر.
واشارت إلى أن الحق المحمي دوليا في مستوى معيشي لائق يشمل الحصول على كهرباء كافية، وموثوقة، وآمنة، ونظيفة، ومتاحة، وميسورة التكلفة.
كما يرتبط الحصول على الكهرباء بضمان الحقوق الأخرى، على سبيل المثال وليس الحصر، كالحق في الصحة، والسكن، والمياه، والتعليم، ويجب الاعتراف به كحقّ من حقوق الإنسان قائم بحد ذاته.
ويقع على عاتق الدول واجب ضمان حصول كل فرد على الكهرباء، وهذا يعني ضمان توليد الكهرباء وإمداداتها بشكل كاف ومستدام، والتعاون الدولي لضمان توفير كهرباء موثوقة، وميسورة التكلفة، ومتاحة للمستخدم النهائي.
لذا ينبغي اتخاذ خطوات فورية وعاجلة لضمان حصول جميع السكان على الكهرباء، بصفة مستمرة وميسورة التكلفة، ولا تُسهم في أزمة المناخ.
وتشير المنظمة إلى أهمية زيادة قدرة التوليد من الطاقة الكهرومائية، والرياح، والطاقة الشمسية، كلما كان الانتقال إلى الطاقة المتجددة أسرع، ما من شأنه أن يزيد توفير مصر للأموال، ويخلق فرص عمل أكثر، ويقلل مشاركة مصر في أزمة المناخ.
خطط التقنين
بدأت خطط التقنين بما فيها قطع الكهرباء منذ 22 يوليو الماضي، ذلك بعد أسبوع من الانقطاعات المفاجئة للتيار الكهربائي، ويهدف التقنين إلى تخفيف الضغط على البنية التحتية للكهرباء في البلاد جرّاء زيادة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف.
في 27 يوليو أعلنت الحكومة عزمها تمديد خطة التقنين حتى سبتمبر على الأقل، بعد تصريحات رئيس الوزراء في 19 يوليو أن الانقطاع المتكرر سينتهي بحلول 25 يوليو لمعالجة الأزمة.
وفي هذا السياق، أعلنت الحكومة إجراءات عدة، منها تكليف بعض موظفي القطاع العام بالعمل من المنزل أيام الأحد، وهو يوم عمل في مصر.
أصداء الأزمة
نشر أشخاص فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي يشتكون فيها من أن التقنين يعوق أداء وظائفهم، ما يهدد حقهم في العمل. وصرّح عضو في البرلمان خلال مساءلة برلمانية لوزير الكهرباء والطاقة المتجددة أن انقطاع التيار الكهربائي حال أحيانا دون وصول المياه إلى الطوابق العليا في المباني السكنية في ست مدن بمنطقة القاهرة.
أعلنت الحكومة أن المستشفيات معفاة من التقنين، على عكس العيادات الخاصة. قال طبيب لـ “بي بي سي عربية” إنه اضطر إلى إعادة إجراء عملية تنظير البطن لأن التيار الكهربائي انقطع. أضاف أن حتى المولد الاحتياطي في العيادة لم يعمل كما يجب بسبب تقلب التيار الكهربائي.
وأفادت وسائل الإعلام أن التقنين سيستمر لفترات أطول في بعض المناطق. بحسب “العربي الجديد”، تُقنّن الكهراء في مناطق القاهرة الكبرى أربع مرات في اليوم لمدة ساعة في كل مرة.
الريف الأكثر معاناة.. “فصل الكهرباء ونسي أن يرجع التيار”
يستمر انقطاع التيار الكهربائي لفترات أطول في المناطق الريفية، التي فيها معدلات أعلى للفقر، ما يحرم الكثيرين من التيار الكهربائي وسط ارتفاع درجات الحرارة، ويعوق قدرتهم على أداء وظائفهم، كحال بعض الكوادر الطبية، ويحرمهم من المياه
وقال آدم كوجل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “لطالما طالبت الحكومة المصرية ضمنيا المصريين بالتضحية بحقوقهم المدنية والسياسية مقابل الازدهار الاقتصادي. لكن انقطاع الكهرباء يقلص قدرة الناس على الحصول على حقوقهم، بما فيها الحق في الغذاء، والماء، والرعاية الصحية”.
في حين تُقنن في الصعيد والدلتا خمس مرات. قال أحد أعضاء البرلمان إن الكهرباء وصلت سكان بعض المناطق في حي العمرانية بالجيزة لساعتين فقط خلال 15 ساعة، ما تسبب في إتلاف أجهزتهم الكهربائية. ومعروف أن حي العمرانية ينظر إليه باعتباره حي يضم فئات بات أغلبها يصنف ضمن الشرائح الأدنى في الطبقة الوسطى، والشرائح الفقيرة.
ونقلت صحيفة “الشروق” المحلية عن مسئول بوزارة الكهرباء قوله إن الانقطاع قد يستمر حتى ساعتين في المدن، لكن قد يصل إلى ثلاث ساعات في القرى. أرجع المتحدث باسم مجلس الوزراء السفير نادر سعد فترة التقنين الأطول في بعض القرى إلى خطأ بشري ومسائل فنية، إذ قال: “ربما الشخص المسئول فصل الكهرباء ونسي أن يرجع التيار”.
جدول قطع التيار
أصدر مجلس الوزراء في 31 يوليو، جداول التقنين في جميع أنحاء البلاد، باستثناء محافظات مرسى مطروح والبحر الأحمر وجنوب سيناء، والتي اعتبرها معفاة نتيجة استهلاكها المحدود للطاقة.
قال المجلس أيضا إن المناطق السياحية والساحلية ستُستثنى لأنها تدرّ إيرادات عامة.
بناء على الجداول الزمنية، سيكون التقنين في جميع الأحياء لفترة ساعة يوميا، باستثناء محافظة الإسكندرية، والتي يمكن أن يصل التقنين فيها إلى 140 دقيقة، أي ساعتين وثلث ساعة. لم تقدم الحكومة أي تبرير لهذا التفاوت.
نقص إمدادات الغاز الطبيعي
رغم تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن التقنين جاء نتيجة الطلب المفرط، قال وزير الكهرباء لوسائل الإعلام المحلية إن استهلاك الكهرباء في البلاد لا يتجاوز الطاقة الإنتاجية المحتملة، مضيفا أن الانقطاعات كانت مدفوعة بشكل رئيسي بنقص إمدادات الغاز الطبيعي وزيت الوقود لتشغيل محطات الكهرباء.
في 2019، حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز وبدأت بتصدير الغاز الطبيعي المسال، لكن وصل إنتاج الغاز إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات في مايو وفقا لـ “المسح الاقتصادي للشرق الأوسط”. لسد الفجوة، أعلنت الحكومة عزمها استيراد كميات إضافية من زيت الوقود تتراوح قيمتها بين 250 و300 مليون دولار حتى نهاية أغسطس.
وقال مسئولون حكوميون إن أزمة الكهرباء نتجت عن عدم كفاية إمدادات الغاز لتشغيل محطات الطاقة. وتخطط الحكومة منذ أغسطس 2022 لتقنين الكهرباء حتى تتمكن من تصدير الغاز الطبيعي كوسيلة لدعم احتياطها من العملات الأجنبية
في 19 يوليو قال مسئول بوزارة الكهرباء لـ “جريدة الشروق” القاهرية إن الوزارة تخطط لخفض الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي بنسبة 25 %، للحفاظ على كميات الغاز الطبيعي للتصدير، لضمان الحصول على العملة الصعبة وسط أزمة الديون الكبيرة.
في 27 يوليو قال مدبولي إن الحكومة أوقفت صادرات الغاز الطبيعي خلال أشهر الصيف، لكن كشف موقع التدقيق في الوقائع “صحيح مصر” أن مصر صدّرت الغاز خلال فصول الصيف الأربعة الماضية، بقيمة إجمالية بلغت 2.68 مليار دولار بحسب بيانات “البنك المركزي المصري”.
احتمال ارتباط التقنين بتصدير الغاز الطبيعي يتفق أيضا مع خطة الحكومة في أغسطس/ 2022 لتقنين استهلاك الطاقة على مستوى البلاد لتوفير 15 % من الغاز الطبيعي المستخدم في تشغيل محطات الطاقة للتصدير والحصول على العملة الصعبة.
خططت الحكومة لزيادة إمدادات الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة إلى 20 % بحلول 2022، لكن مصادر الطاقة المتجددة شكّلت 11 % فقط في ذلك العام.