في خطاب ألقاه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الجلسة الافتتاحية للكنيست، في أكتوبر/تشرين الأول 2011، تحدث بالتفصيل عن التطورات في العالم العربي، وتحديدًا مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني.

قال نتنياهو حينها: “أيها الأصدقاء، إذا اضطررت إلى تلخيص ما يمكن أن نتوقعه في المنطقة، فسأستخدم مصطلحين: عدم الاستقرار وعدم اليقين.. في مواجهة حالة عدم اليقين، وعدم الاستقرار أمامنا، نحتاج إلى شيئين: القوة، والمسئولية”.

وصف نتنياهو الربيع العربي، بأنه تعبير عن الطبيعة غير المستقرة للشرق الأوسط. وقال: “المنطقة التي نعيش فيها هي منطقة غير مستقرة. يمكننا أن نرى ذلك في عدة أماكن مختلفة في المنطقة”.

إسرائيل لا ترغب في رؤية الديمقراطية بمصر

اتفق جميع المسئولين الأمنيين مع هذا التوجه الذي رأى في ديمقراطية مجاورة خطرًا، يهدد بقاء الدولة العبرية، وهو ما عبّر عنه بوضوح آنذاك كل من يوآف جالانت، الذي بات وزير الدفاع الحالي، وأفيف كوخافي، رئيس الأركان السابق.

في دراسته “الخطاب الإسرائيلي تجاه الربيع العربي“، يرى ليور ليرز، زميل سياسة في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، والمختص بالعلاقات الدولية، أن خطاب نتنياهو كان متناقضًا مع خطابه في التسعينيات، والذي اعتبر فيه الأخير، أن الديمقراطية بالدول العربية، سوف تساعد إسرائيل على الاندماج في محيطها الإقليمي.

ويُبرز “ليرز” في دراسته، كيف سعت النخبة السياسية والأمنية والإعلام الإسرائيلي إلى عدم استخدام مصطلح “الربيع العربي”، واستبداله بمصطلحات من قبيل “الشتاء العربي”، “الشتاء الإسلامي”، كتعبير عن القراءة السلبية للأحداث.

الآن بعد نحو 12 عامًا من وصف نتنياهو، الذي وللمصادفة يحتفظ بمنصب رئيس الوزراء، ما جرى في مصر، بأنه “عدم استقرار وعدم يقين”، يبدو أن هاتين الكلمتين تُعبّران عن الواقع المصري الحالي، في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي، وعدم وضوح أي أفق للخروج من الأزمة، وغياب أي نيّة لتغيير النهج السياسي الحاكم.

ولكن خلال تلك السنوات جرت الكثير من الجداول في مياه صياغة العلاقات، وأصبحت إسرائيل أكثر انخراطًا في محيطها، وهو ما برز في تماهيها مع نهج دول الخليج العربي الرافض لأي ديمقراطية بجوارها، قد تهدد أنظمة حكمها، ثم لاحقًا في إقامة علاقات متنامية رسمية وغير رسمية، تجلّت في “اتفاقيات إبراهيم” مع الإمارات والبحرين والمغرب، و”التطبيع” المتزايد مع السعودية.

ووفق هذا الاتجاه الإقليمي، وخلال العقد الأخير، أظهرت مصر انفتاحًا متزايدًا على علاقات أوثق مع إسرائيل، بناءً على المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة، ولا سيما في مجالات الطاقة والتجارة والسياحة.

وعكسَ هذا الاتجاه أجندة مصر الاقتصادية، والمناخ الإقليمي الداعم الذي أوجدته اتفاقيات إبراهيم، بحسب ما يرى “معهد دراسات الأمن القومي”، وهو أحد أهم المراكز البحثية الإسرائيلية، ويضم مجموعة منتقاة من الأكاديميين والمسئولين الأمنيين البارزين.

الأزمة الإسرائيلية الداخلية تطغى على باقي الملفات

لطالما أولت مراكز الأبحاث الإسرائيلية -التي تلعب دورًا مؤثرًا في صناعة القرار والسياسات- اهتمامًا كبيرًا بالشأن المصري، وتفاعلاته الداخلية التي يمكن أن تؤثر عليها. حتى أن بعضها قدم مراجعةً ذاتيةً لتطوير أدواته؛ نتيجة فشل جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” في التنبؤ بالثورة المصرية، وهو الجهاز الذي يُنظر إليه باعتباره الأكثر فاعلية في تحليل الأحداث الخارجية، ويُطلق عليه “المُقيّم الوطني”.

لذا، فإن متابعة اتجاهات مراكز الأبحاث الإسرائيلية ونظرتها توّفر مؤشرًا دقيقًا حول رؤيتهم للوضع الداخلي السياسي المصري.

لكن الوضع الداخلي الحالي في إسرائيل يبدو طاغيًا على كل شيء، فالرأي العام والإعلام الإسرائيلي يركز على الأزمة الداخلية -المتعلقة بـ”الإصلاح القضائي”- وتفاعلاتها؛ لأنها تتعلق ببنية ومستقبل النظام السياسي، وهو ما يظهر بوضوح عند تصفح أهم المراكز البحثية.

“هذا لا يعني أن إسرائيل على مستوى إعلامها ونُخبها غير مهتمة بالحالة في مصر، ولكنها تعكس الأزمة الإسرائيلية الداخلية التي تذهب إلى مستوى مختلف من التحديات الأمنية والعسكرية الملموسة والآنية، بعيدًا عن ما يحدث في وقت الاستقرار السياسي،حين كان الملف المصري دومًا حاضرًا بكل تفاصيله في الإعلام والسياسية”، يقول إبراهيم ربايعة، مدير السياسات والبحوث في مركز الأبحاث الفلسطيني بمنظمة التحرير الفلسطينية.

ويوضح الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية لـ”مصر 360″، أن الحديث عن التحديات والمخاطر التي تواجه إسرائيل الفترة المقبلة تركز على الجبهة الشمالية، والعلاقة مع حزب الله، والفواعل من غير الدول مثل، الفصائل الفلسطينية في غزة، وحالة المقاومة المتصاعدة في جنين بالضفة الغربية، كتحديات رئيسية “وهذا ما يطغى على النقاشات، ولا تحضر حاليًا الأوضاع الداخلية في مصر” كما في السابق.

لكنه يلفت إلى، أن النظرة الإسرائيلية الحالية للإقليم، والعلاقة معه هي نظرة أكثر إلى الدول ككتلة واحدة “بمعنى أنه يتم النظر إلى مصر ككتلة بدون الدخول في تفاصيل، والتفاعلات الداخلية في مصر، والمتصلة بمستقبل الدولة بعد الانتخابات الرئاسية وما إلى ذلك”.

وهو ما يتفق معه الباحث في الشؤون الإسرائيلية، خلدون البرغوثي، الذي يعتقد أن انشغال الإسرائيليين بالأزمة الداخلية، وبإمكانية التصعيد على الجبهة اللبنانية وفي الضفة المحتلة، طغى على باقي الملفات.

لكن النظرة السياسية والأمنية الإسرائيلية للوضع الداخلي المصري يمكن استنتاجها من خلال العديد من الأبحاث، والدراسات والتقييمات الاستراتيجية المنشورة، والتي توضح تخوفهم من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى أي تقويض للاستقرار في مصر.

كما ترى في الأزمة فرصةً؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو ما يجعلها تظن أن في صالحها استمرار النظام السياسي الحالي، مع تغيير نهجه الاقتصادي؛ بحيث لا يؤدي لتفجير “الفوضى” أو إحداث “ثورة”، وفق منظور إيلي ديكل، الرئيس السابق للفرع الميداني في شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”.

“إسرائيل معنية بتحسين الوضع الاقتصادي في مصر”

يعتقد كل من، أوفير وينتر، وراز زيمت، في تقييمهما المنشور على معهد دراسات الأمن القومي، أن إسرائيل معنية بتحسين الوضع الاقتصادي في مصر، وتعزيز استقرارها الداخلي.

ويقولان، إن “التحسن الأخير في مجالات الأمن والطاقة والسياحة في العلاقة بين إسرائيل ومصر يمنح تل أبيب درجة معينة من النفوذ على القاهرة، على الرغم من التوترات الحالية في الساحة الفلسطينية، والتي قد تحد مؤقتًا من فعاليتها”.

وبناءً على رؤيتهما فإن المصلحة الإسرائيلية تتمثل في تخفيف التوتر في المنطقة، وتعزيز الأمن على طول الطرق البحرية في البحر الأحمر، وتعزيز التعاون في قطاع الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، وكبح نفوذ حركتي الجهاد الإسلامي وحماس في قطاع غزة.

وفي هذا الإطار، فإن استمرار التعاون في مجال الطاقة يعد أولوية -وفق بحث آخر لأوفير وينتر الذي تركز أبحاثه على مصر والأردن- وبالتالي العمل على تنويعها وتوسيعها لتضم الطاقة المتجددة بالإضافة إلى الغاز.

يشير وينتر: “تمتلك إسرائيل خبرة تكنولوجية خاصة، بينما تمتلك مصر بنى تحتية متطورة، ومساحات كبيرة لوضع الألواح الشمسية، ورؤية طموحة لربط شبكات الطاقة الإقليمية. في شبه جزيرة سيناء، على سبيل المثال، لا توجد حتى الآن مشاريع مهمة في مجال الطاقة المتجددة. يمكن أن تخدم المشاريع المستقبلية هناك مصر وإسرائيل وقطاع غزة”.

في التقييم الاستراتيجي للمعهد الذي يُعد بشكل سنوي ويُقدم لصناع القرار، يعتبر أنه يجب على إسرائيل العمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية ودمج القاهرة في الديناميكية الإقليمية الإيجابية التي أوجدتها اتفاقيات إبراهيم فإلى جانب “الأهمية الكبرى لاتفاقات إبراهيم والحاجة إلى تعميقها وتوسيعها، تظل الاتفاقيات مع الأردن ومصر حاسمة فيما يتعلق بالبيئة الاستراتيجية لإسرائيل”.

بالإضافة إلى ذلك، خلقت تداعيات الحرب في أوكرانيا فرصًا جديدة لتوسيع العلاقات الإسرائيلية المصرية، لا سيما في المجالات الاقتصادية.

وهكذا، شهد العام الماضي سلسلة من “التطورات الإيجابية”، مثل: فتح خطوط طيران للسياحة الإسرائيلية إلى شرم الشيخ. توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي تهدف إلى تشجيع الشركات الأوروبية على البحث عن الغاز الطبيعي في المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين، وتطوير البنية التحتية للغاز، وتصدير الغاز المسال إلى أوروبا عبر مصر؛ والموافقة على برنامج حكومي إسرائيلي لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع مصر.

ويرى المعهد أن انفتاح مصر على علاقات اقتصادية أعمق مع إسرائيل يعكس الأجندة التي توجه القاهرة في السنوات الأخيرة، حيث تعطي القاهرة الأولوية القصوى للاحتياجات المادية في كل من السياسة الداخلية والخارجية.

“إنها تريد تعزيز مناطق الرخاء المشترك مع دول أخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر والشام، كوسيلة لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. علاوة على ذلك، خلقت اتفاقيات إبراهيم مناخًا إقليميًا جديدًا، مما دفع مصر إلى السعي للحصول على نصيبها من المكافآت الاقتصادية للسلام مع إسرائيل، ومنحها مزيدًا من الشرعية للقيام بذلك”.

على النهج ذاته، يقول “المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية” إن الشعور القوي بالأمن والاقتصاد المستقر قد يحوّلان مصر إلى مصدر للاستقرار الإقليمي. و”هذا يقود مصر إلى الاهتمام بشكل متزايد بتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل”.

تحتل مصر موقعًا استراتيجيًا مهمًا، على الطريق البحري من المحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وباتجاه قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط. “لذلك، لا يقتصر الاهتمام بتحقيق الاستقرار في مصر على الجهات الفاعلة الإقليمية وحدها، بل يتجلى أيضًا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند والصين. وهذا يولد اهتمامًا دوليًا بدعم التعاون الإسرائيلي المصري باعتباره حجر الأساس لتعزيز الاستقرار الإقليمي”، يشير المعهد المعني بالسياسة الخارجية.

ويضيف “الطبيعة الإيجابية للعلاقات الإسرائيلية المصرية في السنوات الأخيرة، جنبًا إلى جنب مع التطورات الإقليمية المتطورة في الشرق الأوسط، ودور مصر في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين، والخطوات التي اتخذتها مصر لإذابة السلام “البارد” مع إسرائيل، كلها عوامل قد تشير إلى وجود فرصة لمزيد من التقدم في العلاقات بين شريكين استراتيجيين في المنطقة”.

دعم أجندة مصر الإقليمية

رينا باسيست، المسئولة عن القسم الإسرائيلي في صحيفة “المونيتور” الأمريكية، ترى أن مصر تواجه سلسلة من التحديات المعقدة التي يمكن أن تقوّض استقرارها. وبالتالي، فإن تعزيز مكانتها الإقليمية وتعزيز “حصتها” في الساحة الدولية يمكن أن يساعد القاهرة في نفوذها ووضع اللاعبين على الساحة الإقليمية والدولية لدعم أجندة مصر ودفعها إلى الأمام في نطاق قضاياها الاستراتيجية الحيوية.

وفي هذا الإطار، يعد التعاون الأمني مع إسرائيل أولوية قصوى، وبالنسبة لتل أبيب، انخراط مصر المكثف في الوساطة مع حماس والجهاد الإسلامي له أهمية قصوى. إذ أن “العلاقات الأمنية مع مصر هي مفتاح الاستقرار في المنطقة، فيما يتعلق بإسرائيل”.

ولهذا، حملت المناقشات الأخيرة من أجل وقف إطلاق نار طويل الأمد بين حركة حماس وإسرائيل، حوافز اقتصادية للقاهرة، بدعم سياسي من الولايات المتحدة ومساعدة مالية من قطر.

اللواء احتياط، أودي ديكل، الذي ترأس اللجان العسكرية المشتركة مع مصر سابقًا وعمل كرئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان والمدير العام لسنوات لمعهد دراسات الأمن القومي، يظن في ذلك  دافعًا للقاهرة للانخراط بشكل أكبر في غزة للاستفادة من المكافآت الاقتصادية والسياسية التي ستتمتع بها في هذا السياق، فضلاً عن نجاحها في إطلاق مشاريع البنية التحتية المحلية.

على سبيل المثال، وصلت بالفعل ثلاثة مشاريع بناء مصرية لبناء مساكن ضخمة في جباليا وبيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى مرحلة متقدمة وهي جاهزة تقريبًا للإشغال. وبالمثل، هناك خطط لتطوير طريق الرشيد الساحلي الذي يمتد بموازاة البحر في شمال غزة. وتوسيع ميناء العريش بشمال شبه جزيرة سيناء ليصبح ميناء شحن لكل قطاع غزة. وطريق سريع مرصوف للشاحنات لدخول غزة. وتوسيع التجارة بين مصر وغزة عبر معبر صلاح الدين. وشبكات الكهرباء الموصولة التي ستوزع الكهرباء من مصر إلى القطاع. بجانب تطوير حقل غزة للغاز الطبيعي البحري الواقع قبالة سواحل القطاع.

“لقد عانت مصر من مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية قربت القاهرة وتل أبيب من بعضهما البعض. ورأت مصر أن إسرائيل شريك في حربها على الإرهاب في سيناء وفي تحسين صورتها في الدوائر السياسية في واشنطن عندما يتعلق الأمر بمعركة الروايات ضد الإخوان المسلمين”، يقول هيثم حسنين، الباحث الزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.

ومن منظور آخر، يدعي الباحث الاقتصادي الإسرائيلي، آدم رويتر، أن الشبكة الواسعة من المصالح الاقتصادية للضباط والضباط السابقين تدعم هذا التقارب وتقلل من أي فرص للصراع مع إسرائيل.

الحكومة المتطرفة ضمن عوامل أخرى تهدد استقرار مصر

من منظور اليسار الإسرائيلي، الذي تُجسده صحيفة “هآرتس“، فإن أفعال الحكومة الصهيونية المتطرفة قد تهدد الاستقرار في مصر. فالاعتداءات المتزايدة على المسجد الأقصى وتوسيع الاستيطان، يمكن أن تُفجّر غضبًا داخليًا من الشعب المصري وموجة تظاهرات.

“مع مواجهة المصريين بالفعل لارتفاع الأسعار، يمكن لسياسة متشددة ضد الفلسطينيين من الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة أن تضع الرئيس السيسي في مأزق”، يقول محلل الصحيفة تسفي برائيل.

ويوضح أحدث استطلاع رأي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن المصريين ما زالوا يرفضون اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل والإمارات والبحرين أو احتمال السماح بأي علاقات رياضية أو تجارية مع الإسرائيليين.

وبتعبير المعهد “أظهرت المواقف المصرية تجاه السلام مع إسرائيل أن الشعب لا يؤيد سياسات حكومته بشأن هذه المسألة”.

يقول جوست هيلترمان، مدير برامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، إن دول الخليج العربية التي قادت الثورة المضادة بعد عام 2011 بمساعدة التكنولوجيا الإسرائيلية سمحت بإعادة تشكيل دول مثل مصر وسوريا والجزائر باعتبارها “دول شرسة”؛ أي أنها ضعيفة داخليًا لكنها توجه الحد الأقصى من الموارد إلى ضبط شعوبها من خلال الأعمال الشرطية وتعزيز المراقبة والضوابط الاجتماعية.

لكنه يوضح “أظهرت العقود الماضية أن الدول المفرطة في قمعها تظهر قدرتها على البقاء لبعض الوقت، إلا أن عدم قدرتها المتنامية على التكيف مع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة تصل إلى نهايتها. فمثلا، تأخر مصر عن الوفاء بديونها وما يتطلبه ذلك من تقليص الدعم للخبز والطعام يمكن أن يقوض بسرعة ما يشبه الاستقرار الإقليمي حاليًا”.

حتى لو لم يخرج الناس مرة أخرى إلى الشوارع بأعداد كبيرة -والحديث لهيلترمان- فإن الضغوط الشعبية من أجل تحسين طريقة الإدارة ستستمر في التفاعل. وهذا قد يدفع الأنظمة الاستبدادية إلى تقدير أن تنظيم بيوتها الداخلية قد يسمح لها بمواجهة التحديات الأصعب التي يستمر “اللانظام العالمي” في رميها عليها. والسؤال هو: هل ستغتنم الفرصة؟