لا يزال الوضع السياسي المصري يحمل بين طياته عدم اليقين، فالأزمة الاقتصادية المتصاعدة لا يظهر أي أفق محتمل لحلها، وطريقة إدارة الحكم السلطوية لا يتبدى أي أمل في حلحلتها، ولذلك تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة وسط مشهد ضبابي ينتظر انقشاعًا للغيوم أو تلبدها.
حتى الآن يبدو ترشح الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، “شبه أكيد”، بينما على الجانب الآخر في معسكر المعارضة المدنية فإن لا شيء أكيد في ظل تباين الرؤى بين المكونات المختلفة.
وفي هذا الإطار السياسي المرتبك وغير الواضح، عادة ما يظهر الفواعل من الدول الإقليمية والدولية باعتبارهم جزءًا من تفاعلات السياسة الداخلية، تجمعهم خيوط المصالح المشتركة والمتباينة. لذا، فإن الحاجة إلى فهم نظرة تلك الدول إلى الوضع المصري تبدو هامة، لإدراك وضعنا ضمن الصورة الأكبر في المنطقة.
وضمن مسعى “مصر 360” لتبين رؤى القوى الخارجية والإقليمية للأزمة المصرية والانتخابات الرئاسية القادمة، والمعطيات التي تشير إلى تأثيرهم في المشهد السياسي، أجرينا حوارًا مع كل من:
آنا جاكوبس، كبيرة محللي شؤون الخليج في “مجموعة الأزمات الدولية”، ومقرها بروكسل، وجوسيبي دينتشي، رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد الإيطالي للدراسات الدولية (ISPI).
اقرأ أيضا – خبراء دوليون يجيبون على أسئلة “مصر 360″: عن الرغبة السعودية في القيادة وتطلعات وتقاطعات الخليج مع الشأن المصري
وإلى نص الأسئلة:
***مصر 360: يبدو أن هناك خلافات متصاعدة بين السعودية والإمارات بشأن الاتجاهات العامة في المنطقة، ما تأثير ذلك على رؤيتهما للملف المصري، حيث اتفقا على ضرورة الإصلاح الاقتصادي قبل تقديم الاستثمارات أو المساعدات المالية. لكن الموقف السعودي يبدو أكثر صرامة (فخلال الفترة الماضية لم تقم السعودية بأي استحواذ على أصول أو استثمارات مصرية، بينما أجرت الإمارات بعض الصفقات وساهمت في جزء من برنامج بيع الأصول الأخير من خلال شراء يُقدّر بـ 800 مليون دولار). في هذا السياق، هل هناك فرق بين المواقف السعودية والإماراتية تجاه مصر، وهل الخصومة المتصاعدة بينهما قد تؤثر على نهجهما صوب القاهرة؟
آنا جاكوبس: لا شيكات على بياض
لا أعتقد أن هناك اختلافات كبيرة في كيفية تعامل السعودية والإمارات مع الدعم المالي لمصر. لا يزال البلدان ينظران إلى مصر من منظور “أكبر من أن تفشل”، لكنهما غيّرا نهجهما تجاه المساعدة المالية للعديد من الجهات الفاعلة الإقليمية.
تركز دول الخليج العربية على تأمين العوائد المالية لاستثماراتها، وتقديم المساعدة المالية بمزيد من الشفافية والمخرجات المطلوبة، وغيرها من المتطلبات. لا مزيد من “الشيكات على بياض” بشكل أساسي.
لكن هناك بعض الفروق الدقيقة (فيما يتعلق بالسياسة تجاه مصر) على سبيل المثال، ورد أن الإمارات تتفاوض بشأن قرض صغير للغاية 100 مليون دولار مع مصر لشراء القمح في ضوء انهيار صفقة الحبوب في البحر الأسود (تم الاتفاق على هذا القرض بإجمالي 500 مليون دولار مقسمة على 5 سنوات مقابل شراء المحصول جزئيا من أراضي شركة الظاهرة الإماراتية في مصر).
أيضًا، في الجولة الكبيرة من مبيعات الأصول التي أعلن عنها المصريون في أوائل يوليو/تموز الماضي، لعب المستثمرون الخليجيون دورًا ثانويًا فقط، وكان المشترون الوحيدون جميعهم إماراتيين، ولا أحد من المملكة العربية السعودية.
جوسيبي دينتشي:
في هذه اللحظة بالذات من التاريخ المصري الحديث، لا يختلف دور السعودية والإمارات تجاه مصر إلا قليلاً. كلاهما من أشد المؤيدين لوقف المساعدات المالية غير المشروطة ويطالبان بمزيد من المساءلة والإصلاحات من الحكومة في القاهرة.
أكبر الاختلافات ملحوظة على المستوى الدولي. هنا، على سبيل المثال، أبو ظبي لديها مواقف مختلفة بشأن ليبيا والسودان وبشكل عام تجاه الأنظمة الرئيسية في الشرق الأوسط. في الواقع، تلعب القاهرة وأبو ظبي في جانبين متعارضين ويبدو أنهما متنافسان تقريبًا.
من ناحية أخرى، تتعلق أكبر الاحتكاكات بين مصر والسعودية بوضع استراتيجية لمنطقة البحر الأحمر، وهي منطقة اهتمام محتملة لكلا اللاعبين اللذين يهدفان إلى تطوير طموحات سياستهما الخارجية في مسرح جيو ستراتيجي ذو أهمية عالمية متزايدة.
***مصر 360: في عام 2013، كان مدى النفوذ الخليجي واضحًا للعيان ضمن العوامل المُحركة للوضع السياسي الداخلي المصري، إذ تم تقديم الدعم المالي الهائل من أجل الحفاظ على مصالحهم والتخلص من أي إمكانية لعملية ديمقراطية، وتهميش حركات الإسلام السياسي. الآن، هل يمكن للسعودية والإمارات اللجوء إلى أدوات مماثلة تدعمان فيها رحيل رأس السُلطة مقابل شخص آخر يتولى المسئولية من المؤسسة العسكرية، أم لم يصل التهديد لمصالحهما المتصورة إلى تلك النقطة بعد؟
آنا جاكوبس: هناك فرق
أصبح التدخل المباشر السعودي الإماراتي في الشؤون الداخلية لمصر أقل احتمالية اليوم لمجموعة من الأسباب. اليوم، تتجذر السياسات الخارجية السعودية والإماراتية أكثر في خفض التصعيد الإقليمي، والحوار، ودعم الاستقرار الإقليمي.
إن التورط في الإطاحة برئيس دولة أخرى يتعارض مع هذا الاتجاه في السياسة الخارجية. أبعد من ذلك، هناك فرق أيديولوجي واضح بين (محمد) مرسي و(عبد الفتاح) السيسي. كان مرسي من جماعة الإخوان المسلمين، ولهذا السبب، اعتبرت كل من السعودية والإمارات رئاسته تهديدًا مباشرًا. أما السيسي فلا يندرج تحت نفس المظلة الأيديولوجية.
جوسيبي دينتشي: مريح للكل
في هذه اللحظة، يعتبر (عبد الفتاح) السيسي حلاً مريحًا لكلا اللاعبين، لأن تغيير النظام سيزيد من إضعاف مصر، ولن يفيد الطموحات الإقليمية للرياض وأبو ظبي.
لكن كلاهما (السعودية والإمارات) قرأ الموقف بقلق، وإذا ساء الوضع الداخلي المصري فربما تغيّر الإمارات رأيها تجاه السيسي وتسعى نحو محور جديد مع الجيش المصري. أما الرياض فستركز قبل كل شيء على ضمان الاستقرار في البلاد، حيث أنه أمر أساسي لتوازن الخليج والشرق الأوسط بأكمله.
***مصر 360: ضمن المطالب التي لا تحيد عنها دول الخليج هي إخراج الجيش من المشهد الاقتصادي وإتاحة فرصة لنمو القطاع الخاص. هل سينجحون في هذا المسعى من خلال اللجوء لأدوات الضغط المختلفة أم أنهم لن يتمكنوا من تحقيق ذلك خلال الفترة المقبلة؟
آنا جاكوبس:
تخشى دول الخليج والمؤسسات المالية متعددة الأطراف وغيرها من الجهات التي يمكنها تقديم مساعدات مالية لمصر من دور الجيش في الاقتصاد، وكيف يعوق هذا “دور الجيش” الإصلاح الاقتصادي والنمو في مصر.
لكنني لن أقول إن دول الخليج العربية تحاول جاهدة إزالة الجيش من المشهد الاقتصادي.
***مصر 360: حتى الآن لم يظهر أي مرشح جاد ينافس السيسي في الانتخابات المقبلة. هل يمكن للمملكة أو الإمارات تقديم دعم خفي لشخص لديه فرص كبيرة للمنافسة (كما ورد، على سبيل المثال، حول دفع بعض الفاعلين الإقليميين لترشح رئيس الأركان السابق سامي عنان أو أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء بعهد حسني مبارك في انتخابات الرئاسة 2018)؟
آنا جاكوبس:
أشعر أن السعودية والإمارات لن يتدخلا بهذه الطريقة في العملية السياسية الداخلية في مصر في هذه المرحلة.
***مصر 360: كيف تنظر الولايات المتحدة إلى الوضع الداخلي المصري الحالي، في ظل الهشاشة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وكيف تنظر إلى مستقبل الرئيس الحالي في ظل تقاطع العديد من الملفات الأجنبية مع الدور المصري،وهل الخوف من عدم الاستقرار الناتج عن الأزمة الاقتصادية قد يدفع واشنطن لمحاولة تغيير النهج؟ وفي نفس الجانب، ما هو موقف الاتحاد الأوروبي الذي يتعلق اهتمامه الأساسي بمنع تدفق المهاجرين؟
جوسيبي دينتشي:
تراقب الولايات المتحدة وأوروبا ما يحدث في مصر باهتمام وخوف. كلاهما لديه صورة حية للبلد في عام 2011 وخاصة للوضع الأمني الصعب في 2011-2013. تعتبر واشنطن وبروكسل “المقر الرسمي للاتحاد الأوروبي” القاهرة شريكًا رئيسيًا، قبل كل شيء فيما يتعلق بالأمن الإقليمي ولاعبًا ذا أولوية في إدارة تدفقات الهجرة ومكافحة الإرهاب.
من وجهة النظر هذه، كلاهما يهدف إلى إدارة علاقة متشابهة جدًا مع مصر. رغم ذلك، فإن الاختلاف الأكبر يتعلق بنهج الاتحاد الأوروبي الموجه نحو الأمن في الغالب تجاه القاهرة، والذي يهدف من خلاله إلى إبرام اتفاقيات جديدة أيضًا في مجال إدارة الهجرة على غرار تلك التي تم تأسيسها للتو مع تونس.
من ناحية أخرى، هناك اهتمام أكبر بعدم إغفال خطة حقوق الإنسان، وإن كانت بشكل رسمي، والتي تظل قيدًا خطيرًا في العلاقات بين مصر والغرب.
لذلك، أعتقد أن الطرفين سيبذلان قصارى جهدهما -قدر المستطاع- لدعم السيسي واستقرار النظام كعنصر أساسي في سياساتهما الإقليمية والعالمية.
- عمل جوسيبي دينتيشي كزميل باحث في مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الإيطالي للدراسات الدولية ISPI، حيث أجرى أبحاثًا حول القضايا الجيو سياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تُركز اهتماماته البحثية أيضًا على مصر وإسرائيل ودول الخليج والتحولات الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط الكبير. حصل على درجة الدكتوراه في “السياسة والمؤسسات” من جامعة القلب المقدس الكاثوليكية في ميلانو، حيث تم ترشيحه (خبير في المادة ومساعد تدريس) في “تاريخ الحضارات والثقافات السياسية”، و”التاريخ الدولي – البحر الأبيض المتوسط الأوسع”، منذ عامي 2019 و 2020 على الترتيب.
كما تركز أبحاثه الأكاديمية على تطور العلاقات الأمريكية مع مصر والسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكذلك العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.
نشر على نطاق واسع -في إيطاليا والخارج- حول مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والسياسة الدولية. كما ساهم في العديد من التقارير للبرلمان الإيطالي ووزارة الشؤون الخارجية، ويساهم في الإصدارات السنوية من ISPI / Treccani’s Geopolitial Atlas منذ عام 2013. كما تُجرى مقابلات منتظمة معه حول شؤون الشرق الأوسط من قبل وسائل الإعلام الإيطالية والدولية.
- آنا جاكوبس بصفتها كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية لدول الخليج، تغطي السياسات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على الأمن الإقليمي وجهود التخفيف من حدة النزاعات في منطقة الخليج وفي إفريقيا.
تعمل آنا كباحثة في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط منذ عام 2011. وهي متخصصة في السياسات الخارجية لدول الخليج العربية، مع التركيز على منطقة الخليج وإفريقيا. آنا هي أيضًا زميلة غير مقيمة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن (AGSIW) حيث كتبت عن السياسات الخارجية لدول الخليج في إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
تم نشر أعمالها في معهد بروكينجز، وفورين بوليسي، وواشنطن بوست، ومعهد دول الخليج العربي في واشنطن، والشرق للأبحاث الإستراتيجية، وأماكن أخرى.
حصلت على ماجستير الفلسفة في دراسات الشرق الأوسط الحديثة من جامعة أكسفورد حيث تخصصت في الاقتصاد السياسي والسياسة الخارجية واللغة العربية. وهي حاصلة على منحة فولبرايت وتخرجت من جامعة فيرجينيا.
قبل انضمامها إلى مجموعة الأزمات الدولية -في يوليو/ تموز 2022- عملت آنا كمسئولة سياسية رفيعة المستوى تركز على “حوارات المسار الثاني” في منطقة الخليج لصالح “مجموعة الشيخ” (شركة استشارية سياسية مستقلة).
كما عملت أيضًا كمساعد باحث أول في مركز بروكنجز الدوحة، ومدير أكاديمي لبرنامج SIT Study Abroad للصحافة في المغرب، ومحاضرًا في الاقتصاد السياسي والإعلام في مدرسة الحوكمة والاقتصاد بالرباط، وكمحاضر سياسي ومستشار مخاطر.