مستهدفة سد عجز الموازنة العامة، استمرت وزارة المالية، خلال العام المالي الماضي 2022/2023 في طرح أذون خزانة بقيمة 40 مليار جنيه، في جلستي الأحد والخميس، بينما في العام المالي 2023/2024 تضاعف المبلغ ليصل إلى 80 مليار جنيه أسبوعيًا كحد أدنى.
يوم الأحد الماضي، طرحت وزارة المالية عبر البنك المركزي، أذون خزانة بقيمة 40 مليار جنيه، توزعت بين أذون لأجل 91 يوما، وبمقدار 22.5 مليار، و 23.5 مليار جنيه لأجل 273 يومًا.
وجاء الطرح الأخير، بعد يومين فقط من عطاء آخر للوزارة الخميس الماضي، بقيمة 42 مليار جنيه، توزعت ما بين 18.5 مليار جنيه، بمتوسط عائد يبلغ 24.706 % للأذون استحقاق 364 يومًا و 24.921 % استحقاق 182 يومًا.
هاني توفيق: مزيد من العجز والاقتراض
بحسب هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، فإن استدانة المالية برقم تاريخي “٨٠ مليار جنيه أسبوعيًا” لسد عجز الموازنة سيفضي إلى مزيد من العجز ومزيد من الاقتراض لسده.
يتساءل توفيق: متى نقتنع بأن تكرار الخطوات ذاتها سيؤدى حتمًا لنفس النتائج؟
يخشى الخبراء من دخول الاقتصاد المحلي في فلك الحلقة المفرغة وهي حلقة لا يوجد لها نقطة بداية أو نهاية، وبالتالي من يدور فيها لا يعرف من أين يبدأ أو أين ينتهي.
لكن وزارة المالية تقول إنها نجحت في خفض العجز إلى 6 % من الناتج المحلي في 2022/2023 بدلاً من 6.1 % العام المالي 2021/2022، ولولا ارتفاع أسعار الفائدة وتغير سعر الصرف والآثار التضخمية لكانت المعدلات أفضل بكثير، على حد قول الوزارة.
ترى الوزارة أن الحفاظ على معدل العجز عند 6 % من الناتج المحلي، في ظل المتغيرات الدولية وما ترتب عليها من تدخلات ملحة ومستمرة لاحتواء التداعيات السلبية ومد شبكات الحماية الاجتماعية، يشير إلى قدرة على الإدارة الرشيدة للمالية العامة.
ارتفاع فوائد الدين
مع كل رفع للفائدة، تعاني وزارة المالية من أعباء الدين، ما يسبب تعثرا اقتصاديا جديدا، حيث ترتفع فاتورة مدفوعات الفوائد بنحو 70 مليار جنيه، مع كل زيادة بمقدار 1 % في أسعار الفائدة.
في اجتماعها الأخير، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، رفع معدلات الفائدة بمقدار 1 % لتصل الفائدة إلى 19.25% على الإيداع بينما بلغت الفائدة على الإقراض 20.25 %.
وضعت وزارة المالية بموازنة العام المالي الحالي الذي بدأ في مطلع يوليو مستهدفات لأسعار الفائدة عند 18.5 %، لكن معدل الفائدة الحالية يتجاوز ذلك المستوى بما يزيد فاتورة الفوائد بالموازنة بمبلغ 434.4 مليار جنيه.
في موازنة العام المالي 2023/2024، تبلغ فوائد الديون 1.12 تريليون جنيه بينما كانت تبلغ 775.14 مليار جنيه في الموازنة السابقة، هذا في الوقت الذي تسجل الفوائد المحلية مقدار 967.4 مليار جنيه، ذلك مقابل 685.6 مليار جنيه بالموازنة السابقة.
فوائد السندات والأذون
خصصت وزارة المالية للفوائد على السندات نحو 346.96 مليارا، بينما خصصت 437.3 مليار جنيه للأذون، وستدفع معدلات الفائدة المرتفعة التي بدأت مع مطلع العام المالي الجديد إلى زيادة تلك الأرقام، خاصة أن الوزارة عدلت توقعاتها للدين العام.
الدين العام يسجل 95.6 % من الناتج المحلي
توقعت، وزارة المالية في بيان عممته على وسائل الإعلام أخيرًا، أن يصل معدل الدّين إلى 95.6 % من الناتج المحلي بنهاية العام المالي 2022/2023.
وأرجعت ذلك لتغير سعر الصرف، إذ تسبب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار في زيادة قيمة المديونية الحكومية 1.3 تريليون جنيه، وهو ما يشكل نسبة 13.1 % من الناتج المحلي.
المالية: سعر الصرف زاد من معدلات الدين
في اعتراف نادر، حملت وزارة المالية سعر الصرف مسئولية اختلال مستهدفات الدين، لكنها عادت وأكدت أنها تستهدف عودة معدل الدين من الناتج المحلي إلى 80 % على المدى المتوسط القريب.
وأشارت المالية إلى أن الانخفاض سيبدأ من العام المالي الحالي، ويستمر على مدار الأربع سنوات المقبلة ليتراوح بين 75 % إلى أن يصل نسبة 79 % من الناتج المحلي.
المال الساخن مجددًا
بدأت الأموال الساخنة تعود مرة أخرى إلى مصر، مع ارتفاع مكاسب الديون، وقفزت استثمارات الأجانب في أدوات الدين خلال الربع الثالث من العام المالي الماضي “يناير– مارس 2023” إلى 17.2 مليار دولار.
المراهنة على الأموال الساخنة مازالت قائمة، رغم معاناة الاقتصاد منها في أعقاب الحرب “الروسية ـ الأوكرانية” وتكبد الاقتصاد حينها خسائر تقدر بنحو 22 مليار دولار.
تعرف علاوة المخاطر أو التأمين على الديون السيادية، بأنها الهامش الذي يضيفه المستثمرون لأسعار الفائدة التي يطلبونها لإقراض دولة ما، وتعكس العلاوة مخاطر الدول وقدرتها على السداد من عدمه.
وانخفضت تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لتسجل العقود أجل 5 سنوات نحو 12.9 % منتصف يوليو، ذلك بعد إعلان الحكومة حينها إتمام صفقات بقيمة 1.9 مليار دولار.
هذا بخلاف الاقتراب من انتهاء من صفقات أخرى بمليار دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي عبر برنامج الطروحات.
نفس السياسات نفس النتائج
يعتبر هاني توفيق أن الحل الوحيد لحل مشكلة الدين الداخلي هو إزالة معوقات الاستثمار ما يؤدي إلى مزيد من التشغيل، والإنتاج والتصدير، وهو ما يمكن من خلاله زيادة إيرادات الدولة ويخفض عجز الموازنة.
يطالب توفيق، قبل كل ذلك باستحداث هيئة اقتصادية عليا دائمة ومستقلة لوضع خطة، ومتابعة تنفيذها، وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري بالكامل.
لكن وزير المالية الدكتور محمد معيط، يقول إن معدل الفائض الأولي للناتج المحلي المحقق فعليًا ارتفع بنسبة 1.6 % في العام الماضي، ليصل إلى 164.3 مليار جنيه.
بينما كان الارتفاع في الفائض بنسبة 1.3 % خلال العام المالي 2021/2022، ذلك رغم زيادة المصروفات بنسبة نمو 18.9 %.
الدين المحلي في ارتفاع
لا توجد إحصائية رسمية حديثة بآخر تطورات الدين العام المحلي، لكن حسب وزارة المالية بلغ صافي رصيد الدين المحلي نحو 4.1 تريليون جنيه في نهاية يونيو 2020، ذلك مقابل 3.7 تريليون نهاية يونيو 2019، وبزيادة بنحو 432.8 مليار جنيه.
كانت قضية الدين العام أحد أهم القضايا التي شغلت المشاركين في الحوار الوطني بحسب الدكتورة هبة واصل، المقرر المساعد للجنة الدين العام بالحوار الوطني. وتقول واصل: إن الدين العام ليس المؤشر الوحيد لقياس قوة الدولة.