نشر معهد واشنطن تحليلا حول اتساع الهوة بين واشنطن، وشركائها في الشرق الأوسط، كتبه مايكل سينج، المدير الإداري للمعهد. وهو ومختص في شؤون الشرق الأوسط.

رصد التحليل مظاهر اختلاف الأولويات الاستراتجية بين الولايات المتحدة، ودول الشرق الأوسط في ظل خلاف واشنطن مع بكين، فيما يتزامن التباعد ما بين واشنطن ودول منطقة الشرق الأوسط مع تنامي النفوذ، والطموحات الصينية في الشرق الأوسط.

يُبرز التحليل قلق واشنطن من فكرة أن شركاءها يستغلون علاقاتهم مع الصين، كوسيلة ضغط لانتزاع مكاسب، والأسوأ من ذلك، كما يشير سينج: إنهم يشاركون بكين نزعتها الاستبدادية.

ومن جهتهم، يقلق الشركاء الإقليميون (في الشرق الأوسط)، من أن تكون واشنطن شريكة غير موثوقة، بجانب أنها لا تمنح قيمة استراتيجية لعلاقاتها مع دول الشرق الأوسط.

ويناقش التقرير، كيف يمكن أن تعدل واشنطن موقفها، وما هي الأدوات الضرورية في ذلك، بما فيها إعادة النظر في سلوك الاستخبارات والمراقبة، وجمع المعلومات، مطالبا بأسلوب جديد، يستند على إعادة صياغة، وفهم التهديدات لدى دول المنطقة، ودعم وجود خبراء مختصين في شؤون الصين، وثالثا: تعزيز الحوار بين دول المنطقة، وخاصة في الخليج في مسائل التعاون التكنولوجي.

يحلل التقرير مشهد الفجوة بين الولايات المتحدة، ودول الشرق الأوسط من خلال زاويتين:

أولا: يرى شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الصين شريكا تجاريا قيما، وشريكا سياسيا حميدا، بل ومفيدا، وثقل موازن في بعض الأحيان للقوى العظمى، خاصة عندما يواجِهون مطالب أمريكية غير مناسبة لهم. وتعني هذه الاختلافات أنه للمرة الأولى منذ عقود، تختلف واشنطن، وشركاؤها الإقليميون بشكل حاد، حول ما يعتبرونه تهديداً أساسياً لأمنهم القومي.

ثانياً: يختلف الجانبان، واشنطن ودول الشرق الأوسط، في قدرتهما على فهم الصين. ففي العصر الحديث، لم يكن لبكين سوى قسط قليل من المشاركة الهادفة في المنطقة، كما وجهت الولايات المتحدة المزيد من مواردها، نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وشهدت الصين تغييراً سياسياً تاريخياً، فانتقلت من التركيز على القوة المحلية بشكل كبير إلى تبني سياسة خارجية أكثر طموحاً.

استفادة دول المنطقة من التنافس الدولي

تتشكك دول المنطقة؛ بشان التحذيرات الأمريكية المتعددة؛ بشأن التكنولوجيا والأنشطة العسكرية والمبادرات الدبلوماسية الصينية، وفي كثير من الحالات، يَنظر الشركاء العرب إلى التحذيرات بوصفها طلبات، تخدم للولايات المتحدة، ووأنها تحذيرات لا تراعي مصالحهم وأولوياتهم، بل وأحيانا تطلب واشنطن من دول المنطقة خطوات ضد مصالحهم.

ومنحت طلبات الولايات المتحدة لشركائها فرصة للحصول على أقصى قدر من الفوائد من الصين، والولايات المتحدة في إطار تنافسهما في المنطقة، كما تشير بلدان المنطقة إلى نفاق واشنطن أو معاييرها المزدوجة.

تحولات تزيد الفجوة بين واشنطن ودول المنطقة

تُعتبر محاولة سد هذه الفجوات المتعلقة بالسياسات الخارجية مهمة شاقة لواشنطن، فتوطيد العلاقات بين الشرق الأوسط وبكين، لا ينبع من اتباع واشنطن لسياسات صحيحة أو خاطئة فحسب، بل أيضاً من التحولات الهيكلية الأعمق التي من غير المرجح أن تتلاشى في المستقبل المنظور.

من بين هذه التحولات، ثلاث نقاط أساسية هي: أولا: طلب الصين المتزايد على النفط (وتراجع الغرب عن طلبه).

ثانيا: تصميم بكين على الاضطلاع بدور دبلوماسي، وأمني ​​في المنطقة، ثالثا: تراجع أهمية صراعات الشرق الأوسط في استراتيجية واشنطن للأمن القومي.

كيف ستعالج واشنطن الفجوات؟ هنا توصيات وخطوات “يضعها التحليل”في ضوء جميع هذه العوامل على الحكومة الأمريكية اتخاذها:

إعادة النظر في نموذج “مراقبة الصين”

أولاً: وقبل كل شيء، يجب على وزارة الخارجية الأمريكية إعادة النظر في نموذج “مراقبة الصين”، الذي اعتمدته مؤخراً في سفارات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والذي بموجبه يتم تعيين مسئولين ذوي تدريب متخصص للتعامل مع القضايا المتعلقة بتنافس القوى العظمى.

ويستند هذا النموذج إلى برنامج “مراقبة إيران” الذي يعود إلى أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وأصبحت المنافسة الصينية تهيمن على استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة.

يجب أن يفهم جميع الدبلوماسيين الأمريكيين في الخارج المبادئ الأساسية لسياسة الولايات المتحدة تجاه بكين، ويكون لديهم على الأقل معرفة أساسية؛ بشأن مخاوف واشنطن المتعلقة بالتجارة والتكنولوجيا والمسائل ذات الصلة -لا سيما الخطوات التي تم اتخاذها لتقييد التجارة والاستثمار الصيني. ويتم تنفيذ بعض هذا التدريب فعلاً، ولكن يجب تسريع وتيرته وتوسيع نطاقه إلى حد كبير.

تحليل المسائل المتعلقة بالصين

في هذا الخصوص يشير التحليل لأهمية إنشاء شبكة معرفة متخصصة بالصين. إذ يجب على مجتمع الاستخبارات الأمريكي إقامة شراكات مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ لتدريب نظرائهم في الشرق الأوسط- وخاصة في منطقة الخليج- على تحليل المسائل المتعلقة بالصين.

ولا ينبغي أن يركز هذا التدريب بشكل خاص على سياسة بكين في المنطقة، بل على قضايا أوسع نطاقاً مثل الانصهار المدني العسكري الصيني، والتغيرات المحلية الأخيرة، والأنشطة الإشكالية في جميع أنحاء العالم (على سبيل المثال، التجسس، والهجمات الإلكترونية، وعمليات التأثير، ونقل التكنولوجيا).

ويجب أن يكون الهدف النهائي، هو تنمية شبكة من الخبراء وتزويدهم بالأدوات والبيانات الضرورية؛ لدراسة المخاطر المتعلقة بالصين اللاحقة بمصالحهم الوطنية، مع إبقاء القنوات ذات الصلة مفتوحة، لكي يتمكنوا من اللجوء إلى نظرائهم الأمريكيين عند الحاجة.

ولجعل هذه المبادرة أقل استفزازاً لبكين، يجب أن يركز التدريب أيضاً على التحديات العالمية الأخرى مثل، روسيا وإيران.

تعزيز الحوار حول التكنولوجيا بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج

في سبتمبر 2022، أطلقت واشنطن مع اسرائيل حواراً استراتيجياً ثنائياً رفيع المستوى حول التكنولوجياـ ويشمل تفويض المجموعة المشتركة بين الوكالات، بقيادة مستشارين في الأمن القومي من البلدين، تكنولوجيا الطاقة النظيفة، والتأهب للجوائح، والذكاء الاصطناعي، وقضايا تقنية أخرى.

ومع أن الصين لم تُذكر في البيانات التي أعلنت عن الاجتماع، إلا أن مخاوف الولايات المتحدة؛ بشأن التعاون التكنولوجي الإسرائيلي مع بكين، أصبحت مصدر إزعاج كبير في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

يجب أن تدرس الولايات المتحدة إمكانية تكرار هذا النموذج مع الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية وربما قطر. فعلى الرغم من أن قطاعات التكنولوجيا في تلك البلدان ليست متطورة بقدر قطاع التكنولوجيا في إسرائيل، إلّا أن هذه البلدان الثلاثة تستثمر بكثافة في هذه القطاعات، وقد أقامت شراكات واسعة مع بكين بما يُقلق واشنطن.

وإذا أثبتت الحوارات الثنائية قابلية استمرارها ونجاحها، يجب على واشنطن دراسة إمكانية دمجها ضمن إطار عمل متعدد الأطراف.

إعادة صياغة التصورات

على الرغم من الخطوات المتتالية، فحتى أقرب شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا يرون الصين ببساطة كتهديد لمصالحهم.

ولا يعني ذلك، أنهم يثقون بشكل أعمى بنوايا بكين، بل فقط أنهم لا ينظرون إلى أفعالها كتهديد. وفي الواقع، يعتبرون رغبة الصين في أن تكون أكثر نشاطاً في الشرق الأوسط فرصة، سواء من حيث جذب التجارة والاستثمارات أو خلق ثقل موازن لاعتمادهم على الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن هذا التصور عن التهديد خاطئ للغاية. على سبيل المثال، إذا حاولت الصين الاستيلاء على تايوان بالقوة أو بأساليب أخرى، فمن المحتمل أن تؤدي الأزمة الناتجة عن ذلك إلى اضطرابات هائلة في التجارة العالمية، من شأنها إلحاق أضرار اقتصادية بالغة في منطقة الشرق الأوسط.

وحتى لو لم يتحقق هذا السيناريو الجذري، بإمكان بكين الاعتماد على تسليح نفوذها الاقتصادي في المنطقة في أي وقت لأغراض سياسية، كما حاولت بالفعل ضد أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وغيرها من الدول.

ولا يزال التعاون الصيني مع إيران يمثل إشكالية إلى حد بعيد أيضاً -على الرغم من جهود بكين لتأطيره بشكل إيجابي (على سبيل المثال، التقارب الأخير بين إيران والسعودية)، إلّا أن هذا النشاط ساعد في حماية طهران من العزلة الاقتصادية، والدبلوماسية مع تعزيز التهديد الذي تشكله على جيرانها.

يجب على المسئولين الأمريكيين التأكيد على هذه التهديدات، بدلاً من إعادة مناقشة الرسائل المتعلقة بالديمقراطية مقابل الاستبداد، أو المخاطر التي يتعرض لها النظام الدولي، والتي لا تلقى صدى لدى معظم شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فعلى غرار الصين، يرى غالبية هؤلاء الشركاء أنفسهم كقوى صاعدة، لم تُمنح نصيبها العادل من النفوذ العالمي.

وبالإضافة إلى الإشارة إلى التهديدات، على المسئولين الأمريكيين العمل مع الشركاء الإقليميين؛ بشأن المبادرات التي تجذبهم مع الاستمرار في مواجهة بكين ضمنياً.

على سبيل المثال، تمتلك السعودية والإمارات رأس مال ينافس الاستثمارات الصينية في البنية التحتية، واستخراج المعادن في العالم النامي، ويمكنهما الاستفادة من الشراكة مع الغرب في هذا الصدد. وإذا فشل الشركاء الإقليميون في ذلك، فقد ينتهي بهم الأمر في تسهيل استراتيجية بكين من خلال السعي وراء فرص مماثلة مع شركائهم الصينيين، والتي يتم تقديمها بسهولة أكبر في الوقت الحاضر.