جاءت الأحداث التي يشهدها إقليم أمهرا الإثيوبي، والمعارك الدامية بين الجيش الاتحادي، وجماعة مليشيا فانو؛ لتطرح الكثير من التساؤلات بشأن المستقبل السياسي لرئيس الحكومة الإثيوبية، آبي أحمد، بعد تكرار الأزمات العرقية.
فلم تكد إثيوبيا تهنأ باتفاق السلام الذي تم توقيعه مع قوات إقليم تيجراي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حتى انفجر الوضع في إقليم أمهرا، بعد توتر العلاقات مع مليشيا فانو التي سبق، وناصرت القوات الاتحادية بالحرب التي استمرت لعامين بمنطقة تيجراي المجاورة؛ بسبب محاولات الحكومة الاتحادية كسر شوكة المجموعات المسلحة، واندلعت احتجاجات عنيفة في أنحاء الإقليم في إبريل الماضي، بعدما أمر آبي أحمد بدمج قوات الأمن في 11 منطقة بالبلاد في صفوف الشرطة والجيش الوطني.
خطورة فانو
يدرك المسئولون في الحكومة الاتحادية خطورة ما يجري في إقليم أمهرا المضطرب منذ نوفمبر الماضي، إذ شهد الإقليم الكثير من حالات الاغتيال السياسي، لعل أهمها اغتيال رئيس”حزب الازدهار” الحاكم جيرما يتشيلا في 27 إبريل/ نيسان الماضي، وتلاه إعلان فرقة العمل الأمنية، والاستخباراتية الإثيوبية المشتركة، شروعها باتخاذ إجراءات رادعة ضد “القوى المتطرفة” التي اتهمتها “بمحاولة السيطرة على سلطة الدولة من خلال تدمير النظام الدستوري في ولاية أمهرة الإقليمية”.
حالة الخطورة تلك بدت واضحة في تصريح دمقي مكونن، نائب رئيس الوزراء، بأن “المشكلات الأمنية في مناطق مختلفة من أمهرة صارت مقلقة”، داعيا إلى الحوار من أجل؛ التوصل لسلام، بقوله عبر صفحته على فيسبوك: “نحن في لحظة تاريخية يجب فيها أن نأخذ في الاعتبار حقيقة، أنه إذا لم يكن لديك سلام فستفقد كل شيء”.
من جانبه، أقر تمسكن طرونه، المدير العام لجهاز المخابرات الوطني الإثيوبي، والذي عين للإشراف على تطبيق حالة الطوارئ، بأن مقاتلي فانو تمكنوا من الاستيلاء على بعض البلدات والمناطق.
وقال في تصريحات لهيئة البث الإثيوبية: (فانا) التابعة للدولة “قوة السطو هذه تعمل بنية الإطاحة بالحكومة المحلية بالقوة، ثم التقدم إلى النظام الاتحادي”.
ماذا بقي من تعهدات آبي أحمد؟
تعهد آبي أحمد، منذ وصوله للحكم في السابع والعشرين من مارس/آذار عام 2018، محمولا على الأعناق بجعل بلاده دولة ديمقراطية كبرى، وإطلاق خطة تنمية مدتها عشر سنوات، والتغلب على الاضطرابات السياسية الداخلية؛ لتحقيق تقدم اقتصادي، على أن تكون الديمقراطية هي أساس التنمية.
ولكن بالنظر إلى المشهد الداخلي بعد نحو 6 سنوات قضاها في الحكم نجد أن حالة التصدع العرقي، والمذهبي باتت سمة رئيسية، منذ تولي آبي أحمد مقاليد الأمور؛ فالأمر لم يقتصر فقط على الأحداث المشتعلة مؤخرا في إقليم أمهرا، ومن قبله حرب التيجراي التي راح ضحيتها نحو 600 ألف قتيل، وفق المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي للقرن الإفريقي، أولوسيجون أوباسانجو، وما ولّدته من مناخ الكراهية العرقية.
وشهدت إثيوبيا تحرك أقاليم أخرى مناهضة لسياسات آبي أحمد، وهو ما برز في الأحداث التي شهدها إقليم “الأوجادين” التي مثلت نقطة فارقة في جسد الفيدرالية الإثيوبية، حيث جاء هذا الإقليم ليطرح مسبقاً فكرة الدعوة للانفصال عن الدولة، وذلك في أغسطس 2018، بعد خمسة أشهر من قيادة آبي أحمد للحكومة، ووجِهت تلك الدعوات حينها بتدخل الجيش الإثيوبي، وإلقاء القبض على الكثيرين من قادة الإقليم، غير أن الوضع عاد لحالة التوتر والتعقيد مرة أخرى لهذا الإقليم في إبريل 2020، عقب محاولة الانقلاب التي قادها رئيس الجهاز الأمني، والاستخباراتي ضد رئيس الإقليم مصطفى محمد عمر .
وفي 2019، شهد إقليم أمهرا في الثاني والعشرين من يونيو حالة من الاضطراب السياسي، والأمني عقب محاولة انقلاب، جاءت على خلفية قيام أسامنيو تسيجي الجنرال السابق الراحل، بتشكيل جماعة مسلحة، قامت بمهاجمة مقرات حكومية في ولاية أمهرا.
وفي أكتوبر 2019، واستكمالاً لحالة تفاقم النزاعات الانفصالية المختلفة؛ جاءت حالة الاضطرابات والاحتجاجات في ولاية أوروميا على خلفية حالة التضييق الأمني، لبعض الشخصيات المعارضة داخل الإقليم وعلى رأسهم جوهر محمد.
وحتى اليوم، لم تنتهِ الحروب الأهلية الممتدة منذ ثلاثة عقود، ولم تخرج البلاد من الفقر المدقع، والأسوأ أن مؤشرات التنمية هوت إلى أدنى مستوياتها مقارنة بالوضع الذي كانت عليه لحظة وصول آبي أحمد للسلطة، حيث حققت إثيوبيا في عام 2017، طفرة كبيرة بكونها خامس أسرع الاقتصادات نموا في العالم.
اقرأ ايضا: مع “الأمهرة” ذلك أسوأ- هل تنزلق إثيوبيا نحو حرب أهلية جديدة؟.. حكومة هشة وبلد منقسم
قدم آبي أحمد نفسه، منذ وصوله للسلطة في 2018، باعتباره المُنقذ الذي سيتعين عليه مهمة إنقاذ بلاده، مما يعتبره خطراً وشيكاً، وهو المتمثل في نظام الفيدرالية العرقية، فمنذ اللحظة الأولى تبنى مقاربة أخرى للسلطة، تعتمد على المركزية الإمبراطورية، واستحضر في خطاباته بانتظام عظمة إثيوبيا، وذلك في مقابل صيغة “الفيدرالية العرقية”، التي تعمل على تقوية حكومات الأقاليم على حساب سلطة المركز في أديس أبابا، وكان ذلك بمثابة شرعية جديدة يستند عليها.
السياقات المعقدة لبيئة الحرب الأهلية، والصراعات الأيديولوجية، والانقسامات الاجتماعية الحادة، قد تكون بمثابة كلمة النهاية لطموح آبي أحمد الساعي؛ ليكون بمثابة الملك السابع، و إعادة الإمبراطورية الإثيوبية، خاصة بالنظر إلى السرديات المتعلقة بالأرض، والإقليم بين غلاة الأمهرة، والتيجراي والذي يتضح من مشاركة ميليشيات “فانو” الأمهرية في الحرب ضد التيجراي، ورفضها لاتفاق السلام الموقع في نوفمبر2022، والذي يأتي ضمن أسبابها الرئيسية في الانقلاب على الحكومة الاتحادية الآن، أضف إلى ذلك الصراع حول طبيعة العلاقة بين المركز والإقليم الذي يطرحه الأورومو.
سعى أبي أحمد لفرض رؤيته المركزية، بكل الوسائل المتاحة، فأسس حزب الازدهار عام 2019، ككيان موحد بدون تمثيل رسمي، ومؤسسي للجماعات العرقية، في محاولة لخلق كيان سياسي جديد خاضع له بالكامل، وإيجاد منظمة سياسية جديدة، تتجاوز العرقيات، فدخل في صدام لا يبدو أنه قد حسمه مع العرقيات الكبيرة مثل، الأورومو والتيجراي، والآن مع بعض مكونات إقليم أمهرة.
خفوت البريق
ختاما، فإن التفكير في مرحلة ما بعد آبي أحمد، لم يعد بمثابة رؤية غير واقعية في ظل تراجع قدرته على السيطرة على الأقاليم المناهضة لسياسة الحكومة المركزية، ودعوات الحكم الذاتي المتصاعدة ونمو فكرة الانفصال.
كذلك، يبدو أن ورقة سد النهضة التي كان يتمترس خلفها، ويستغلها داخليا للتوحد حولها، باتت تفقد بريقها أمام الممارسات التي ترفضها الأقاليم، في ظل الانخراط المتنامي للجيش في العملية السياسية.
إضافة إلى ذلك، فإن تباطؤ الاقتصاد، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وتجاوز التضخم السنوي 33%، وانخفاض نسبة النمو من 9.5% قبل حرب التيجراي إلى أقل من المستوى الذي كانت عليه البلاد قبل وصوله للحكم، وتراكم الديون الخارجية، وتغيَّر وجه البلاد إلى أسوأ مما كانت عليه قبل صعوده للحكم، أدى لتراجع النظرة التي كانت تعتبره صانع النهضة الحديثة.