يدور الجدل حول الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر بنهاية عام 2023، وتزدحم الساحة بتحركات لعدد من المرشحين المحتملين، وسط مطالب سياسية متصاعدة بضمانات إجراء هذه الانتخابات بنزاهة. وألا تكون كسابقاتها في 2014، و2018.

وهناك نقاش جارٍ حول الترشح؛ لمجرد إعطاء شكل ديكوري لها، بينما يرفض آخرون ذلك، وبين الفريقين جدل مهم حول الضمانات المطلوبة لتلك الانتخابات يمكن القول، إن نتائجها تعبر بشكل حقيقي عن رغبات المواطنين والقوى السياسية المختلفة.

وللأسف في العالم الثالث، وبلداننا العربية نادرا ما تجد انتخابات غير مشكوك في نتائجها، وبالرغم من إجراء الانتخابات بشكل دوري حسبما تنص الدساتير، ويشرف عليها جهات توصف بالاستقلالية، لكنها تأتي دائما كما يرغب القادة المؤبدون في السلطة، لا تقل أصواتهم عن 90%، ولا تحظى بأي نوع من التنافسية، وتفتقد وجود برامج سياسية مختلفة تطرح على الناخب الأصيل فيناقشها، ويتابع الحوارات الإعلامية والسياسية كجزء من عملية تثقيف، وتوعية سياسية دائمة، يستطيع في نهايتها أن يقرر لمن يعطي صوته ولمن يحجبه عنه.

ويرجع السبب في ذلك؛ لسيطرة السلطة التنفيذية على كافة الهيئات الرسمية، واللجان المكلفة بالإشراف على الانتخابات، وغالبا ما يكون القانون الحاكم للعملية الانتخابية، قد تم إعادة صياغته؛ لخدمة أحزاب الموالاة، وبالتالي تكون كافة الجهات المخولة باختيار أعضاء منها في الهيئة الوطنية للانتخابات، ولجنة الانتخابات الرئاسية من اختيار الرئيس.

وهو ما يوجب أن نضع نصا يؤكد على حظر تولي أي عضو بهذه اللجان أي منصب سياسي، إلا بعد انتهاء خدمته بـ 5 سنوات. واعادة النظر في التعديلات التي جرت على قوانين الهيئات القضائية المختلفة، فيما يتعلق بكيفية اختيار رؤساء تلك الهيئات.

الانتخابات الوحيدة التي أفلتت من هذا الإطار كانت انتخابات 2012، الرئاسية التي حظيت بأكبر نسبة مشاركة في تاريخ مصر، وتميزت بعدد من المقومات أدت لنجاحها، ويمكن اعتبارها أكثر المناسبات الانتخابية مصداقية التي حظيت بمتابعة سياسية واسعة النطاق.

وأهم هذه المقومات:

ـ أنها جرت في ظل مناخ سياسي منفتح، استطاع جميع المرشحين الـ 13 توجيه خطابهم السياسي لمختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية، وهذه الفترة حظيت بانفتاح كبير لحرية الرأي والتعبير لكافة القوى السياسية، والحزبية سواء المحسوبة على تيار الإسلام السياسي، أو قوى اليسار والتيار الليبرالي والناصري.

أولا: الحق في الترشح، ضمنت تلك الانتخابات الحق في الترشح لكافة المتنافسين، وفتح قانون الانتخابات الرئاسية رقم 174 لسنة 2005، وتعديلاته التي جرت بعد ثورة 25 يناير الباب واسعا لمختلف المرشحين من أطياف سياسية مختلفة من خلال أكثر من طريق، سواء بتأييد وتوقيعات أعضاء بمجلس النواب، (30 نائبا)، أو بجمع التوقيعات، وهي وسيلة لم تكن موجودة من قبل، حتى في انتخابات 2005، التي جرى فيها تعديل المادة 76 من دستور1971، تمهيدا لإجرائها في شكل تعددي.

واستطاع 6 مرشحين جمع توكيلات للترشح في حين اعتمد 7 مرشحين على تأييد أحزاب، ومن الممكن إضافة نص يؤكد على حق الأحزاب الممثلة في مجلس النواب، بما لا يقل عن ثلاثة أعضاء في تقديم مرشح عنها على نحو ما كانت تتضمنه المادة 3 من القانون 174، والتي أجريت وفقا لانتخابات 2012.

ثانيا: حرية الدعاية الإعلامية، حظيت تلك الانتخابات بتغطية إعلامية واسعة، سواء على مستوى الداخل المصري أو العربي والدولي، وحظيت بأول مناظرة انتخابية بين المرشحين عمرو موسى، وعبد المنعم أبو الفتوح باهتمام سياسي، وشعبي على المستويين المصري والعربي.

ثالثا: كما حظيت تلك الانتخابات برقابة وإشراف قضائي حقيقي، واستطاع المرشحون معرفة نتائجهم في كل لجنة فرعية؛ من خلال حصول مندوبيهم على صورة من نتائج اللجنة في ختام اليوم الانتخابي. كما حظيت بمتابعة حقوقية من جانب منظمات حقوق الإنسان المصرية والعربية والدولية.

وأهم الضمانات المطلوبة: سياسية، وأخرى قانونية، وثالثة قضائية، وأخيرة تتعلق بالسماح بالرقابة الدولية على الانتخابات.

تخص الضمانات السياسية، تغيير المناخ السياسي المطلوب؛ لإجراء هذه الانتخابات، وتنعكس في احترام واسع لحرية الإعلام، وحرية الرأي والتعبير، والحق في التظاهر السلمي، وحق الأحزاب في العمل السياسي بحرية، والتواصل مع المواطنين، وعقد الاجتماعات الحزبية المفتوحة والمغلقة طوال الوقت، ولا يكون ذلك مقصورا على أوقات الانتخابات السياسية.

ــ ضمانات قانونية: ينبغي أن تعكس القوانين الحاكمة للانتخابات تنفيذ نصوص الدستور، وأهمها إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وعلى وجه خاص ضمان الحق في الترشح للراغبين في طرح أنفسهم على الجمهور، ولا تضع أعباء مالية مبالغ فيها على المرشحين، أو تضع شروطا تنطبق على أشخاص بعينهم، أو استبعاد أشخاص معينين. وهو ما يجب أن يتضمنه قانون الانتخابات الرئاسية.

ـ كما يجب أن تعكس تلك الضمانات استقلالية الهيئات ذات العلاقة بالانتخابات، ومنها الهيئة الوطنية للانتخابات، ولجنة الانتخابات الرئاسية، والشهر العقاري، وجهات الأمن، مما يساعدها على تأدية مهامها القانونية في الإدارة الانتخابية.

وضرورة التأكيد على مصلحة الشهر العقاري في حق المواطنين في إصدار توكيلات للمرشحين، دون مبالغة في الرسوم المالية أو الإجراءات الرسمية، ويجب أن تكون تلك العملية كافية زمنيا، ويمكن أن تسبق إجراءات الدعوة للترشح على نحو ما يحدث في الانتخابات الأمريكية، حيث يطرح المرشحون في الحزبين الجمهوري والديمقراطي أنفسهم على الناخبين، أو مندوبي الناخبين في الولايات المختلفة؛ لضمان الحصول على أعلى نسبة للترشح داخل الحزبين.

ومن الممكن التفكير في أن تكون عملية جمع التوكيلات، أو زيارة المرشحين للمحافظات، وجذب تأييدهم، سابقة للإجراءات القانونية، فهي جزء من التمهيد للترشح، وهي تسهم في عملية التوعية السياسية والانتخابية، وتؤكد على قيم الديمقراطية وأهمها التعددية، والمنافسة.

ـ من المهم التفكير أيضا في تعديل قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، بحيث تحقق استقلالا حقيقيا، وهو ما يتطلب إعادة النظر في تعديل طريقة اختيار أعضائها، وضمانات استقلاليتها، بحيث يتم اختيارهم وفقا لأقدميات العمل، والنزاهة، وأن تبتعد السلطة التنفيذية عن أي دور في هذه العملية.

ـ نحتاج أيضا، لإعادة حق المرشحين في الحصول على أوراق التصويت في اللجان الفرعية، وحقهم في توكيل مندوبين عنهم، سواء مسجلين باللجنة أو خارجها، ويمكن تسهيل إجراءات التوكيل، بأن يتم ختمه بختم موثق للمرشح، أو تسهيل الحصول على ختم الشهر العقاري على هذه التوكيلات. على نحو ما نصت عليه المادة 38 من القانون 174لسنة 2005.

وإعادة النظر كذلك في تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية، وعدم القابلية للطعن عليها، المنصوص عليها في المادة 7 من القانون 22 لسنة 2014، خاصة تلك القرارات المتعلقة بقبول الترشح من عدمه، ويمكن الإبقاء على هذا المبدأ فيما يتعلق بإعلان النتيجة النهائية. وإعادة النظر في نص المادة 27 التي تشير إلى جواز تولي العضو التابع لهيئة القضائية رئاسة أكثر من لجنة فرعية، على أن يضمها جميعا، ودون فواصل، مقر واحد يتيح لرئيسها الإشراف الفعلي عليها.

ـ ضمانات حقوقية: وتتعلق هذه الضمانات برقابة منظمات حقوق الإنسان من الداخل، وهو ما يتطلب تسهيل مهام هذه المنظمات، والموافقة على رقابتها أيا كان شكلها القانوني، وعدم وضع تعقيدات إدارية وقانونية، خاصة أمام المنظمات المستقلة منها، وأن تؤكد اللجنة انتخابات الرئاسة في قراراتها على ضرورة حضور مراقب حقوقي في كل لجنة، بمجرد إبراز الكارنيه الصادر من اللجنة، أو شهادة رسمية من المنظمة التي يعمل بها.

والشق الثاني: يتصل برقابة منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، والتي يجب السماح لها بمراقبة الانتخابات، وزيارة مصر قبل الانتخابات ببعثات ميدانية؛ لبحث تأثير القوانين ذات العلاقة بالانتخابات الرئاسية والحريات السياسية.

في هذا السياق، قدمت الحركة المدنية عددا من هذه الضمانات المطلوبة، ركزت على عدد من المطالب وأهمها: التركيز على حرية الدعاية الانتخابية، وحرية وسائل الإعلام، حياد مؤسسات الدولة، ووقوفها على مسافة واحدة من كافة المرشحين طوال العملية الانتخابية، واستقلال ونزاهة وشفافية الهيئة المشرفة، والمديرة للعملية الانتخابية، وإتمام الفرز، وإعلان النتائج في اللجان الفرعية، وفي وجود مندوبين عن المرشحين، والحصول على نسخ من نتائج التصويت.

ونظن أن هذه الضمانات مهمة للغاية، وبعضها لا يتطلب سوى إصدار تعليمات للجهات الرسمية بالتأكيد على الحياد، وإصدار التوكيلات الخاصة بالمواطنين، ومندوبي ووكلاء المرشحين بحرية، ودون تمييز ودون وضع اجراءات لعرقلة المرشحين المستقلين. وبعضها يتطلب تغيير التوجهات السياسية المتعلقة بحرية الإعلام في التغطية لكافة وقائع المعركة الانتخابية، ووقف حجب المواقع الإعلامية الخاصة والمستقلة. وهو ما يمكن أن تلعب فيه نقابة الصحفيين دورا مهما.