خلال عقود سابقة التعاون بين إسرائيل ودول الخليج كان من الصعب تخيله، ولكن اليوم شهدت الساحة الإقليمية تحولات أمنية جعلت هذا التعاون ممكنا. اليوم يربط دول الخليج وإسرائيل علاقات وثيقة في عدة مجالات وفي مقدمتها العلاقات الأمنية. العلاقات الخليجية الاسرائلية لا تزال يختلف شكلها بين دولة وأخرى حيث إن بعضها تم تثبيته باتفاقات إبراهام وبعضها لم تصل لتلك المرحلة الرسمية بعد. ولكن في كل الاحوال، في ظل التغيرات البارزة التي شهدها الشرق الاوسط ومنطقة الخليج في العقد الأخير، التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والخليج يلعب دورا أساسيا في رسم الملامح الجديدة للتوازنات الأمنية في الإقليم.

توافق الرؤى في وضع مضطرب

في اعقاب عام 2011، جمع إسرائيل ودول الخليج مخاوف مشتركة من الوضع الامني الإقليمي عقب الربيع  العربي. يلاحظ كريستيان كوتس أولريكسن أن كلا من إسرائيل ودول الخليج خاصة الإمارات والسعودية يرون الوجود الإيراني كتهديد على امن واستقرار المنطقة خاصا مع تصاعد خطر إيران عقب 2011. كما أن إسرائيل ودول الخليج وجدا في صعود جماعة الإخوان المسلمين والاسلامين خطرا على الاستقرار الداخلي لبلدان المنطقة. بالإضافة إلى إن إسرائيل ودول الخليج يتشاركون القلق حول ما يرونه تراجع واشنطون من الالتزام بدورها قي ضمان أمن المنطقة. تراجع واشنطون الامني يعد عاملا رئيسيا وراء التقارب بين دول الخليج وإسرائيل. يرى عمر رحمان أن دول الخليج تأمل أن التقرب من إسرائيل سيؤدي إلى عودة الوجود الامريكي في المنطقة مجددا. حيث ان الولايات المتحدة يربطها بإسرائيل التزام وثيق بحماية الامن الإسرائيلي، فتعتقد دول الخليج ان تقارب العلاقات مع إسرائيل سيؤدي إلى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة كما هو الحال في النموذج المصري عقب اتفاق كامب دافيد.

بالإضافة إلى تلك العوامل، يجادلان جوناثان فرزيجر وجودت بهجت بأن التقارب الإسرائيلي الخليجي يرجع أيضا لعدة عوامل أرى منها عدم ثقة السعودية والامارات بتركيا بسبب دعم انقرة لقطر وجماعة الإخوان، مما تراه دول الخليج كمصدر لعدم الاستقرار في المنطقة، كما أن نتنياهو لا تربطه علاقات جيدة باردوغان لأن أردوغان يصور نفسه كحامي للقضية الفلسطينية. بالإضافة أن القضية الفلسطينية لم تعد من اولويات دول الخليج بسبب شعورهم بمشقة الاستثمار في مسالة فلسطين بسبب طول الصراع والخلافات العميقة بين القطاعات الفلسطينية التي لم تؤدي لنتائج ملموسة. وأخيرا ما جعل إسرائيل جذابه في نظر الخليج هو قوتها العسكرية وقدراتها التجنولوجية المتطورة وقوتها النووية.

وهذا التحالف الأمني بين إسرائيل ودول الخليج هو نتيجة متوقعة للتغيرات الإقليمية بدأ من التحول المفاجئ في الدور الامريكي في المنطقة إلى ازدياد الأخطار الإقليمية وخاصة إيران. العلاقات بين الخليج وإسرائيل بدأت في التطور تدريجيا حتى وصلت إلى ذروتها بتوقيع إسرائيل اتفاقات إبراهام في 2020 و2021 مع الإمارات والبحرين.

من الأمن التقليدي للأمن السبراني

سرعان ما ترجمت اتفاقات إبراهام والرؤى الأمنية المشتركة بين الخليج وإسرائيل إلى خطوات على ارض الواقع. عقب هجوم الحوثين على الامارات، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إسرائيل مستعدة لتقديم الدعم الاستخباراتي والامني لمنع حدوث مثل تلك الهجمات مجددا. بالفعل استخدام دول الخليج التجنولوجيا الإسرائيلية اصبح أمرا واقعا. أظهرت صور الأقمار الصناعية في سبتمبر العام الماضي بأن الامارات  تستخدم رادارات إسرائيلية تعمل على الحماية من القذائف والطائرات. كما طورت شركات إسرائيلية وإماراتية بشكل مشترك سفينة عسكرية بدون قبطان مجهزة بأدوات استشعار وأجهزة مراقبة متطورة بهدف تأمين السواحل وردع الاخطار البحرية في منطقة الخليج.

التعاون الأمني بين دول الخليج وإسرائيل امتد أيضا إلى المجال الرقمي والتجنولوجي. الدافع وراء الاهتمام المشترك في الأمن السبراني والتكنولوجي يرجع للتطور التكنولوجي والسبراني للأطراف الإقليمية التي تراها إسرائيل والخليج كخطر على استقرار المنطقة. يقول محمد سليمان بأن الحافز وراء التعاون السبراني والتكنولوجي بين الدول الخليج وإسرائيل هو قدرات تركيا وإيران حيث إن تركيا طورت طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة اثبتت اهميتها في معارك في ليبيا وسوريا وأزربجان والعراق. بالإضافة الى أن إيران طورت اسلحة سيبرانية خطيرة مثل فيروس شمعون الذي استخدمته للهجوم على ارامكو في 2021. في وجه تلك الاخطار تلفتت دول الخليج لاهمية إسرائيل التجنولوجية والسبرانية. ولذلك تعاونا، إسرائيل والإمارات، في مشاركة الاستخبارات السبرانية، وتطوير نظام مضاد للطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى إنشاء صندوق استثماري في المجالات التجنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكشين والطاقة.

كما أن ممثلين من إسرائيل والبحرين والإمارات والمغرب عقدوا اجتماعات في 2022 للتباحث حول إنشاء منصة مشتركة للأمن السبراني لمواجهة الهجمات الإيرانية. تم أيضا ابرام اتفاق بين شركة Cyberint الإسرائيلية المتخصصة بتكنولوجيا الحماية من التهديدات الرقيمة وشركة اتصالات الاماراتية لحماية البنية التحتية للشركة الاماراتية من الهجمات الرقمية. ولقد أعلن رئيس مجلس الأمن السيبراني لحكومة الإمارات محمد الكويتي في مؤتمر الأسبوع السبراني بتل ابيب بأن إسرائيل ساعدت الامارات بردع هجوم سبراني خطير واعرب عن فضل اتفاقات ابراهام في تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الأمن السبراني.

إسرائيل والسعودية: علاقة أمنية شبه سرية

على الرغم من غياب العلاقات الرسمية بين الرياض وتل ابيب ولكن هناك تعاون أمني اتسم بنوع من السرية. لقد قابل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت نظيره السعودي فياض بن حامد الرويلي في 2018. كما أكد وزير الطاقة الإسرائيلي في 2017 بأن هناك لقاءات سرية مع الرياض حول إيران. أما في 2022 عقدت الولايات المتحدة اجتماع في شرم الشيخ مع مسئولين عسكريين رفيعين بين عدة دول في المنطقة من بينهم إسرائيل والسعودية. بالإضافة إلى شراء السعودية البرنامج الإسرائيلي بيجاسوس الذي استخدمته لتعقب المعارضين. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت لإسرائيل حول بيع أدوات تجسس للسعودية، استمرت الحكومة الإسرائيلية بالسماح لشركات تجسس سيبرانية إسرائيلية بالعمل مع الرياض.

طالما أرادت إسرائيل تطبيع العلاقات مع السعودية بشكل رسمي، حيث إن إسرائيل ترى أن السلام مع الرياض سينهي القطيعة مع العالم الإسلامي نظرا لمكانة السعودية الدينية. لقد شدد نتنياهو مرات عديدة على أهمية السلام مع السعودية. في إحدى الحوارات اعتبر أن السلام مع السعودية سيمثل قفزة نحو إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي. لقد حث نتنياهو أيضا الولايات المتحدة على الحفاظ على التزاماتها الأمنية تجاه الرياض. هناك تقارير ظهرت في الآونة الأخيرة توضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل عازمين على إبرام اتفاق للتطبيع. لقد أشار  تقرير لوال ستريت جورنال إلى وجود مناقشات بين الولايات المتحدة والسعودية للتوصل لشروط لإبرام اتفاق للتطبيع مع إسرائيل. على الرغم من أن البيت الابيض نفى التوصل لأي اتفاق، ولكن ظهرت تقارير تشير إلى أن البيت الابيض يعقد اجتماعات حاليا مع أعضاء ديمقراطيين مؤثرين في مجلس الشيوخ لحشد التأييد لصفقة تطبيع محتملة.

ليس من الواضح بعد متى سيتم التوصل لاتفاق بين الرياض وتل ابيب لتتطبيع العلاقات بينهم. ولكن غياب العلاقات الرسمية بين تل أبيب والرياض لم يمنع البلدان من بناء علاقات أمنية وثيقة لردع الأخطار المشتركة. ولكن إن توصل البلدان لاتفاق بمساعدة الولايات المتحدة فقد يؤدي إلى تعزيز التعاون الامني بشكل أكبر كما هو الحال في التعاون الامني بين إسرائيل والإمارات الذي وصل لمرحلة غير مسبوقة عقب اتفاقات إبراهام.

يجب الالتفات أيضا إلى أن هناك خطة اكبر تسعى لها إسرائيل والولايات المتحدة لتامين المنطقة ودول الخليج جزءا اساسيا منها. حيث إن إسرائيل والولايات لمتحدة يهدفان أن يتم إبرام اتفاق دفاعي مشترك بين إسرائيل والسعودية والإمارات والعراق ومصر وقطر والبحرين والكويت والاردن. هذا الاتفاق سيتضمن بناء نظام دفاعي مشترك بين تلك البلاد مكون من رادارات ومستشعرات، بمساعدة التكنولوجيا الإسرائيلية والقواعد العسكرية الامريكية. الهدف الأساسي لهذا النظام الدفاعي الإقليمي هو ردع الهجمات الإيرانية.

 محاور أمنية جديدة

التطورات الحالية التي تشهدها علاقات الخليج بإسرائيل تنبئ بأن التحالف الأمني بينهم أقوى من أي وقت سبق. الرؤى الأمنية المشتركة شكلت رابطا قويا بين إسرائيل ودول الخليج. إن كانت دول الخليج في السابق تتحفظ على إعلان تعاونها مع إسرائيل فاليوم العلاقات أصبحت في العلن بدرجات مختلفة. الوقت سيحدد إن كانت السعودية ستنضم لدول اتفاقات إبراهام وتطبع هي الأخرى علاقتها بشكل رسمي مع إسرائيل. ولكن الأمر الأكيد أن التعاون الأمني بين إسرائيل و دول الخليج سيتطور ويزداد صلابة مع الوقت. المعمار الأمني القديم للمنطقة بدأ بالتآكل خاصة مع تراجع التدخلات العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط. في ظل هذا الفراغ الذي تركته واشنطن، التحالف الإقليمي بين إسرائيل والسعودية والإمارات أصبح محورا أساسيا في الترتيبات الأمنية الجديدة في الشرق الأوسط.