رغم تعدد المحاولات الرامية للمصالحة الداخلية الفلسطينية من أجل الوصول  لصيغة تحقق الوحدة بين المكونات والفصائل الفلسطينية، إلا أن كافة تلك المحاولات لم تكلل  بالنجاح لإنهاء حالة الانقسام التي تخيم على المشهد الفلسطيني، ما يطرح الكثير من التساؤلات بشأن أسباب الفشل، خاصة في الوقت الذي يسيطر فيه الغموض على مستقبل القيادة الفلسطينية، التي ستحل محل الرئيس محمود عباس البالغ من العمر 88 عاما والذي يعاني وضعا صحيا غير مستقر .

وفي ظل هذا المشهد المرتبك ، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه خلال السنوات الأخيرة محليا وإقليميا ودوليا، هو مدى إمكانية التوافق حول شخصية فلسطينية جامعة حال غياب أبومازن من المشهد، بالشكل الذي يمهد للخروج من النفق المظلم، ويمكن معه توحيد الجهود العربية، من أجل تشجيع الوصول لحل عادل للقضية الفلسطينية، خاصة في ظل الحديث عن إمكانية تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، وهي الخطوة التي ستكون بمثابة تطور نوعي خطير حال عدم الاستقرار على رؤية عربية موحدة بشأن مصير القضية الفلسطينية.

وكان آخر محاولات إصلاح المشهد الفلسطيني الداخلي، الاجتماع الذي احتضنته مدينة العلمين الجديدة برعاية مصرية في الثلاثين من يونيو الماضي، بمشاركة رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إلى جانب قادة 9 فصائل فلسطينية أخرى.

انتهى الاجتماع، ببيان حمل الكثير من الأمنيات والعبارات الفضفاضة دون تحقيق اختراق حقيقي، لينضم إلى سلسلة طويلة من الاجتماعات السابقة التي احتضنتها القاهرة والجزائر وأنقرة والرياض والدوحة، إذ خرج رئيس مكتب العلاقات الدولية في حركة حماس، موسى أبو مرزوق، ليؤكد في تصريحات تلفزيونية أن اجتماع الفصائل في العلمين لم يحقق مبتغى الشعب الفلسطيني.

بمحازاة محاولات الوحدة الفاشلة، تقود فدوى البرغوثي، زوجة القيادي في حركة “فتح” مروان البرغوثي الذي بات كثيرون يطلقون عليه ” نيلسون مانديلا فلسطين”، والمعتقل في السجون الإسرائيلية، جهودا واسعة مع جهات عربية ودولية ،من أجل إطلاق سراح زوجها، وسط طرح اسمه باعتباره البديل الأنسب لرئاسة السلطة الفلسطينية خلفا لمحمود عباس، إذ يحظى اسمه بدرجة كبيرة من الإجماع الداخلي على المستويين الشعبي والفصائلي، وفق ما أظهرته عدد من استطلاعات الرأي ، بما يجعل من التوافق حوله نواة لحل جذري للانقسام الداخلي.

ووفقا لتقارير دولية عقدت فدوى البرغوثي في الأشهر القليلة الأخيرة اجتماعات مختلفة مع كبار المسؤولين في الدول العربية ودبلوماسيين من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، طلبت منهم خلالها الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح زوجها من السجون الإسرائيلية.

استطلاعات رأي كاشفة

ويظهر اسم البرغوثي دائمًا عند كل حديث عن خلافة أبومازن، وكان بنفسه أعلن في عدة مناسبات أنه ينوي الترشح لمنصب رئاسة السلطة الفلسطينية.

ويحظى مروان البرغوثي بشعبية خاصة بين جيل الشباب والجيل الأوسط من الفلسطينيين ،وهو الأمر الذي أظهرته مجموعة من استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان مقررا عقدها في  مايو ويوليو 2021 ، قبل أن يصدر أبومازن قرارا بإلغائها بعد رفض إسرائيل إجرائها في القدس.

وفي إبريل من العام 2021 كشف استطلاع للرأي أن النسبة الأكبر من الفلسطينيين سيصوتون في الانتخابات الرئاسية المقبلة لمروان البرغوثي، على حساب محمود عباس.

وبحسب نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز القدس للإعلام والاتصال بالتعاون مع مؤسسة “فريديريش إيبرت” الألمانية ، سيحصل مروان البرغوثي على 33.5% من الأصوات، مقابل 24.5% لعباس، فيما اختار 10.5% فقط رئيس حركة “حماس” ، إسماعيل هنية حال قرر الترشح.

نتائج مقاربة أيضا توصل إليها استطلاع آخر للرأي في التوقيت نفسه أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، إذ أكد خليل الشقاقي مدير المركز وقتها أن “مروان البرغوثي أكثر شخصية لديها شعبية لدى الجمهور الفلسطيني، وأنه لن يستطيع أي واحد الاقتراب من نسبته”، مشيراً إلى أنه “سيفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة إذا ترشح لها بأغلبية كبيرة، إلا إذا تحالفت حركتا فتح وحماس ضده”.

وتتعامل إسرائيل بقلق بالغ مع ملف البرغوثي والجهود الرامية لإطلاق سراحه، إذ تشير التقديرات، كما أسلفنا، أنه الأوفر حظا لخلافة أبو مازن، وهو ما قد يسبب لها متاعب كثيرة. وفي هذا السياق يقول المُستشرِق الإسرائيليّ يوني بن مناحيم الذي شغل رتبة ضابطٍ رفيعٍ في جهاز الأمن العام (الشاباك)، وخدم فترةً طويلةً في الضفّة الغربيّة في تحليلٍ نشره على موقع (نيوز وان) الإخباريّ-العبريّ في يناير عام 2022 ، إن مروان البرغوثي الذي يلقب بنيلسون مانديلا فلسطين هو الأوفر حظا لخلافة أبومازن ،نظرا لما يتمتع به من شعبية كبيرة في الأوساط الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة .

وعربيا يرى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن مروان البرغوثي بات رمزا للنضال الفلسطيني، إذ أكد خلال لقاء سابق له مع فدوى البرغوثي بمقر الجامعة في القاهرة  أنه”رمز للوحدة الوطنية الفلسطينية، والحرية في العالم”.

ويقضي البرغوثي حكمًا بالسجن 5 مؤبدات و40 عامًا أخرى بزعم إسرائيلي عن مسئوليته عن سلسلة هجمات ضد إسرائيليين خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت نهاية عام 2000، حيث كان اعتقل عام 2002 خلال عملية “السور الواقي”، وزعمت السلطات الإسرائيلية مسئوليته عن قتل 4 مستوطنين، ولكنه قال خلال المحكمة أنه لا يعترف بالقانون الإسرائيلي وأنه يعتبر نفسه مناضلًا من أجل حرية الشعب الفلسطيني.

ماذا عن موقف حماس وداعميها الإقليميين؟

في العاشر من يونيو 2021 التقت فدوى البرغوثي برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في القاهرة، وخلال اللقاء أكد هنية على “الالتزام الوطني العام والالتزام الخاص من حماس وجهازها العسكري بأن موضوع تحرير الأسرى وقادة النضال الوطني على رأس أولويات الحركة وفي صلب المواجهة مع العدو كي يصل شعبنا ومقاومته إلى صفقة تطلق أسرانا من سجون الاحتلال”.

عقب اللقاء أكدت تقارير بعضها على لسان مصادر من حركة حماس بأن الحركة ضمّنت اسم البرغوثي إلى جانب أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ضمن قائمة الأسرى الذين تشترط إطلاق سراحهم من سجون الاحتلال خلال أية عملية تبادل للأسرى مع الحكومة الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح 4 أسرى إسرائيليين لديها.

الحديث عن إمكانية دعم حماس للبرغوثي كرمز ومناضل وطني، ربما يأتي من قناعة لدى الحركة بصعوبة تقديمها منافسا على رئاسة السلطة الفلسطينية من بين صفوفها وتصدر المشهد، خاصة في أعقاب التجارب غير الإيجابية لحركات تيار الإسلام السياسي في الحكم، والصورة الذهنية السلبية لتلك التجارب في أعقاب ثورات الربيع العربي، وهو ما يجعل الحركة أكثر ميلا للدخول في تحالفات ووقتها سيكون البرغوثي صاحب الحظ الأوفر في الحصول على دعم حماس ومن ثم داعميها الإقليميين.

دحلان والإمارات

لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لرئيس التيار الاصلاحي لحركة فتح محمد دحلان، والذي بات تياره يمثل رقما مهما في المعادلة السياسية الداخلية، فبالرغم من عدم نفيه رغبته الترشح لخلافة أبومازن، إلا أنه كرر في أكثر من مناسبة تأكيده على استعداده لدعم ترشيح مروان البرغوثي شريطة أن يعلن الأخير عن قراره بهذا الخصوص.

حصول مروان البرغوثي على دعم دحلان المفصول من كافة مناصبه القيادية بحركة فتح، والذي بات ينسق مع حركة حماس في قطاع غزة، يعني قبول الإمارات التي تعد بمثابة الراعي الرسمي لدحلان.

ختاما يمكن القول أنه من الممكن الرهان على مروان البرغوثي برصيده النضالي وما يتمتع به من قبول لدى الأوساط الداخلية والمحاور الإقليمية، كحل محتمل لأزمة الانقسام الفلسطيني، وتلبية ما تحتاجه القضية الفلسطينية من إجماع داخلي، يسهم في إبطال حجة الإسرائيليين لتعطيل مسارات الحوار بشأن قضايا تسكين الصراع أو حله، بزعم عدم وجود قيادة موحدة يمكن الحديث معها.