نشر موقع Theconversation ورقة بحثية حول الحكم العسكري، والانقلابات في إفريقيا، يناقش الباحث كارلوس جارسيا ريفيرو، وهو أستاذ مشارك بقسم العلوم السياسية جامعة فالنسيا، بإسبانيا؛ أسباب دعم الحكم العسكري في إفريقيا.
وتقدم الورقة، سردا تاريخيا لبداية الانقلابات العسكرية داخل إفريقيا، بداية من 13 يناير 1963، حيث قُتل رئيس توجو، سيلفانوس أوليمبيو، بالرصاص على يد المتمردين في أول انقلاب عسكري، تم تنظيمه في القارة، لتكر سلسلة قائمة طويلة من الانقلابات، منذ الستينيات، وحتى نهاية الألفية، فكان هناك في المتوسط أربعة انقلابات سنويًا في القارة.
بحلول نهاية التسعينيات، بدا أن هذه الظاهرة قد تلاشت، لكن منذ أغسطس 2020، تعرضت ست دول إفريقية لسبعة انقلابات أو محاولات انقلاب،
أولاً: جاءت مالي في أغسطس 2020. واستغل الجيش الاضطرابات الاجتماعية، وانعدام الأمن الناجم عن أنشطة عنيفة، مارسها المتطرفون، وشهدت مالي محاولتي انقلاب خلال تسعة أشهر.
وفي إبريل 2021، اتبعت تشاد نفس المسار وفي مارس 2021، وقعت محاولة انقلاب في النيجر، بينما في سبتمبر 2021، جاء دور غينيا. وبعد شهر، كان انقلاب السودان، ثم بوركينا فاسو.
مؤخرا، وقع انقلاب في النيجر، أطاح بالرئيس محمد بازوم، وبعد يومين أعلن الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه حاكماً للبلاد، إجمالا كان هناك أكثر من 100مليون شخص، يحكمهم الجيش بعد الاستيلاء على السلطة بعنف، كلهم في منطقة الساحل.
أشار الباحثون والمحللون والصحفيون إلى سوء الإدارة، وعدم الكفاءة والفساد والأزمة الاقتصادية، وضعف الدولة، باعتبارها العوامل الرئيسية التي تدفع إلى وقوع الانقلابات العسكرية في جميع أنحاء العالم، وبطبيعة الحال في إفريقيا.
ويشكل ضعف الدولة أحد عوامل الأحداث الأخيرة جزئيا، تحدث الانقلابات؛ بسبب فشل الحكومات في وقف انتشار الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل.
الدعم الشعبي
هناك سمتان متشابكتان تميزان إفريقيا عن بقية العالم، الأول: هو الدعم الشعبي من جانب العديد من المواطنين في الشوارع في حالة حدوث انقلاب. والآخر: هو دعم المجتمع المتزايد للحكم العسكري كشكل من أشكال الحكم، وقد تزايد الدعم الشعبي للحكم العسكري في السنوات العشرين الماضية.
فحص البحث، ما إذا كان دعم الحكم غير الديمقراطي يرجع بشكل رئيسي إلى ضعف الأداء المؤسسي والاقتصادي، أم إلى ما يسمى بالشخصية والثقافة الاستبدادية الموجودة في المنطقة، حيث يشير هذا النوع إلى القيم الموجودة في مجتمعات معينة، والتي تجعلها أكثر عرضة لتبني أشكال الحكم الاستبدادية.
وهذا التمييز مهم، لأنه إذا كان السبب وراء دعم الحكم العسكري ثقافي، فإن المجتمعات ستستمر في تأييد الأنظمة الاستبدادية.
وإذا كان السبب هو الأداء المؤسسي، فما دام أداء الحكومات الحالية يتسم بالكفاءة على المستويين السياسي والاقتصادي، فإن الدعم الديمقراطي سوف يتغلب على الدعم الاستبدادي.
أجرى كارلوس تحليلاً كميًا باستخدام بيانات مسح “أفروباروميتر” التي تم جمعها من 37 دولة إفريقية، تشمل شمال إفريقيا، ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وبحث التحليل عن العوامل الأساسية التي أدت إلى ارتفاع الدعم للحكم العسكري.
ذلك بسؤال المشاركين عن مدى دعمهم للحكم العسكري بجانب الأسئلة التفسيرية مثل، تصور الفساد، وأداء الأحزاب الحاكمة والمعارضة، وتقييم الاقتصاد، والقضايا الاجتماعية، والديموجرافية “السكانية” مثل، مستوى تعليمهم.
أسباب التأييد
تشير البيانات إلى، أنه منذ عام 2000 وحتى الوقت الحاضر، تضاعف مستوى الدعم للحكم العسكري كشكل من أشكال الحكم، من 11.6% إلى 22.3% من الأشخاص الذين يؤيدون الحكم العسكري “كثيرًا” أو “كثيرًا جدا”.
ومن بين 37 دولة تم تحليلها، كان هناك 11دولة يتراجع فيها دعم الدكتاتورية العسكرية، وتظهر أحدث بيانات مقياس الأفروباروميتر، أن دعم الديمقراطية قد انخفض في العام الماضي، فمن بين 38 دولة، أظهرت 34 دولة دعماً أعلى للحكم العسكري مقارنة بعام 2000.
وفقا لمؤشر فريدوم هاوس كان الدعم الشعبي للحكم العسكري أعلى في البلدان التي ليس لديها “حريات مدنية وسياسية” تماماً، أو متوفرة بشكل جزئي عن البلدان “الحرة”.
ولكن كانت هناك بعض الاستثناءات في جنوب إفريقيا، وهي دولة تجرى فيها انتخابات دستورية وديمقراطية منتظمة، تحظى بتأييد واحد من كل ثلاثة مواطنين في جنوب إفريقيا للحكم العسكري كشكل من أشكال الحكم.
وفي ناميبيا الديمقراطية، أظهر مستوى الدعم|، أن واحداً من كل أربعة ناميبيين يؤيد الحكم العسكري.
ثلاثة استنتاجات:
- في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، تعتمد شرعية الحكم العسكري في الأساس على الأداء المؤسسي والإدارة الاقتصادية، وقد أضعفتها المنظمات الجهادية التي توسعت بسرعة في جميع أنحاء المنطقة، أمام عجز مؤسسات الدولة عن مقاومة هذا التوسع بالمنطقة.
- وفي شمال إفريقيا، تلعب الشخصية الاستبدادية دورًا أكبر في دعم الحكم العسكري، بجانب ضعف الأداء المؤسسي.
- ويعد التعليم هو الترياق ضد الاستبداد، وبحسب بيانات المسح، ظهر أن الذين لديهم مستوى تعليمي أعلى يظهرون مستوى أعلى من التأييد للديمقراطية.
وتشير نتائج الدراسة إلى، أن الناس في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا ساخطون على حكوماتهم؛ لأسباب عديدة، بما في ذلك التهديدات الأمنية، والكوارث الإنسانية، وانعدام الرؤية السياسية والاقتصادية.
ولا يبدو لهم، أن انتظار الانتخابات المقبلة لتغيير الحكومة هو خيار جيد، كما لا يبدو، أن أحزاب المعارضة تتمتع بصورة قوية لدى المشاركين في الاستطلاع، ويبدو أن الحل هو الترحيب بتدخل الجيش.
وإذا أدرك المواطنون أن الساسة لا يهتمون بهم، فإن هذا من شأنه أن يدعو المؤسسة العسكرية إلى الاستمرار في الإطاحة بالحكومات المدنية، مع إضفاء الشرعية العلنية على تدخلها في السياسة.
وإذا لم يتم التوصل إلى حلول عسكرية وسياسية واقتصادية، فسوف تكثر الانقلابات العسكرية في المنطقة، وسيظل الناس يتجمعون في الشوارع للترحيب بها. وقد لا يكون الانقلاب الأخير في النيجر هو الانقلاب الأخير.