نشرت المجلة الأمريكية المختصة بالشؤون الدولية Foreign Affairs تحليلا حول دور الولايات المتحدة في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، تضمن التحليل مخاوف الولايات المتحدة المستجدة من غياب التأثير في الشرق الأوسط، وبروز نفوذ الصين، وحمل التحليل مطالب السعودية؛ لعقد صفقة تطبيع مرتقبة مع اسرائيل.
يوضح التقرير الذي كتبه دانييل كيرتزر وهو سفير أمريكي سابق في مصر وإسرائيل، وآرون ميلر وهو من كبار الباحثين في مؤسسة كارنيجي، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تأمل في اندفاعة دبلوماسية كبيرة، تساهم بجانب إحياء عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في التقارب بين صديقين للولايات المتحدة، إسرائيل والسعودية، وتطبيع علاقتهما.
ألمح الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أواخر يوليو الماضي إلى أن تقاربًا إسرائيليًا سعوديًا قد يكون في الطريق، وقام مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان بزيارة السعودية مرتين في الشهر الماضي.
كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، الأسبوع الماضي، أن واشنطن والرياض اتفقتا على الخطوط العريضة؛ لاتفاق التطبيع على الرغم من وجود عقبات رئيسية أمام مثل هذا الاتفاق.
من النادر في سجلات صنع السلام في الشرق الأوسط، أن تسعى ثلاث حكومات؛ لتحقيق نفس الهدف علانية. فظاهرياً، تبدو صفقة التطبيع الإسرائيلية السعودية ستكون إنجازاً هاماً، لكن شركاء واشنطن ينظرون للنظام السعودي، بأنه يعمل بشكل متزايد على تحقيق أهداف متعارضة مع الولايات المتحدة.
ويندرج ضمن هذا السياق أيضا، وجود تحالف الحكم الإسرائيلي المشكل من أكثر الأحزاب اليمينية المتطرفة، إذ يرى التحليل أن ما يتسم به من تصلب وتشدد، من شأنه، أن يعوق أي اتفاقية تطبيع يتم التوصل إليها من لعب دو في تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة.
تغير الواقع اليوم عن عقدي الثمانينيات والتسعينيات، كانت اتفاقية التطبيع الإسرائيلية السعودية حينها تستحق أي ثمن، لكن في عهد دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق، تم كسر الجليد بين إسرائيل ودول الخليج، كما أضافت اتفاقيات إبراهيم السمة الرسمية على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبحرين والإمارات، وقد أثار توقيع هذه الاتفاقيات ترقبًا لصفقة أكثر أهمية مع السعوديين.
والجدير بالذكر، أن الرياض تحافظ على علاقات مع اسرائيل منها العلاقات الاستخباراتية، والأمنية بشكل غير معلن، كما يتعاون البلدان بطرق محدودة أخرى، تسمح السعودية لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق عبر مجالها الجوي في طريقها إلى آسيا، كما وقعت إسرائيل على صفقة، أعادت بموجبها مصر جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية، بجانب ذلك ربما يُسمح للحجاج المسلمين من إسرائيل بالقيام برحلات مباشرة للسعودية، لأداء فريضة الحج.
وفقًا لصحيفة الجارديان، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في السعودية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كما أظهرت الرحلات الجوية المباشرة من إسرائيل إلى قطر خلال كأس العالم في عام 2022، أنه من الممكن زيادة توسيع دائرة التعاون.
كما أصبحت إسرائيل والسعودية على نحو متزايد شريكين استراتيجيين، بحكم الأمر الواقع في مواجهة التحدي المتزايد من إيران، وتهديدات الجماعات الجهادية، لكن احتمالات اتفاق التطبيع الذي قد يتضمن ضمانات أمنية أمريكية كبيرة، يُفشلها كون السعودية شريكا غير موثوق به بشكل متزايد بالنسبة لواشنطن.
خلافات واشنطن والسعودية
من المبالغة وصف السعودية، بأنها حليفة للولايات المتحدة. فالحكومة السعودية لا تشترك في أي قيم مع الولايات المتحدة، ناهيك عن كل تلك المتعلقة بالديمقراطية والحرية، بجانب قضايا حقوق الإنسان، وتسعير النفط، والعلاقات مع الصين وروسيا.
أصبح السعوديون لاعبين مستقلين، ومن المفهوم أنهم يتبعون مصالحهم الخاصة، وفي كثير من الأحيان، دون أخذ مصالح الولايات المتحدة في الاعتبار، فهم لا يعتزمون إنهاء ارتباطهم الطويل بواشنطن، لكنهم يتطلعون إلى إقامة شراكات إضافية تخدم مصالحهم.
يمكن للتقارب بين إسرائيل والسعودية، أن يظل ذا قيمة، ولكن مقابل تكلفة مناسبة، وينبغي على واشنطن، أن تقرر ما ستدفعه للسعوديين مقابل صفقة التطبيع، وما ستقدمه إسرائيل للفلسطينيين أيضا.
وتطلب الرياض من واشنطن دعم برنامج نووي مدني، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، ويجب أن يتضمن أي تصدير للتكنولوجيا النووية الأمريكية إلى المملكة التزامات منها، توقيع اتفاقية تعاون نووي مع واشنطن تتضمن متطلبات قوية؛ لمنع انتشار الأسلحة النووية، والتوقيع والتصديق على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وفقًا لموقع سيمافور الإخباري، اقترح المسئولون السعوديون إنشاء “أرامكو النووية”- وهو مشروع أمريكي سعودي مشترك من شأنه، أن يمنح الولايات المتحدة الإشراف على تطوير برنامج سعودي للطاقة النووية المدنية. لكن هذا لا يعني السماح بتخصيب اليورانيوم داخل المملكة- وهو أمر رفضته واشنطن في السابق.
كما يجب على الولايات المتحدة الضغط على السعوديين بقوة؛ لتحسين سجلهم في مجال حقوق الإنسان، وتحقيق الاستقرار، وتحسين الوضع في اليمن، وأخذ مخاوف الولايات المتحدة في الاعتبار عند تحديد أسعار النفط. ويجب على واشنطن أيضًا الضغط على الرياض؛ من أجل مزيد من الشفافية؛ بشأن علاقتها الناشئة مع بكين والمطالبة بضمانات أمنية مشددة لأي أسلحة، أو تقنية تنقلها الولايات المتحدة إلى السعودية.
كما من المرجح أيضًا، أن يطلب السعوديون تعهدًا ملزمًا من الولايات المتحدة للدفاع عن المملكة بالقوة، إذا تعرضت للهجوم. تحت أي ظرف من الظروف، ولا ينبغي لإدارة بايدن أن تقدم مثل هذا الالتزام.
التهديد الأساسي للسعودية، ليس غزوًا بريًا، ولكن الضربات الجوية والصاروخية والتخريب الداخلي. بالتأكيد، يمكن للولايات المتحدة والسعودية العمل على تنسيق أمني، بما في ذلك تدابير الدفاع الجوي، والصاروخي المتقدمة، التي لا تجبر الولايات المتحدة على التدخل تحت أي ظرف من الظروف.
قد يُلزم مثل هذا التنسيق البحث عن أفضل طريقة؛ لمساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها، ضد أي تهديد خارجي، ويمكن للولايات المتحدة أن تعرض على الرياض منصب حليف غير عضو في الناتو، مما يوفر فوائد في التجارة الدفاعية والتعاون الأمني، وهو رمز قوي للعلاقة الوثيقة.
“سيحتاج السعوديون أيضًا إلى ضمانات، بأنهم يستطيعون شراء أنظمة أسلحة أمريكية متقدمة من الدرجة الأولى، ويمكن تلبية هذا الطلب، ما دام أنه يسير جنبًا إلى جنب مع الضمانات المناسبة؛ لضمان الإشراف والرقابة المناسبين من قبل الكونجرس الأمريكي الذي يدعمه وينسقه”، وستكون الموافقة مطلوبة على كل هذه التدابير- بمثابة مكابح مفيدة؛ لضمان عدم ذهاب إدارة بايدن إلى أبعد من ذلك.
في الواقع، واحدة من أهم أهداف التطبيع الإسرائيلي السعودي، ومعاهدة السلام، هو تقليل الحاجة إلى المزيد من القوات الأمريكية في المنطقة، وليس تعزيزها “.
إسرائيل وأمريكا
سترحب إسرائيل بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لكن يجب عليها القيام بدورها لإنجاح الصفقة، لذا يجب على إدارة بايدن أن تطلب من الحكومة الإسرائيلية وقف إصلاحها الشامل للسلطة القضائية، أثناء المفاوضات حول التطبيع مع السعودية.
إن تأييد الولايات المتحدة لأي اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية سيضفي شرعية على هذه الحكومة الإسرائيلية، ويعزز حظوظ نتنياهو السياسية، وقد يكون هذا الثمن الذي يجب أن تستعد إدارة بايدن لدفعه، ولكن ينبغي على الأقل أن تستخدم ما لديها من نفوذ الآن؛ لإحباط تآكل الديمقراطية الإسرائيلية.
وبنفس القدر من الأهمية، يجب على الإدارة الأمريكية أن تبني أي بنود اتفاقية تطبيع إسرائيلية– سعودية بشكل يعالج بمصداقية مخاوف الفلسطينيين، ويحافظ على إمكانية حل الدولتين- مهما طال احتمال حدوث ذلك.
مطالب الفلسطينيين
كان السعوديون مصرين علنًا على الحاجة إلى تعزيز المصالح الفلسطينية، لكنهم لم يقدموا أي تفاصيل. قد يعتقد المرء أن السعودية ستكون حذرة من تقييد نفسها من خلال التطبيع مع الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.
ويبدو أن محمد بن سلمان يميل إلى أن يكون مرنًا، فيما يطلبه نيابة عن الفلسطينيين، لكن والده الملك سلمان أكثر تقليدية، مما يشير إلى أن متطلباته ستكون صعبة- ربما بما في ذلك الاعتراف بالسيادة الفلسطينية على مجمع الحرم الشريف. والمعروف أيضًا باسم جبل الهيكل “لدى اليهود” في القدس.
من المحتمل، أن إدارة بايدن نتيجة لحرصها على تأمين صفقة التطبيع، لن تدفع السعوديين إلى مطالبة إسرائيل بحزمة كبيرة، بما يكفي للفلسطينيين.
ومن المحتمل أيضًا، أن يتمكن محمد بن سلمان ونتنياهو من استبعاد واشنطن من المفاوضات، إذا ارتأيا أن الثمن الأمريكي باهظ للغاية، وتوصلا إلى تفاهمهما الخاص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
يتحدث الديمقراطيون في الكونجرس عن أهمية ربط أي صفقة إسرائيلية سعودية بشيء موثوق به بالنسبة للفلسطينيين. ولا يمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات دون ضمانات أمريكية، وآخر شيء تريده إدارة بايدن رغم كل حملها الثقيل في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، هو ترك نتنياهو وائتلافه في مأزق، عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
وهذا يعني، أن المطالب الأمريكية والسعودية يجب أن تكون كافية؛ لوقف ضم إسرائيل الفعلي للأراضي المحتلة، وينبغي أن تشمل هذه المطالب تجميداً كاملاً، وقابلاً للتحقق والمراقبة لجميع الأنشطة الاستيطانية، خارج المناطق السكنية القائمة داخل المستوطنات التي تأذن بها إسرائيل في الكتل الكبرى.
بما في ذلك وقف المستوطنات الجديدة، أو البؤر الاستيطانية، تفكيك جميع البؤر الاستيطانية التي أقيمت بعد عام 2001، (بما يتفق مع التزام الحكومة الإسرائيلية عام 2004). بجانب التزام رسمي من قبل حكومة إسرائيل (وليس فقط رئيس الوزراء) بحل الدولتين الذي يشمل عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية.
الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تقبل هذه الشروط. لكن المطالبة بها كجزء من عملية دبلوماسية ثلاثية ستضع نتنياهو في موقف غير مريح برفض التطبيع مع السعودية؛ من أجل استرضاء وزرائه المؤيدين للضم.
إذا زار محمد بن سلمان القدس، وقدم عرضه للسلام مباشرة إلى الكنيست الإسرائيلي، سيتصاعد الضغط على نتنياهو بشكل كبير، مما يجبره على الأرجح، إما على التواصل مع المعارضة؛ لتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ للاستفادة من العرض السعودي، وإما الدعوة لانتخابات جديدة.
ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال، ما إذا كانت المعارضة الإسرائيلية، بقيادة مرشحها المرجح لمنصب رئيس الوزراء، بيني جانتس، مستعدة لإلقاء طوق النجاة لنتنياهو، والموافقة على نوع من الترتيبات التناوبية لقيادة الحكومة، ومن المرجح أن يؤدي الاضطراب السياسي الذي قد ينجم عن مثل هذا العرض إلى تأخير مبادرة التطبيع. ولكن عندما تستأنف، فإنها ستتم على أساس أكثر صحة، مما سيمكن الإسرائيليين والسعوديين من العمل على شروط، وتسلسل اتفاق التطبيع ومعاهدة السلام.
في المقابل، يجب أن يكون الفلسطينيون على استعداد؛ لتعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل، والالتزام بإجراء انتخابات ديمقراطية، في المقابل، يمكنهم السعي للحصول على التزام مالي طويل الأجل من السعوديين وغيرهم؛ لإعادة بناء بنيتهم التحتية وإنشاء مؤسسات الدولة المفترضة.
نتائج النجاح وعواقب الفشل
من الواضح، أن اتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي توسطت فيه الولايات المتحدة مُصَمم؛ لمعالجة مخاوف الولايات المتحدة؛ بشأن النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، مع فائدة إضافية تتمثل في إعادة تأكيد القيادة الأمريكية في المنطقة، وسيكون اتفاق التطبيع أيضًا بمثابة إنجاز مهم في السياسة الخارجية قبل انتخابات 2024، وإن كان من غير المرجح أن يسجل الكثير في أذهان الناخبين، وسيكون بمثابة تتويج مناسب لعقود من الجهود الأمريكية؛ لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
وبالتالي، إذا قرر بايدن المضي قدمًا في هذه المبادرة الجريئة والمعقدة، فيجب أن يحد من المطالب السعودية، ومن الأفضل عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق بدلاً من التوصل إلى اتفاق يمنح السعوديين الكثير، ويفشل في تأمين ما يكفي “من ضمانات” في المقابل، ويضفي الشرعية على الحكومة الإسرائيلية الحالية، دون وقف جهودها لضم الضفة الغربية.
وأخيرا، يجب على واشنطن أيضًا أن تضع في اعتبارها، أن المستفيدين الأساسيين من أي صفقة سيكونون إسرائيل والسعودية- وليس الولايات المتحدة.
إن التوصل إلى اتفاق جيد قد يكون طموحاً على المستوى الدبلوماسي، وربما يكون تحولا، وسوف تسعى هه الصفقة إلى إعادة تشكيل المشهد الإقليمي الحالي، وتعزيز القيادة الأمريكية، فإذا حققت إدارة بايدن تقدمًا كبيرًا، فستكون لديها فرصة؛ لإحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية المتعثرة، ووضع العلاقات الأمريكية السعودية على مسار تبادل المنفعة، والحفاظ على الأمل في مستقبل أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
ولكن إذا سارت الأمور على نطاق ضيق، أو أبرمت صفقة سيئة، فستفوت الإدارة فرصة نادرة للتقدم نحو السلام، ومن المحتمل أن تقوض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بدلاً من تعزيزها.