تبدو قيمة حرية الرأي والتعبير في قدرة الأفراد، والمجتمعات على التعبير بحرية، من أهم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المجتمع، فهذا الحق يحظى بدور محوري، يميزه عن باقي الحقوق والحريات، بخلاف ارتباطه بالعديد من الحقوق والحريات الأخرى، وهو أنّه يساهم في تعزيز كافة الحقوق الإنسانية، فهو يعتبر بوابة التغيير المجتمعي، وعلامة التطور الحضاري، لأنّ الرأي الواحد لا يصنع التنمية والإبداع، كما أنّ الخوف من إطلاق حرية التعبير، والعمل على إسكات الأصوات المعبرة عن حاجاتها، قد يشكّل ضغطا عكسيا، ويؤجج من التوتر والخوف، في حين أنّ حرية الرأي والتعبير حق، يضمن لصاحبه، أن يعبّر عن تجربته، ويستمع أيضاً لآراء وتجارب الآخرين بالمثل، وهذا من شأنه أن يزيد تعاطف، وتكاتف المجتمع أملاً في اتخاذ قرارات حكيمة، تعود على الأفراد والمجتمعات بالنفع، كما أن حرية الرأي والتعبير جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان، والتشريعات والقوانين المنظمة لشؤون الدولة، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وإعلامياً، وذلك يجعل من انسجام هذه التشريعات، وتوافقها أمراً لا بد منه، حتى يتم تطبيقها، دون تناقض أو تعارض فيما بينها، لذلك نجد أن حرية التعبير لا تُنتقص بأي حال، فكما أنّ هناك حق الرأي والتعبير لأي فئة من فئات المجتمع، فإنّ هناك قوانين أخرى تحفظ حقوق الأقليات، وكل فئات المجتمع، دون تمييز أو تناقض، وتحميهم من التحريض ضد بعضهم، فلا يمكن استخدام حق حرية الرأي والتعبير كأداة للتفرقة العنصرية، وترويج العداء بين فئات المجتمع. لذلك تظل حرية الرأي والتعبير مقيدة بنطاقات تنظمها مع بقية الحقوق المضمونة لكل فئات المجتمع.
وأهم ما يعبر عن ممارسة حرية التعبير، هو ممارسة الحريات الصحفية، بمعنى يتضمن إضافة إلى حرية التعبير حرية النشر كذلك، وبمعنى أخص أنه لا يجوز مؤاخذة الصحفي، عما ينشره من خلال ممارسته لمهام عمله، ما دام ذلك النشر لم يحتوِ على جريمة أو تعدي على حريات المواطنين.
أكتب ذلك بمناسبة ما حدث خلال هذا الأسبوع من مثول الصحفي/ هشام قاسم للتحقيق من قبل نيابة السيدة زينب، وذلك على خلفية بلاغ تقدم به الوزير السابق، والمحسوب على القوى الثورية /كمال أبو عيطة، وذلك على خلفية نشر هشام قاسم لما اعتبره أبو عيطة سبا في حقه، وتم عرض الصحفي هشام قاسم على النيابة، والتي قررت إخلاء سبيله بضمان مالي قدره 5000 خمسة آلاف جنيه، وقد قام قاسم بالامتناع عن سداد الكفالة معتبرا، أن ممارسته لعمله الصحفي، وحريته لا يقتضي المساءلة القانونية. وهو الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن مدى قانونية فرض كفالة على الصحفيين، وهم في حالات التحقيق معهم، وما زاد الأمر تعقيداً، هو أن النيابة العامة قد قررت حبس هشام قاسم أربعة أيام في اليوم التالي، حال عرضه عليها، بعد رفض دفع الكفالة، ثم تلى ذلك، أنه تم إحالة القضية إلى المحكمة الاقتصادية، والمتهم محبوس.
وعلى جانب آخر، تم القبض على الصحفي/ كريم أسعد، الصحفي بموقع متصدقش، والذي قيل إن ذلك على خلفية نشره لأسماء المحتجزين في زامبيا على خلفية احتجاز، يضم مجموعة من الأشخاص بينهم مصريين، ومعهم أموال ومعادن، وقد تم الإفراج عنه بعد تدخلات من قبل نقيب الصحفيين، دونما عرض على الجهات القضائية.
ولكن ما يمكننا التأكيد عليه، أنه لا بد من إطلاق الحريات الصحفية بشكل كامل، دونما مواربة، وإعمال نصوص الدستور والاتفاقيات الحقوقية بهذا الشأن، تلك الحرية التي أفرد لها الدستور المصري قيمة عالية، حيث جاء النص بشكل صريح في المادة 65 من الدستور المصري لسنة 2014، على أن ” حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”. كما أكدت ذلك من قبل صدور الدستور المصري الأخير المحكمة الدستورية العليا في حكمها رقم 44 لسنة 7 قضائية دستورية، بأن قالت: “وحيث إن حرية الرأي هي من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي، وتعد ركيزة لكل حكم ديمقراطي سليم، إذ يقوم هذا النظام في جوهره على مبدأ أن “السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات”، وهو ما أكده الدستور القائم بالنص عليه في المادة الثالثة منه، وقررت مضمونه الدساتير المصرية السابقة عليه بدءا بدستور سنة 1923، ولا شك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن تكون للشعب – ممثلا في نوابه أعضاء السلطة التشريعية – الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شؤون عامة، وأن تكون للشعب أيضا بأحزابه، ونقاباته وأفراده رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر، والنقد البناء، لما تجريه السلطة الحاكمة من أعمال، وتصرفات وفضلا عن ذلك، فإن حرية الرأي تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات، والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها، وتعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء، وحق مخاطبة السلطات العامة، كما تعد حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية، وإمكان المساهمة بهذه الحقوق العامة في الحياة السياسية مساهمة فعالة”.
فهل لم تعد لتلك النصوص فاعلية في الواقع الحياتي؟ أم أن الأمور تدار بحسب القطعة، وأنه يعاد النظر حسب الحالة، وحسب الوقت وحسب المنشور، وحسب أيضا الناشر، إذ أنه لا بد من إعلاء قيمة الحريات العامة التي يخرج من رحمها حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، حتى يتعرف الشعب على الحقائق التي تغيب عنه، كما أنه في ذات السياق يجب رفع الحظر عن كافة المواقع الصحفية، بما يكفل لها التداول الحر الدائم، دون أية معوقات إلا في الحالات التي يسمح فيها القانون بذلك.
وإن كنت أرى، أن الأمر أكبر من مساحة حرية الراي والتعبير، دونما باقي الحريات العامة، بما فيها من حرية التنظيم، وحرية العمل النقابي، وحرية البحث العلمي، وتداول السلطات، والممارسات الحزبية. كل ذلك يعود بنا إلى سؤال بديهي أولي، وهو إلى أي مدى يتمتع الشعب المصري بالديمقراطية في الممارسات الحياتية، وليس الديمقراطية ككلمة تطلق في المحافل فقط؟ ومن ناحية موازية، فهل هذا يتفق ومخرجات الحوار الوطني الذي انتهت أعماله مؤخرا. أو بمعنى موجز هل من سبيل للخروج من هذا النفق المظلم؟