نادراً ما تنتهي القمم الدولية بإنجازات زلزالية، وخاصة تلك التي تحمل عناوين من نوعية تعزيز التعاون والتقدم المستدام، والتعددية، لكن كتلة بريكس الشابة نسبيا والتي تشكلت في عام 2009 وتمثل حوالي 40 ٪ من سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي- تمكنت من إضافة قوة كبيرة لتحدي الغرب.
ويبدو أن هذا التوسع في اعضاء الكتلة -بحسب مايكل بوسيوركيو المختص فى الشئون الدولية- كان مدفوعًا بثقل الصين، التي قالت إنها “ستضخ دماء حيوية جديدة”.
كتب بوسيوركيو، وهو أحد كبار الباحثين بالمجلس الأطلسي مقال تحليل نشره موقع CNN، تناول فيه مؤتمر البريكس الأخير، والذي عقد بجنوب إفريقيا الأسبوع الماضي.
وناقش خلال المقال، تزايد أعضاء كتلة البريكس المكونة أساساً من 5 دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقا، حيث انضمت السعودية والإمارات وإيران، وهم ثلاث دول نفطية. بالإضافة إلى الأرجنتين ومصر وإثيوبيا، وبحسب بوسيوركيو، هذه الخطوة تمثل حياة جديدة داخل المجموعة التي من المفترض أن تنافس مجموعة السبع، وتقرب العالم من التعددية القطبية.
الصين صديق يمكن الاعتماد عليه
وكانت شكاوى التهميش، والاستغلال موضوعا شائعا في الخطب التي ألقتها عشرات الدول الصغيرة، غير الأعضاء ذلك خلال اليوم الأخير للمؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام.
هذه الشكاوي، إشارة مفادها، أن صرخاتهم لا تلقى آذاناً صماء، ولكن الرئيس الصيني “شي“ جين بينج قال للزعماء، إن “الصين صديق يمكن لإفريقيا الاعتماد عليه”.
تباهى “شي”، بأن بلاده ساعدت في تمويل أكثر من 6000 كيلومتر من السكك الحديدية، وأكثر من 6000 كيلومتر من الطرق، ونحو 80 منشأة للطاقة في القارة. (وفي الوقت نفسه، تعرضت أنشطة الإقراض الصينية في السابق لانتقادات من الولايات المتحدة، باعتبارها تجعل الدول النامية محاصرة بالديون، وهو الأمر الذي ترفضه بكين).
تخوفات البرازيل
من جانب آخر تبدي البرازيل شكوكا إزاء توسيع عضوية كتلة بريكس على أساس، أن ذلك سيجعلها غير عملية، في الواقع، مدللة على ذلك بالقمم التي قادها الغرب في السنوات الأخيرة، إذ ترى البرازيل أنها قد تحولت إلى حلبات ملاكمة دبلوماسية من نوبات الغضب- من يصرخ بأعلى صوت يحقق مراده. ويتم تخفيف البيانات الختامية إلى درجة، أنها إما لا معنى لها أو لا يتم إصدارها على الإطلاق. وكثيراً ما يعود ممثلو البلدان الأصغر حجماً إلى بلدانهم، وقد خاب أملهم، فهل تتمكن مجموعة البريكس من تغيير كل ذلك؟
يناقش التحليل هذه الشكوك بالإشارة إلى أن التوسع في عضوية البريكس من شأنه، أن يجلب المزيد من وجهات النظر المتباينة، في كتلة تعمل على أساس الإجماع، وهذا النموذج يمكن أن يكون مرهقا وشاقا، كما كان في منظمات أوروبية على سبيل المثال، عندما قررت روسيا، أنها لا تريد مراقبين دوليين مستقلين في منطقة دونباس المحتلة في أوكرانيا، فإنها ببساطة استخدمت حق النقض في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لإنهاء الأمر.
أسباب توحد أعضاء البريكس
ولكن التحليل يستدرك هذه الفرضية بالقول إنه انطلاقا من الخطبة التي ألقاها الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في قمة جوهانسبرج، لا تزال هناك موضوعات، وأسباب توحد الأعضاء: تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الدولية (على الرغم من أنه إذا حدث ذلك، فقد يبدأ في زعزعة استقرار الأسواق العالمية)، وإصلاح النظام المالي العالمي، وكذلك نظام الأمم المتحدة.
وبعيدا عن المحاور الأساسية في القمة التي استمرت ثلاثة أيام، يسرد كاتب المقال:
ما زالت الأحداث الواقعية قادرة على اختراق فقاعة الصداقة الحميمة هذه، ومن الممكن أن نغفر لقادة مجموعة البريكس، لأنهم لم يعرفوا، ما إذا كان عليهم أن يظهروا الحماسة أو القلق في ثاني يوم للمؤتمر، حيث كان من الممكن سماع الهتافات من الوفد الهندي مع الإعلان عن الهبوط الناجح للمركبة الفضائية تشاندرايان 3 على سطح القمر، وذلك بعد أيام فقط من محاولة روسيا الفاشلة.
تعقيبا على ذلك، قال مضيف القمة، رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا “ينبغي النظر إليها، باعتبارها إنجازا لكتلة البريكس بأكملها”
وبعد ساعات، بينما كان قادة البريكس يجلسون لتناول العشاء بدأت التنبيهات الإخبارية تسرق الأضواء، تحطم الطائرة الخاصة التي تقل رئيس مجموعة فاغنر، يفجيني بريجوجين، جاء الخبر مع اعتماد أربع دول على الأقل في القارة الإفريقية على شركة فاجنر للحماية الأمنية، وخدمات استخراج المعادن.
أساليب وأنماط
فى القمة، كانت الفروق الدقيقة في الدبلوماسية عالية المخاطر ملفتة، سواء أكان ذلك مشاهدة التبجح الواثق لشي جين بينج (مع قدر من الغطرسة لتخطي الجلسة الافتتاحية لمنتدى الأعمال)، أو غضب وزير الخارجية سيرجي لافروف، الممثل عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غير الخطاب الشعبوي، وما صاحبه من أخطاء في النص للرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، وهو الزعيم الوحيد الذي تحدث بإسهاب عن العدوان الروسي في أوكرانيا، قائلاً: “الجميع يعاني من عواقب الحرب”.
ما يميز القمة أيضًا عن مجموعة السبع ومجموعة العشرين، هو أن الغالبية العظمى من الوكالات في المركز الإعلامي مُنحت لمنافذ إعلامية أصغر حجما وغير ناطقة باللغة الإنجليزية من العالم النامي، ومع ذلك، كان وصول وسائل الإعلام إلى القادة والمندوبين محدودًا للغاية- وهي ممارسة أكثر انسجامًا مع الأنظمة الاستبدادية.
إن نجاح جنوب إفريقيا في استضافة القمة يعد إنجازا في حد ذاته، فاستضافة العشرات من رؤساء الدول أمر شاق، تحدث الفنان نونتسيكيليلو مدلانكومو من جوهانسبرج:
إنه شيء مشجع على الرغم من التحديات التي تواجهها الدولة، لا يزال بإمكانهم إظهار القدرة على استضافة أحداث عالمية المستوى، رغم تحديات تواجه جنوب إفريقيا منها انقطاع الكهرباء.
وعد “شي” الذي صادفت زيارته أيضا مرور 25 عاما من العلاقات الدبلوماسية بين الصين وجنوب إفريقيا- التبرع بمعدات طاقة للطوارئ بقيمة 167 مليون راند (8.9 ملايين دولار)، بالإضافة إلى العديد من المساعدات. – منحة بمليون دولار؛ لمعالجة انقطاع الطاقة.
مشكلة صادرات الحبوب
وعلى الرغم من فشل قمة البريكس في إحراز تقدم في قضايا مثل، بدائل العملة وفتح البحر الأسود أمام صادرات الحبوب الأوكرانية- التي تعتمد عليها العديد من البلدان الإفريقية- فإن الكتلة تضم الدول الوحيدة في العالم التي يزيد عدد سكانها عن ملياري نسمة، وثلاث دول نووية. القوى العظمى، ولا يمكن شطب دولتين غنيتين بالنفط بسهولة.
لا شك في، أن الوحدة والخطاب المباشر أمر جيد ــ ولكن ليس على حساب إن يكون العالم أكثر ميلا نحو الاستبداد.
وفي نهاية المطاف، ينظر للقمة، باعتبارها انتصاراً واضحاً لشي جين بينج، ومسرحاً لاستعراض افتراضي للتبجح من جانب بوتين الذي يزداد عزلة، وومضة ضوء تحذير للديمقراطيات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة.