خلال النصف الأول من العام الحالي تراجعت الصادرات السلعية متأثرة بتداعيات أزمة الدولار ونقص مكونات الإنتاج، حيث انخفضت الصادرات بنحو 17 % لتبلغ 16 مليار دولار فقط، بعد أن سجلت العام الماضي، معدلات قياسية في التصدير.
خلال 2022 حققت مصر صادرات سلعية بلغت أعلى مستوى لها وحققت حصيلة بلغت 35.6 مليار دولار، وبارتفاع نسبته 12 % مقارنة بعام 2021، ذلك بحسب بيانات المجالس التصديرية.
وكانت القفزة الأكبر للصادرات المصرية من مواد البناء والملابس الجاهزة، لكن تغير الحال تماما في 2023.
وفي الوقت الذي تشهد مصر أزمة في السيولة الدولارية، يتم الرهان على تشجيع الصادرات الصناعية كأحد الحلول، هذا إضافة إلى توفير فرص العمل واكتفاء الأسواق ما يقلل فاتورة الاستيراد.
في الوقت الذي يرد البعض أزمة قطاع التصدير إلى نقص الدولار، ترى أصواتا أخرى أن المشكلة أعمق من ذلك، وتحتاج استراتجية متكاملة ودراسة لكل قطاع على حدة، هذا بجانب توفير حوافز للتصنيع.
مؤخرا ونتاج نقاشات حول تشجيع الصناعة شهدها الحوار الوطني، أصدرت الحكومة عدة قرارات تحفيزية لتشجيع الصناعات التصديرية.
بدأت الصادرات غير البترولية الربع الأولى من العام الحالي (يناير/ كانون ثان ـ مارس/ آذار) بانخفاض بنسبة 6.4 % على أساس سنوي لتبلغ نحو 8.8 مليار دولار.
تزايد التراجع بوتيرة أكبر في الربع الثاني (إبريل/ نيسان ـ يونيو/ حزيران) بنسبة 37 % ليبلغ 7.2 مليار دولار.
مكونات الإنتاج المستوردة عقدة مُستمرة
يقول الدكتور عبد المنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الصادرات المصرية غير النفطية تبلغ 35 مليار دولار، بخلاف الصادرات النفطية التي تبلغ نحو 15 مليار دولار.
وترتبط مشكلة تراجع الصادارات بمدى توافر الدولار للمصانع التي تعتمد في تلبية احتياجاتها على مستلزمات إنتاج مستوردة من الخارج في معظم القظاعات.
ضرب السيد مثالاً بالملابس الجاهزة التي تعتمد على توفير مكونات كثيرة من الخارج بعضها بسيط مثل “الزراير والسوست”، ومع حدوث مشكلة في توفير الدولار لبعض المصنعين تناقص الإنتاج، وتراجعت الصادرات بشكل كبير.
لكن الدولة تدخلت أخيرا بإجراءات من شأنها تعزيز حصيلة العملة الصعبة، منها الشهادة الدولارية من أجل توفير احتياجات المصنعين.
دور “المركزي” في خلق الأزمة
عانت الصناعة المصرية من قرارات البنك المركزي بفتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد، قبل أن يتم العدول عنها باستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام والعودة إلى النظام القديم من خلال مستندات التحصيل.
لكن مع ذلك، تظل مشكلة توفير العملة الأجنبية عائقًا أمام استيراد المستلزمات، حتى أن بعض شركات السيارات أوشكت على الإغلاق مع قرب نفاد جميع مخزوناتها من قطع الغيار مع العجز عن استيراد المزيد.
غياب الاستراتيجية
يضع المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مشكلة توفير العملة الأجنبية في الحسبان، لكنه يرى أن مشكلة الصناعة المحلية أوسع من ذلك، وبين أسبابها غياب الاستراتيجية الواضحة للتنمية والرؤية الواضحة لحل مشكلات الصناعة.
يشير المركز إلى أن الجهات الحكومية لم تتعامل بحلول جذرية مع أي من المشكلات الأساسية التي تواجه التصدير، ومنها بطء إجراءات التخليص الجمركي لمستلزمات الإنتاج، وتحصيل المصدرين لمستحقاتهم سواء في إطار نظام الدروباك (استرجاع الرسوم الجمركية حال التصدير) أو منظومة رد أعباء الصادرات.
إضافة إلى وجود شروط مسبقة للتصدير والاستيراد، بما يؤدي إلى ضعف السيولة لدى المصدرين من الشركات الصناعية.
بحسب المركز، فإن تقييد توفير العملة الصعبة للاستيراد لم يراعِ التفرقة بين استيراد السلع تامة الصنع ومستلزمات الإنتاج، مع تحييد دور وزارة التجارة والصناعة في التعامل مع الصادرات لصالح جهات أخرى، وهو ما اتضح بشكل كبير في قرار البنك المركزي بوقف العمل بالاعتمادات المستندية في العام الماضي، وتم تطبيقه طوال الفترة من فبراير إلى ديسمبر 2022.
كما توقفت أنشطة الشركة الدولية لضمان مخاطر الصادرات “كوفيس” عن تغطية الشركات المصرية المُصدرة.
لا سبيل للتعامل بجدية مع قضية التصدير دون وضع استراتيجية للتنمية الصناعية، وإجراء دراسات تحليلية لكل قطاع والتعرف على مشكلاته والتعامل معها بسرعة وحسم، هذا وفقا للمركز المصري للدراسات الاقتصادية.
مستلزمات الإنتاج مشكلة مزمنة
وزير التجارة والصناعة أحمد سمير، اعترف بمشكلة الصادارات الصناعية أمام مجلس النواب نهاية ديسمبر/ كانون أول الماضي، ردًا على طلبات إحاطة تم تقديمها بشأن مستقبل الصناعة المحلية.
كشف الوزير عن أن 56 % من واردات مصر هي مستلزمات إنتاج، وتساءل في الوقت ذاته عن كيفية تحمل الصناعة الصدمات في ظل اعتمادها التام على مستلزمات إنتاج مستوردة، وفي ظروف الاقتصاد العالمي، وعدم القدرة على توقعها.
الاعتماد على مستلزمات الإنتاج المستوردة يضع الصناعة المصرية في أزمات مستمرة، ففي 2021 إبان جائحة كورونا تباطأ نشاط القطاع الصناعي خاصة الصناعات التي تعتمد على مستلزمات الإنتاج الواردة من الصين.
وتبلغ قيمة الواردات المصرية من الصين 14.4 مليار دولار، وهي تمثل نسبة 16.2 % من جملة الواردات عموما في العام 2021، ويبقى تأثر مبيعات وإيرادات بعض المصانع بسب مشاكل نقص السيولة قائم لكن ليس السبب الوحيد.
حلول مقترحة لاستدامة نمو الصناعة والتصدير
يراهن عبد المنعم السيد، رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، على قرارات الحكومة في الفترة الأخيرة، وآخرها الإعفاءات الضريبية والتي من شأنها منح الصناعة دعما قويًا ونموًا مستدامًا.
جاءت هذه القرارات، كنتائج للحوار الوطني، والذي دعم صدور حزم تحفيزية ضريبية تشجع المستثمر الصناعي، علاوة على التوسع في الرخصة الذهبية، ودعم الأراضي الصناعية باسترداد 50 % من قيمة الأرض.
كما تضمنت القرارات الحكومية الإعفاء من كافة أنواع الضرائب، عدا ضريبة القيمة المضافة، حتى ٥ سنوات، للمشروعات الصناعية التي تستهدف صناعات استراتيجية.
ذلك مع إمكانية مد الإعفاء لخمس سنوات إضافية واستعادة نسبة من قيمة الأرض تصل إلى ٥٠ %، بشرط تنفيذ المشروع في نصف المدة المحددة له.
بجانب ذلك جاء التوسع في منح الرخصة الذهبية لجميع المشروعات التي تستهدف تعميق التصنيع المحلي.
لكن المركز المصري للدراسات الاقتصادية يقدم حلولاً أخرى، لمواجهة مشكلات الصناعة، تتضمن تبسيط وتسريع إجراءات الحصول على خطاب الرقابة الصناعية، وتصاريح الصادر، وسرعة إنهاء خطابات الضمان للسماح المؤقت.
هذا إضافة إلى وضع قواعد واضحة لرد أعباء الصادرات، وسرعة الإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج. كما طالب بإعادة دور وزارة التجارة والصناعة لسابق عهدها كمنظم ومسئول فعلي عن التجارة الخارجية.
كما يطالب “المرصد الاقتصادي” التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتجية، بالتركيز على اجتذاب الاستثمار المباشر بدلًا من الأموال الساخنة، ويعتبرها الإضافة الحقيقية لاجتذاب عملة أجنبية، وتشغيل عمالة.
مشيرا إلى أن الصناعة فرصة ومصدر لتوفير المنتج المحلي بسعر مناسب ويقلل الفاتورة الاستيرادية للدولة، كما يوفر السيولة بجانب السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس.