ضمن أزمة المناخ التى تهدد العالم، والتي لا يمكن أن تحلها دولة بمفردها، هل يمكن أن تتعاون الولايات المتحدة والصين في معالجة الأزمة، التي ستجعل  أماكن عديدة في العالم غير صالحة للسكن وبشكل متزايد.

يطرح هذا السؤال وغيره، ويتصدى للإجابة، السياسي الأمريكي اليساري البارز والمتسابق على الترشح لكرسي الرئاسة عن الحزب الديمقراطي في انتخابات 2016 و2020 بيرني ساندرز– عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ورئيس لجنة الصحة والمعاشات التقاعدية- في مقال نشرته صحيفة الجارديان، يناقش  العلاقات الأمريكية الصينية وطبيعة التعامل بينهما فيما يخص أزمة المناخ.

فبحسب بيرني فإنه من المؤسف أن التعاون المطلوب لمعالجة هذا التهديد الوجودي يتم تقويضه من قبل الصقور في كل من الولايات المتحدة والصين الذين يدفعون نحو حرب باردة كارثية.

والآن هو الوقت المناسب لإعادة النظر بشكل جذري في الجغرافيا السياسية التي تعكس ضرورة التعاون الدولي لبقاء الكوكب وليس مصلحة الدول “الممتازة”فقط.

الأكثر سخونة

كانت السنوات الثماني الماضية هي الأكثر سخونة على الإطلاق، كما أن هذا العام في طريقه لأن يكون العام الأكثر سخونة، وكان شهر يوليو الماضي هو الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث  حطم في جميع أنحاء الولايات المتحدة أكثر من 3200 رقم قياسي لدرجات الحرارة.

غطى الدخان الناتج عن حرائق الغابات غير المسبوقة في كندا مدنًا أمريكية، مما تسبب في تلوث خطير، كما شهدت ولايتان، فيضانات دمرت 4000 منزل و800 شركة، وهي أسوأ كارثة طبيعية تشهدها الولاية منذ عام 1927.

وفي هاواي، دمرت الحرائق السريعة الانتشار 2700 مبنى في لاهاينا التاريخية وأودت بحياة أكثر من 100 شخص، ما جعله حريق الغابات الأكثر فتكاً في الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن.

ليست الولايات المتحدة وحدها هي التي تتعامل مع موجات الحر غير المسبوقة، والدمار الهائل الناجم عن المناخ، فقد شهدت الصين درجات حرارة قياسية في الشهر الماضي، بما في ذلك درجة الحرارة القياسية والتي بلغت 126 درجة فهرنهايت (52.2 درجة مئوية).

وأودت الفيضانات الأخيرة بحياة حوالي 100 شخص، ودمرت ما يقرب من 200 ألف منزل، وشردت حوالي 1.5 مليون شخص وتسببت في خسائر وأضرار بأكثر من 13 مليار دولار.

الأحداث المتطرفة فى قارات العالم

من طوكيو إلى روما إلى تونس إلى تيرانا عاصمة ألبانيا، شهدت مدن في أنحاء آسيا وأوروبا، بجانب شمال إفريقيا أكثر الأيام حرارة على الإطلاق.

وفي إيران، وصل مؤشر الحرارة إلى 158 فهرنهايت (70 درجة مئوية)، مما يمثل اختبارًا لحدود بقاء الإنسان على قيد الحياة. وفي نصف الكرة الأرضية الخاص بنا، شهدت كوبا وجمهورية الدومينيكان والسلفادور انخفاضًا قياسيًا في درجات الحرارة. إنه فصل الشتاء الآن في أمريكا الجنوبية، لكن ذلك لم يمنع درجات الحرارة من تجاوز 100 فهرنهايت (37.7 درجة مئوية) في بعض الأماكن، وهو حدث وصفه مؤرخو المناخ بأنه “أحد الأحداث المتطرفة التي شهدها العالم على الإطلاق”.

ولا يقتصر الأمر على ارتفاع درجات الحرارة على الأرض فحسب، فلم تكن محيطاتنا أكثر دفئا من أي وقت مضى.

في الوقت الحالي، تشهد 44% من محيطات العالم موجة حارة بحرية، فيشهد البحر الأبيض المتوسط درجات حرارة هي الأكثر سخونة على الإطلاق، أكثر من 9 درجات حرارة أعلى من المتوسط في بعض الأماكن، أما قبالة ساحل نيوفا وندلاند، تصل درجة حرارة المياه إلى 18 فهرنهايت فوق المعدل الطبيعي، وجنوب ميامي، وصلت درجة حرارة المياه إلى 101 درجة فهرنهايت (38.3 درجة مئوية).

وقد يؤدي هذا الاحترار إلى المزيد من الدمار للشعاب المرجانية ومصائد الأسماك والنظم البيئية البحرية في جميع أنحاء العالم.

في خضم هذه الأزمة العالمية، هناك أخبار جيدة وأخبار سيئة، والخبر السار هو أن السنوات الأخيرة شهدت خطوات طال انتظارها لتحويل الاقتصاد العالمي بعيدا عن الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة أكثر كفاءة ومتجددة.

وفي الولايات المتحدة، جرى العمل على الحد من التضخم من خلال استثمارات غير مسبوقة بقيمة 300 مليار دولار في الطاقة النظيفة وكفاءة الطاقة، وهو ما من شأنه أن يساعد في زيادة الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة بنسبة 500% وأكثر من ضعف طاقة الرياح بحلول عام 2035، مما يقلل من انبعاثات الكربون بنحو 40%.

كما قامت دول أخرى باستثمارات كبيرة. أنفقت الصين 546 مليار دولار على الطاقة النظيفة العام الماضي، وتستمر في تصنيع ونشر الطاقة المتجددة أكثر من بقية دول العالم مجتمعة.

وبحلول عام 2030 قد تنشر الصين ما يكفي من الطاقة المتجددة لتشغيل الشبكات الكهربائية الأمريكية بالكامل.

كما وضع الاتحاد الأوروبي خطة لاستثمار أكثر من تريليون دولار على مدى العقد المقبل في مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، بهدف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55% مقارنة بعام 1990.

والأهم من ذلك أن قطاعات كبيرة من عالم الشركات ابتعدت عن الاستثمار في الوقود الأحفوري، وتنفق الآن مئات المليارات على الطاقة المستدامة.

وإجمالاً، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يستثمر المجتمع الدولي خلال هذا العام حوالي 1.6 تريليون دولار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية والبطاريات والشبكات الكهربائية، مقارنة بنحو تريليون دولار فقط في الوقود الأحفوري.

وقد دفع هذا التقدم وكالة الطاقة الدولية إلى التنبؤ أنه بحلول أوائل عام 2025، سوف تتفوق مصادر الطاقة المتجددة على الفحم لتصبح أكبر مصدر لتوليد الكهرباء عالميا، وهو أسرع بكثير مما كان متوقعا في السابق.

أما الخبر السيئ فهو أننا لا نزال بعيدين تماما عن توفير أنواع الاستثمارات اللازمة للتعامل مع هذه الأزمة، وما زلنا لا نتحرك بالسرعة الكافية لإنقاذ كوكبنا.

يتوقع أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة أنه بدون اتخاذ المزيد من الإجراءات العاجلة، سيتجاوز العالم عتبة 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحالي، هذا يهدد بمستقبل أكثر فتكًا لأطفالنا ومستقبلنا لأجيال.

وعليه إذا لم تتحرك الولايات المتحدة والصين وبقية العالم بقدر أعظم من الإلحاح لخفض الانبعاثات الكربونية بشكل كبير، فإن كوكبنا سوف يواجه أضراراً هائلة لا رجعة فيها.

ولنكن واضحين: منذ بداية الثورة الصناعية، أطلقت الولايات المتحدة كميات من الكربون إلى الغلاف الجوي أكبر بكثير من أي دولة أخرى، وفي حين أدت التكنولوجيات الجديدة التي يدعمها الوقود الأحفوري إلى تحسين مستوى معيشتنا، فقد وضعنا الأساس لكارثة المناخ التي يشهدها الكوكب الآن.

وفي الأعوام الأخيرة، تفوق الاقتصاد الصيني الذي يشهد نمواً سريعاً على الولايات المتحدة باعتبارها المصدر الرئيسي للانبعاثات الكربونية على مستوى العالم.

وفي الوقت الحالي، تبني الصين عدداً من محطات الطاقة التي تعمل بحرق للفحم يعادل ستة أضعاف ما تبنيه بقية دول العالم مجتمعةــ أي ما يعادل إنشاء محطتين جديدتين تعملان بالفحم كل أسبوع.

وفي العام الماضي، تضاعف عدد المحطات التي تعمل بالفحم أربع مرات مقارنة بعام 2021. وستشهد الخطط الحالية إضافة الصين إلى شبكتها محطات طاقة الفحم الجديدة بقدر يعادل ما يستخدم في جميع أنحاء الهند، ثاني أكبر مستهلك للفحم، وخمسة أضعاف طاقة الفحم في الولايات المتحدة.

فى الحاجة إلى اتجاه جديد

وليس سراً أن الحكومة الصينية تتبنى العديد من السياسات التي يتعين علينا وعلى المجتمع الدولي أن يعارضها، فهم يقمعون ويعتقلون الأويجور بقسوة، ويهددون تايوان ويخنقون حرية التعبير في التبت وهونج كونج، لقد قامت الصين بترهيب جيرانها، وأساءت استخدام النظام التجاري العالمي، وسرقت التكنولوجيا، وتعمل على بناء دولة مراقبة بائسة.

وتضغط  الولايات المتحدة  وحلفاؤها على الصين بشأن هذه القضايا وغيرها، ولكن  المواجهة مع الصين محصلتها صِفر ومن غير المرجح أن يغير سلوك بكين،  وربما  سيؤدي إلى تنفير الحلفاء والشركاء.

والأهم من ذلك أنه قد يؤدي إلى تدمير كوكبنا من خلال جعل التعاون المناخي مستحيلا بين أكبر دولتين مصدرتين للانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم.

نحن بحاجة إلى التحرك في اتجاه جديد جريء، ويقدم التاريخ الحديث بعض الأمثلة المفيدة.

في عام 1962، عندما كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على شفا حرب نووية، اجتمع الرئيس جون كيندي والزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف لمنع الدمار الشامل، وبعد بضعة أشهر فقط، وفي ظل الأزمة النووية، اقترح كيندي خطة لخفض الأسلحة من شأنها أن تغير ديناميكية المواجهة التي دفعت العالم إلى حافة الهاوية.

وحتى كبار مناهضي الشيوعية، مثل الرئيسين الأمريكيين السابقين ريتشارد نيكسون ورونالد ريجان، قاموا بمناورات جريئة للحد من التوترات بين البلدين، خوفًا من الإبادة العالمية، اليوم نحن نواجه ديناميكية مماثلة.. ونواجه كارثة جماعية إذا لم نغير مسارنا.

هذه هي الديناميكية المجنونة التي يجب تغييرها

في السنوات الأخيرة، قامت كل من الولايات المتحدة والصين بزيادة ميزانياتهما العسكرية بشكل كبير، وتنفق الولايات المتحدة الآن نحو 900 مليار دولار على البنتاجون “وزارة الدفاع الأمريكية”، أي أكثر من الدول العشر التالية لها مجتمعة. وتنفق الصين، صاحبة ثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم، ما يقرب من 300 مليار دولار، وعلى الرغم من إنفاق هذه المبالغ الضخمة على “الدفاع”، فإن البلدين يخسران الحرب ضد أزمة المناخ.

لقد شهدت الولايات المتحدة فيضانات هائلة، وحرائق، وجفافا، واضطرابات مناخية شديدة، كلفتها مئات المليارات. كما إن الفيضانات الأخيرة في الصين وحدها سوف تكلف تلك الحكومة عشرات المليارات من الدولارات. وفي المستقبل، يخبرنا العلماء أن المدن الكبرى مثل شنغهاي ونيويورك سوف تغرق تحت الماء إذا لم نتحرك بشكل فعال ضد أزمة المناخ.

إذن هذه فكرة “جذرية”. فبدلاً من إنفاق مبالغ هائلة من المال في التخطيط لحرب، يتعين على الولايات المتحدة والصين التوصل إلى اتفاق لخفض ميزانياتهما العسكرية بشكل متبادل واستخدام المدخرات للتحرك بقوة لتحسين كفاءة الطاقة، وتوفيرا لطاقة مستدامة وإنهاء اعتمادنا في الطاقة على الوقود الأحفوري.

وينبغي لها أيضاً أن تقدم دعماً متزايداً للبلدان النامية التي تعاني من أزمة المناخ دون أي خطأ من جانبها.

الآن، أعلم أن السياسيين المؤسسيين “نسبة إلى مؤسسة” في البلدين سيخبرونني بمدى سذاجتي وبساطتي لتقديم مثل هذا الاقتراح، وسيقدمون مليون سبب لعدم إمكانية تنفيذه.

موجبات التعاون بين العملاقين

وردي هو: اذهب وتحدث إلى الأشخاص في فيرمونت بالولايات المتحدة الذين فقدوا منازلهم بسبب الفيضانات غير المسبوقة والعائلات في هاواي التي فقدت أحباءها في الحرائق الأخيرة، اذهب وتحدث إلى أكثر من مليون شخص في الصين الذين شردتهم الفيضانات الكارثية، اذهب وتحدث إلى الناس في الجنوب الإفريقي الذين يتضورون جوعا بسبب الجفاف الرهيب والفيضانات التي يعانون منها أو المزارعين في جميع أنحاء العالم الذين لم يعد بإمكانهم زراعة محاصيلهم بسبب نقص المياه.

ولعل الأمر الأكثر أهمية هو التحدث إلى مئات الملايين من الشباب في كل بلد على وجه الأرض الذين فقدوا الأمل، ويتساءلون ما إذا كان ينبغي لهم حتى أن ينجبوا أطفالاً، نظراً للتحديات الهائلة التي تفرضها أزمة المناخ على الحياة الطبيعية.

قال نيلسون مانديلا عبارته الشهيرة: “دائما ما يبدو الأمر مستحيلا حتى يتم تحقيقه.” إذا أردنا إنقاذ الكوكب، فهذا هو الوقت المناسب لاتخاذ إجراءات جريئة ودعونا نقوم به.