مع اقتراب انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2024، وإعلان بعض الأحزاب السياسية تأييد ترشيح الرئيس عبد الفتاح السيسي، لا يبدو السؤال الأهم على الساحة السياسية: هو من سيفوز بهذا الاستحقاق الانتخابي؟ فالبعض يرى –بواقعية- أن النتيجة محسومة سلفا لمرشح النظام، إذ لم يسبق، أن رئيسا مصريا جمع بيده كل هذه الصلاحيات المطلقة، وسيطر على كافة مؤسسات وقطاعات الدولة، ثم خسر منصبه في مواجهة مرشحين محتملين من المعارضة بعضهم يدخل السباق الانتخابي، وهو يعلن تأييده له، بينما الآخرون يتعرضون للتضييق عليهم في التواصل مع الناخبين. من هنا، فإن الأسئلة الجوهرية التي تطرحها الانتخابات الرئاسية تتمثل في الآتي:

للاطلاع على الملف كاملا :

أولا: ما مدى قدرة النظام الراهن على استعادة الشرعية السياسية عبر الانتخابات القادمة، في ظل رأي عام محبَط؛ بسبب الأداء الحكومي في التعامل مع الأزمة الاقتصادية، لذا، يبدو الهاجس الأكبر للنظام يتركز في إقناع المجتمع المنهك بالمشاركة، وأن الانتخابات، سوف تأخذ طابعا تنافسيا جديا؛ لتحسين صورته داخليا وخارجيا، بحيث لا تتكرر تجربتا انتخابات عامي 2014 و2018؟

ثانيا: ما مدى قدرة المعارضة على استغلال فرصة الانتخابات الرئاسية في الدفع بشكل أكبر بمسار الإصلاح، عبر استعادة “السياسة المفقودة” في مصر على مدار عقد كامل، وتوسيع هوامش حرية الرأي والتعبير، إذ تمثل الانتخابات للمعارضة تجربة سياسية في إعادة الاصطفاف، واستعادة حيوية تنظيماتها، واختبار قدرتها على طرح برامج بديلة للأزمات، وتنشيط كوادرها في الساحة السياسية؟

ثالثا: ما التبعات المحتملة لإجراء الانتخابات الرئاسية على شكل الحياة السياسية في مصر، فلو سلمنا، بأن النتيجة محسومة للسيسي دون حدوث مفاجآت، لا توجد حتى اللحظة مؤشرات عليها، فهل سيتجه الرئيس خلال فترته الرئاسية الجديدة لمزيد من الانفتاح على المعارضة، وإعادة هيكلة المجال العام ومؤسساته السياسية والتشريعية، وتغيير نمط السياسات العامة، أم سينتهي الاحتياج لـ “الانفتاح المحسوب” على المعارضة، ما إن يحصل النظام على الشرعية الدستورية بانتهاء الانتخابات؟

رابعا: كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية على نمط تحالفات النظام السياسي في مصر، فهل ستبقى ذات طبيعة ضيقة، ومسيطر عليها أمنيا وعسكريا، كما جرى طيلة العقد الأخير، أم ستتجه إلى استيعاب قطاعات وشرائح جديدة أخرى، بما يجعل القاعدة السياسية والاجتماعية للنظام أكثر اتساعا ومرونة، ومن ثم دعم مسار الاستقرار الحقيقي لا الهش؟

خامسا: كيف ستؤثر الانتخابات على إدارة العلاقة بين مصر وشركائها في الإقليم والعالم، والذين لديهم تخوفات على مسار الاستقرار الراهن؛ بسبب “عدوى الأزمات” من قطاع إلى آخر في مصر، وهل ستستمر القوى الخليجية، خاصة السعودية والإمارات في الضغط على النظام عبر سياسة الدعم المشروط، دون إدراك مخاطر “الارتداد العكسي”، علما أن الخوف الخليجي يكمن جوهره في أن تحول مصر إلى نموذج ديمقراطي يعني تهديدا لشرعية أنظمتهم الحاكمة؟

اقرأ أيضا ملف خاص| الطريق إلى انتخابات الرئاسة المصرية 2024 “سياقات مأزومة.. ومسارات مأمولة”

هذه الأسئلة تعد اختبارات صعبة، سواء للسلطة والمعارضة، بل وحتى القوى الخارجية التي تنظر لمصر على أنها دولة كبيرة “أكبر من أن تسقط في فخ الفوضى”. فالمعضلة الماثلة في مصر، أنه رغم الخطوات الانفتاحية للنظام مثل، استراتيجية حقوق الإنسان ووثيقة ملكية الدولة، ومبادرة الحوار الوطني، أو الإفراج عن بعض معتقلي الرأي، إلا أن ذلك لم يمنع نزيف الشرعية السياسية للنظام، مع استمرار التأزم الاقتصادي الذي طال مختلف الشرائح الاجتماعية، ومواصلة التضييق السياسي، وهيمنة حالة الخوف على المجال العام.

يزيد تعقيد المعضلة انحسار الدعم المالي الإقليمي، خاصة الخليجي وارتباطه على نحو وثيق بشروط صندوق النقد الدولي التي يواجه النظام صعوبات في إنفاذها لإصلاح الاقتصاد، لكونه يدرك أنها قد تؤثر على تحالفاته المؤسسية الداعمة لاستمراره، ناهيك عن أن زيادة الضغوط الاقتصادية فوق الاحتمال الاجتماعي قد تكسر حاجز التكيف معه، والذي لا يزال يعول على الاستقرار أكثر من التغيير، مدفوعا بمشهد الفوضى في الإقليم وتجربة التغييرات غير المواتية بعد الثورات، والتي لم تفضِ إلى تحسين أحواله ومعيشته، والأهم والأخطر أن أي تغيير قادم في مصر قد ينطوي على كلفة باهظة، بحكم تعقد السياقات الاقتصادية– الاجتماعية الراهنة، مقارنة بنظيرتها قبل ثورة 25 يناير.

في هذا الإطار، يواصل موقع “مصر 360” تغطيته التحليلية للانتخابات الرئاسية المصرية في هذا الملف الذي يجمع تسعة مقالات رأي لكتاب وخبراء مصريين بارزين، إضافة إلى حوار مع خبراء أجانب لفهم موقف القوى الخارجية إزاء الانتخابات الرئاسية، وكل هذه المقالات نشرت مؤخرا على الموقع.

إذ يركز عبد العظيم حماد على سؤال الشرعية السياسية والانتخابات الرئاسية، معتبرا أن إجابته تكمن في طريقة إجراء الانتخابات ذاتها، والتي سيختارها الرئيس السيسي، فإما الاكتفاء بانتخابات، دون عناء للاحتفاظ بالشرعية الدستورية، دون السياسية، وإما انتخابات تعددية تنافسية، تتوافر لها ضمانات الحيدة والعدالة، وحرية التعبير والبرامج المتنافسة، بما تقود إلى تجديد الشرعية السياسية للنظام.

فيما يحذر الدكتور عمرو الشوبكي من التبعات الخطرة للهندسة السياسية للانتخابات، لأنه يعني فقدان الثقة السياسية، معتبرا في الوقت ذاته، أن الانتخابات فرصة للمعارضة للمضي في مسار الإصلاح، لكون الأخير معركة سياسية تحتاج إلى نفس طويل لكونها تتم عبر التراكم وتحقيق النقاط، وأن خيار العزوف عن الانتخابات الرئاسية ليس حلا، لأنه ثبت من التجارب السياسية المصرية، أن المقاطعة الانتخابية لم تضعف النظام القائم، ولم تقوِ المعارضة.

أما هشام جعفر، فيشير إلى اتجاهات هيكلة المجال السياسي في مصر؛ للتمهيد للانتخابات الرئاسية، حيث ستتحدد السياسة في مصر وفق ما يجري من تنافس، أو تسويات اقتصادية، فسياسات السوق، والمنخرطون فيها باتت تصنع السياسة وتسبقها، سواء في مصر أو الإقليم أو العالم، ويستكشف أيضا في مقال آخر رسائل، ما بعد الانتخابات محاولا تحديد طبيعة نوعية السياسة التي قد يجري استعادتها في مصر بعد الانتخابات. إذ يرى أن هناك خيارين أحدهما، استمرار ما هو قائم من سيطرة أمنية على المجال العام، والآخر تخفيف تلك السيطرة عبر الانتقال المرن من سردية البطل المخلص إلى الرئيس المسيطر، وتهيئة المجال العام للانتخابات التشريعية والمحلية والوصول إلى تسويات مع شبكات نظام مبارك.

وبينما يضع شريف الهلالي توصيات رئيسية، تضمن انتخابات رئاسية تنافسية وعادلة، بما يقتضي وجود ضمانات سياسية وتشريعية وحقوقية وإعلامية، يحلل الدكتور عمرو هاشم ربيع الكتلة الغائبة في الانتخابات الرئاسية، وهم المصريون في الخارج، كما يسلط الضوء في مقال آخر على التوعية، والتثقيف الانتخابي؛ لضمان المشاركة الشعبية، وهي المهمة التي ينبغي أن يتشارك فيها كافة الفاعلين السياسيين، وليس هيئة إدارة الانتخابات فقط.

ويتجاوز أيضا عبد العظيم حماد، في مقال آخر اللحظة الراهنة للانتخابات الرئاسية محاولا التنبؤ، بماذا سيحدث عام 2030، بعد انتهاء فترة الرئاسة الجديدة، والتي من المفترض أن تكون الأخيرة للسيسي. إذ يضع شروطا للتحول الديمقراطي منها، تطبيع الحياة السياسية المصرية، وتفعيل أدوات الرقابة والمساءلة البرلمانية، وعدم انحياز مؤسسات، وأجهزة الدولة تجاه أي مرشح، والأهم بناء الثقة، فيما بعد الانتخابات الرئاسية، عبر التزام الرئيس بعدم تغيير الدستور لفتح مدد الرئاسة مرة أخرى.

أخيرا، ينتهي هذا الملف بحوارات، يجريها لؤي هشام مع خبراء أجانب في شؤون الشرق الأوسط، حول طبيعة رؤى القوى الإقليمية والدولية لانتخابات الرئاسة في مصر، والتي يظهر في بعض جوانبها أن السيسي لا يزال يمثل “الخيار المريح” لتلك القوى؛ لدعم مسار الاستقرار في المنطقة، لكن بشروط، بعضها تتجلى أكثر لدى القوى الخليجية، خاصة السعودية والإمارات، والتي اتجهت لسياسة “لا شيكات على بياض” في التعامل مع مصر.