تحفظ رئاسي على التدخل الأجنبي…والبطريرك خارج “بغداد”

أزمة رئيس الجمهورية العراقية”عبد اللطيف رشيد”، وبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق، والعالم”الكاردينال لويس ساكو” لا تزال قائمة، بعد مرور نحو شهرين على سحب مرسوم، كان يمنح السلطة الإدارية لرئيس الكنيسة الكلدانية على أوقاف المسيحيين. إزاء المرسوم الرئاسي، انسحب الكاردينال الكلداني، من المقر البطريركي في العاصمة العراقية “بغداد”، متجهًا إلى أحد الأديرة بإقليم كردستان منتصف يوليو الماضي، ذلك احتجاجًا على مرسوم سحب صلاحياته الإدارية، والذي حمل رقم 147 لعام 2013، بعد أن عينه بابا الفاتيكان بطريركًا للكلدان بالعراق، والعالم قبل نحو 10 سنوات.

ويعد البطريرك “لويس روفائيل ساكو” رئيسًا للكنيسة الكلدانية في العراق، والعالم بعد انتخابه من مجلس الفاتيكان، وأحد أفراد الحكومة الفاتيكانية بوصفه “كادرينال”.

وجرى انتخابه قبل 10 سنوات، من قبل عشرين مطران في العراق والعالم، وبهذا – حسب القانون الكنسي- يعد وصيًا شرعيًا لإدارة ممتلكات كنائس، وأديرة الطائفة الكلدانية في العراق.

فالرئاسة العراقية، ما تزال مصرة على موقفها من سحب المرسوم، وفق ما اعتبرته تصحيحًا، لخطأ دستوري وقع فيه الرؤساء السابقون، دون استهداف لمكانة، وموقع البطريرك- حسب بيان رئاسي- صدر في منتصف “يوليو/تموز” الماضي عقب لقاء الرئاسة العراقية مع القائم بأعمال السفارة الفاتيكانية بالعراق.

يأتي ذلك تزامنًا مع إصرار البطريرك لويس ساكو، على إقامته بمدينة أربيل-عاصمة إقليم كردستان/ شمال العراق، منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، احتجاجًا على المرسوم الرئاسي الذي اعتبره استهدافًا شخصيًا، لصالح “ريان الكلداني”- زعيم حركة بابليون- إحدى ميلشيات الحشد الشعبي، والمدرج على قائمة العقوبات.

لكن خبراء قانونيين يعتقدون، أن ثمة مخرج لحل أزمة الكنيسة العراقية، يتلخص في إمكانية رئيس العراقي سحب المرسوم وفقًا للمادة 73 من الدستور العراقي، والتي تمنحه صلاحية إصدار المراسيم، وسحبها.

في حين، يرى المطران حبيب هرمز -رئيس أساقفة إيبارشية جنوب العراق- أن الحل الأمثل لأزمة الكاردينال الكلداني “لويس ساكو”، هو مرسوم جديد، أو قرار قضائي بتولية البطريرك، لافتًا إلى، أنه في حال فشل القضاء سيتم اللجوء إلى تدويل القضية، وتدخل الأمم المتحدة.

بداية القصة

في الثالث من يوليو/تموز الماضي، أصدر الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد مرسومًا جمهوريًا، يقضي بسحب المرسوم الجمهوري رقم 147 لسنة 2013، الخاص بتعيين البطريرك لويس ساكو، بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم، ومتوليًا أمر أوقافها.

وتعتبر الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كبرى الطوائف المسيحية في العراق. ويصل عدد اتباعها إلى نحو  640,828 شخصًا، معظمهم في شمال العراق.

إزاء المرسوم الرئاسي، انسحب الكاردينال الكلداني، من المقر البطريركي في العاصمة العراقية “بغداد”، متجهًا إلى أحد الأديرة بإقليم كردستان منتصف يوليو الماضي، احتجاجًا على مرسوم سحب صلاحياته الإدارية، والذي يحمل رقم 147 لعام 2013، بعد أن عينه بابا الفاتيكان بطريركًا للكلدان بالعراق، والعالم قبل نحو 10 سنوات.

ويعد البطريرك “لويس روفائيل ساكو” رئيسًا للكنيسة الكلدانية في العراق، والعالم بعد انتخابه من مجلس الفاتيكان.

كما أنه أحد أفراد الحكومة الفاتيكانية بوصفه “كادرينال”، وجرى انتخابه قبل 10 سنوات من قبل عشرين مطران في العراق والعالم، وبهذا – حسب القانون الكنسي- يعد وصيًا شرعيًا لإدارة ممتلكات كنائس، وأديرة الطائفة الكلدانية في العراق.

وفي تصريحات له عقب أزمة “المرسوم الرئاسي”، ندد “ساكو” بما اعتبره حملة منظمة، تشنها ضده حركة “بابليون” المسيحية.

وبعث برسالة للرئاسة العراقية قال فيها، إن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد يحقق رغبة زعيم كتائب بابليون (فصيل مسيحي مسلح منضوي في الحشد الشعبي) ريان الكلداني، ولتكتمل هذه اللعبة تعيين إخوته، وأقاربه، والمقربين منه مسؤولين عن أوقاف الكنيسة”.

وتعد “حركة بابليون” برئاسة “ريان الكلداني” إحدى الحركات الممثلة في البرلمان العراقي، وتنضوي تحت لواء الحشد الشعبي.

تأسست كفصيل مسلح عام 2016، مع بدء عمليات تحرير الأراضي من قبضة تنظيم داعش، وشاركت بالعمليات؛ لتنضم بعدها للحشد الشعبي، قبل أن تسيطر على المقاعد الخمسة الخاصة بالمكون المسيحي في البرلمان.

غير أن ثمة تراشق اتهامات بين زعيمها “ريان الكلداني”، والبطريرك “ساكو” بمحاولة الاستيلاء على مقدرات المسيحيين.

تداعيات الأزمة “الرئاسية-الكنسية”

بمحاذاة الأزمة، ورغم أن موقف الفاتيكان لم يعلن بعد بشكل رسمي- حسب تصريحات مطران الكلدان بالقاهرة بولس ساتي- أعربت سفارة الفاتيكان بالعراق عن أسفها، إزاء سحب مرسوم تعيين البطريرك “لويس ساكو”، معتبرة القرار الرئاسي، بأنه سابقة لم تحدث من قبل.

وضمنت بيانها، ما يشير، بأن ثمة تعامل غير لائق مع البطريرك كوصي على ممتلكات الكنيسة الكلدانية، لافتة إلى أن الأب تشارلز لوانغا سوونا- القائم بأعمال السفير الفاتيكاني بالعراق- أبلغ الرئاسة خلال لقاء في “يوليو/تموز” الماضي، بأن إدارة ممتلكات الكنيسة – على النحو المنصوص عليه في الدستور العراقي – يجب أن تستمر بحرية من قبل رؤساء الكنائس، وعلى المستوى العملي، أي أمام المحاكم العراقية والمكاتب الحكومية.

وفي تصريحات لـ”مصر360″ يقول مطران الكلدان الكاثوليك بمصر بولس ساتي: إن موقف الفاتيكان حيال الأزمة الراهنة سيعلن في وقته، لكن الضغوط لن تتوقف لحين عودة البطريرك “لويس ساكو” إلى مقره البابوي بالعاصمة العراقية بغداد.

وعلى الصعيد ذاته، يرى النائب السابق جوزيف صليوة، أن التاريخ المعاصر، ومنذ عام 1921، لم تشهد البلاد واقعة كهذه، مشيرًا إلى، أن أسبابًا سياسية وراء استهداف البطريرك، والممتلكات الكنسية الكلدانية.

غير أن الرئاسة العراقية ردت في بيانات مماثلة على اتهامها؛ باستهداف رئيس الكنيسة الكلدانية، بأن المرسوم الجمهوري رقم 147 لا ينتقص من الوضع الديني، والقانوني للبطريرك ساكو، كونه معينًا من قبل الكرسي البابوي بطريركًا للكنيسة الكلدانية بالعراق، والعالم.

تدخل أمريكي في الأزمة العراقية

حيال إصرار الرئاسة العراقية على موقفها من مرسوم إلغاء تعيين البطريرك لويس ساكو، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة، بعد أن ندد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “ماثيو ميلر”، بما اعتبره “مضايقات يتعرض لها الكادرينال ساكو” .

أعربت الولايات المتحدة، عن قلقها إزاء “مضايقات سياسية” يتعرض لها بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق الكاردينال، لويس روفائيل ساكو، مناشدة إياه العودة إلى بغداد.

وندّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر بـ “مضايقات يتعرّض لها الكاردينال ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية”، وأعرب عن أسفه لمغادرته بغداد، وقال: “نحن قلقون لتعرّض موقع الكاردينال بصفته زعيما محترما للكنيسة” لمضايقات من جهات عدة.

ويشير مطران الكلدان بالقاهرة “بولس ساتي” في تصريحات لـ”مصر360″، تعقيبًا على التدخل الأمريكي في أزمة “البطريرك ساكو” إلى أن التدخل الأجنبي في القضايا المحلية بالدول العربية مرفوض إجمالًا.

ويستطرد: “مع استمرار أزمة البطريرك الكلداني، وتهديده بدعاوى قضائية، سيصبح التدخل هو الحل”.

وساطة “الكنيسة المصرية”

وفي مقابلة مع البابا تواضروس الثاني- بابا الإسكندرية- بطريرك الكرازة المرقسية، في أغسطس الماضي، ألمح مطران الكلدان بالقاهرة “بولس ساتي” إلى أن البطريرك المصري مطلع على تفاصيل الأزمة-على حد قوله-.

خلال المقابلة، طلب الكنيسة الكلدانية بالقاهرة مشورة البابا تواضروس في حين، أنه أشار ضمنيًا – على حد قول مطران الكلدان- إلى طرح الأمر على مجلس كنائس الشرق الأوسط، لاتخاذ خطوة حيال الأزمة بين الكنيسة، والرئاسة العراقية.

قبل ذلك، بعثت الكنيسة الكلدانية بخطاب إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتضمن مناشدة للتدخل لدى الرئاسة العراقية؛ لحل الأزمة، باعتباره رئيسًا لأكبر دولة عربية- حسب قول مطران الكلدان.

يأتي ذلك بالتوازي مع تأكيده على أن البابا فرنسيس – بابا الفاتيكان- يترقب الإطار القانوني غير الواضح بالأزمة الراهنة، مشيرًا إلى، أنه سيتدخل نظير كون البطريرك العراقي جزءًا من الحكومة الفاتيكانية، لكن الأمور لن تظهر كلها في اللحظة الراهنة-على حد تعبيره.

المدى الزمني لحل الأزمة

بالمقابل، وعلى الصعيد الشعبي، أبدى مسيحيون عراقيون ردود فعل غاضبة من القرار الرئاسي الصادر -عن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد- بسحب المرسوم الجمهوري الذي يقضي بتعيين بطريرك الكنيسة الكلدانية، وما أعقبه من صدور قرار باستدعائه للمثول أمام القضاء؛ نظير دعوى قضائية مقامة من رئيس حركة “بابليون” ريان الكلداني.

وصدر قرار قضائي في 12 يوليو/ تموز الماضي من محكمة النشر والإعلام، يقضي باستقدام البطريرك “ساكو” بناء على دعوى قذف، وتشهير أقامها ضده “ريان الكلداني” وفق المادة 433 من قانون العقوبات العراقي.

غير أن “دريد جميل أيشوع”- أحد نواب الحركة بالبرلمان العراقي- نفى في تصريحات متلفزة- وقوف حركته، خلف قرار سحب المرسوم الرئاسي، لافتًا إلى أن الأوقاف المسيحية تخضع لرقابة ديوان أوقاف الأقليات، وأن ثمة تحفظ على مسألة بيع الكنائس، والمعالم التراثية المسيحية من قبل البطريرك “لويس ساكو”.

ويضيف: “الخلاف ما بين حركة بابليون والكاردينال لويس ساكو يتعلق برفض الأخير مشاركة المسيحيين في الحشد الشعبي، ومحاولة فرض سيطرة المؤسسة الدينية على القضايا السياسية للمسيحيين”.

لكن يونادم كنا- نائب عراقي سابق يقول، إن سحب المرسوم لن يزيح البطريرك، ولا حتى بابا الفاتيكان يستطيع إزاحته، متسائلًا:” إذا كانت الخطوة تصحيحًا لمسار دستوري، فما الخلفية الدستورية لمنح رئيس إيطاليا الوسام الأعلى؟”.

ويضيف، – في تصريحات متلفزة- أن السقف الزمني؛ لإنهاء الأزمة لم يعد قرارًا في يد البطريرك، بعد لجوئه للقضاء لمعالجة الأمر، وإنما هو مرهون بقرار الرئاسة العراقية.

يأتي ذلك اتساقًا مع رؤية مطران الكلدان بالقاهرة “بولس ساتي” في أن السقف الزمني بيد رئيس الجمهورية العراقي، إذا هو أراد إنهاء الأزمة بشكل سريع، عبر إعادة المرسوم الرئاسي بتعيين البطريرك.

ويستطرد قائلًا: “أما من ناحية البطريرك، فإن بيده ورقة العقوبات الكنسية، ضد تنظيم “بابليون” المناوئ له، ويستطيع تطبيقها بموجب صلاحياته الكنسية.