سئلت مؤخرا، هل تعتبر مخرجات الحوار الوطني – التي رفعت المجموعة الأولى منها للرئيس عبد الفتاح السيسي، بالفعل – مرآة لبرنامج الرئيس الانتخابي، ومن ثم مرآة لمخرجات الانتخابات الرئاسية المقبلة نفسها؟ بمعنى أنها ستشكل الخطوط العريضة للحياة السياسية في مصر في السنوات الست التالية، باعتبار أن مؤسسة الرئاسة هي قلب وعقل، ومعظم النظام السياسي المصري، مذ عرفت البلاد النظام الجمهوري، فما بالنا والنسخة الحالية من (الجمهورية)، هي أكثرها مركزية أو تمركزا وتعبئة وهيمنة!!

سئلت هذا السؤال بصفتي عضوا في مجلس أمناء الحوار الوطني، ضمن ممثلي الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة في هذا المجلس، وبصفتي – قبل ذلك وبعده – كاتبا صحفيا متخصصا، أو شبه متخصص في القضايا السياسية، وهذا وضع قد ينطوي على شيء من الحساسية؛ بسبب التناقض المفترض بين البوح والنقد، اللذين هما وظيفة الصحفي، وبين التحفظ والتفاهم خلف الجدران، اللذين يقتضيها العمل المؤسسي، مثلما هي حالة مجلس أمناء الحوار، وسائر محاوره ولجانه، ولكن لحسن الحظ هناك ما يكفي للتوقع، و إصدار الأحكام أو التقديرات، سواء مما سبق لي كتابته، أو مما كتبه أو صرح به غيري من المنخرطين في مجريات الحوار الوطني، أكان هذا الانخراط علنا،أو في الكواليس؟.

سبق لي القول، إن من أهم دوافع، ومن ثم أهداف المبادرة الرئاسية بالدعوة إلى حوار وطني، هو ضمان إخراج أكثر لياقة، أو  أقل إحراجا – في الداخل والخارج – لانتخابات الرئاسة عام ٢٠٢٤، وليس في هذا ما يعيب الحكم أو المعارضة، فهذه طبيعة السياسة في الأوقات العادية، وهو أوجب وأكثر إلحاحا في أوقات الأزمات، وانسداد قنوات التعبير والتواصل والتفاهم، إذ أنه من الأفضل أن  يهتم النظام بتحسين صورته، لدى مواطنيه وفي العالم الخارجي، بدلا من أن يستمر على حالة الانغلاق والتوجس والعدوانية، تجاه الاختلاف في الرأي وتجاه المختلفين جميعا، كذلك من الأفضل أن تتجاوب المعارضة الجادة؛ بهدف توسيع مساحة حركتها، و تدريب النظام على المرونة والاسترخاء نسبيا، أملا في تطبيع الحياة السياسية في البلاد، ولو تدريجيا، بدءا بتصفية حالات السجن، والحبس لأسباب سياسية – لا تتضمن عنفا أو  تهديدا به أو تحريضا عليه – وذلك بدلا من الاستمرار في مخاصمة الواقع، والرهان على مجهولات، قد لا تأتِ، وقد تكون شديدة الخطورة، إذا باغتت الجميع. غير أني كتبت أيضا، أن التفاؤل بهذا المسار المحدود أصلا يجب أن يكون حذرا؛ بسبب وجود مقاومة مؤكدة من دوائر كثيرة في بنية النظام للانفتاح، أو لتطبيع الحياة السياسية، ولو بالتدريج، وعلى مدى طويل، يحسب بالسنين، وليس بالشهور.

كانت هذه المقاومة أو المقاومات هي التي عطلت طويلا تنفيذ الضمانات المتفق عليها قبل بدء الحوار ، خاصة ما يتعلق بتحرير السجناء والمحبوسين، ووقف أية ملاحقات جديدة لأسباب سياسية، وبذلك، وبرغم أن الحوار يوشك أن ينتهي، إما بوضع أوزاره، وإما بطرح ثماره، فإن ملف السجون والحبس الاحتياطي لأسباب سياسية لم يصل بعد إلى نهايته المأمولة، بل لما يقترب من هذه النهاية، رغم أننا بالقطع نرحب بحالات  العفو  الرئاسي، وبقرارات النيابة العامة بالإفراج عن محبوسين احتياطيين، ونقدر ما بذل لأجلها من جهد، من قيادات الحركة المدنية، ومن مسئولين في الجهات الرسمية الراعية للحوار.

قد يكون من الواجب انتظار اكتمال أعمال المحور السياسي للحوار الوطني على وجه الخصوص، وكذلك انتظار البرنامج الانتخابي للرئيس السيسي، كما قلت في أخر سطور المقال السابق هنا، وذلك للإجابة الكاملة والنهائية على السؤال الذي أشرت إليه في بداية هذا المقال، ولكن قد يكون مفيدا، ومهما أيضا لفت الأنظار، منذ الآن إلى عدم كفاية مخرجات فضلا عن مجريات الحوار الوطني  المعلنة حاليا، والمتوقعة قريبا؛ لحلحلة الأزمة السياسية الشاملة في البلاد، والتي يمكن تلخيصها في احتكار القرار وصنع السياسات، وتحديد الأولويات، وذلك في إطار حالة إقصاء، وملاحقة وتصنيع موالاة برلمانية وإعلامية، وبالتالي عدم كفاية هذه المخرجات؛ لعلاج ما ترتب على تلك الأزمة السياسية من أزمات اقتصادية، ومعيشية واجتماعية. إلخ. ومن ثم عدم كفايتها أيضا لخلق المساحات المشتركة، وتأسيس الجمهورية الجديدة التي حددها الرئيس السيسي نفسه هدفا للحوار الوطني، ونتيجة له، وأخيرا نلفت النظر إلى عدم كفاية تلك المخرجات؛ لترتيبات أقل إحراجا للانتخابات الرئاسية المقبلة، أمام المتابعين في الداخل والخارج.

لفت الأنظار هذا موجه إلى جميع الأطراف، ولكنه موجه بصفة خاصة إلى الدوائر المقاومة للانفتاح، ولتطبيع الحياة السياسية المصرية داخل النظام نفسه.

فمثلا، من الانتقادات التي وجهت علن، ومن داخل المحور السياسي في الحوار الوطني في تصريحات لـعدد من المنصات القادرة عل النشر (منها مدي مصر ) أن بعض مقرري لجان المحاور الثلاثة (السياسي والاقتصادي والاجتماعي)، لديهم شعور بأن مجلس الأمناء تعامل مع التوصيات التي قدموها بصفته رقيبًا على الحوار، وليس منظما له، مشيرًا إلى أن المجلس أعطى لنفسه الحق في إضافة، وحذف بعض التوصيات قبل إرسالها إلى رئيس الجمهورية، حيث ركز المجلس في التوصيات على جوانب تشريعية، واستبعد مقترحات قُدمت للسلطة التنفيذية، وفقا لتصريحات دكتور مصطفى كامل السيد، المقرر المساعد للمحور السياسي لمدى مصر، الذي أشار أيضا إلى، أن المجلس لم يدع مقرري المحاور الثلاثة لحضور جلسة إعداد التوصيات، وبالطبع انتقدت الحركة المدنية، خلو التوصيات النهائية من إلغاء تعديلات عام ٢٠١٣، لمواد الحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية، ومن المطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي، ممن لم يدانوا بأعمال عنف أو تخريب، ووقف الملاحقات الأمنية؛ بسبب التعبير السلمي عن الآراء.

قلت قبل قليل، إنه من الواجب انتظار اكتمال الحوار، وانتظار إعلان برنامج الرئيس، ولكن كان من الواجب أيضا لفت الأنظار إلى عدم كفاية النتائج الحالية، والانتباه والتنبيه إلى تضمين القضايا الجوهرية، في توصيات الحوار التي يفترض أنها ستكون مرآة للبرنامج وللخطاب الانتخابي للرئيس ، فلا زيادة أعضاء مجلسي البرلمان  ،ولا تعديل قانون الانتخابات المحلية، ولا حتى إنشاء مفوضية مكافحة التمييز، هي ما سيؤسس للجمهورية الجديدة، ويخلق المساحات المشتركة مع تجاهل الحريات العامة، والنقابية والأكاديمية، و استمرار حصار الأحزاب، والحبس الاحتياطي، والتضخم وغلاء الأسعار والبطالة، وضعف مخصصات التعليم، والرعاية الصحية، واحتكار القرار في كل المجالات، وتغييب الرقابة البرلمانية، ورقابة الرأي العام إلخ.

ألا هل قد بلغت؟

اللهم فأشهد، وأنت خير الشاهدين، وليشهد أيضا الزملاء والقراء.!