نشرت دورية فورين بولسي الأمريكية مقالا للكاتب المختص في شؤون الشرق الأوسط ستيفن كوك، تناول المقال أهداف الاستثمارات السعودية في مجال الرياضة والفنون.

استثمرت المملكة العربية السعودية بكثافة في الرياضات الدولية؛ لتحسين صورتها، فيما يعرف -كما يقول المقال- باسم “غسيل الرياضة”ـ فقد أعلن صندوق الاستثمار السعودي عن الاستحواذ على حصة بقيمة 100 مليون دولار، في رابطة المقاتلين المحترفين للفنون القتالية المختلطة، ومقرها الولايات المتحدة.

على الرغم من أنه من غير المرجح أن يثير هذا الاستحواذ، نفس القدر من الضجة مثل، الإعلان عن شراكة “لايف جولف” المملوكة للسعودية مع جمعية محترفي الجولف، إلا أن هذه الخطوة تظهر، أن ذلك لم يمنع الرياض من توسيع محفظتها من العقارات الرياضية.

بالإضافة إلى دخولها في لعبة الجولف، والفنون القتالية المختلطة حالياً، يمتلك صندوق الاستثمار السيادي فريق نيوكاسل يونايتد الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويدور حديث آخر عن استثمار كبير في التنس.

كما تصدر السعوديون عناوين الأخبار من خلال التعاقد مع بعض أكبر الأسماء في كرة القدم الدولية؛ للعب في دوري المحترفين في المملكة، وبصرف النظر عن كريستيانو رونالدو، ونيمار جونيور، وكريم بنزيمة- الذين وقعوا عقودًا تبلغ قيمتها مجتمعة حوالي 600 مليون دولار، هناك ما لا يقل عن عشرين لاعب كرة قدم آخرين، تركوا بطولات (ودوريات) مرموقة للعب في المملكة.

تسبب استثمار السعودية في الرياضة الدولية، النظام السياسي للبلاد للانتقادات من جميع النشطاء، والصحفيين والمحللين والسياسيين الأمريكيين، والذين قالوا، بأن السعوديين يستخدمون الاستثمار في رياضات، كالجولف وكرة القدم؛ لإخفاء سجلاتهم في مجال حقوق الإنسان، وغيرها من الجرائم التي قاموا بها، لكن هذا الهدف لم ينجح، بحسب فورين بولسي.

هناك الكثير من القصص التي تروى تفاصيل جرائم حكام السعودية، وخاصة ولي العهد محمد بن سلمان، ومع كل إعلان عن استثمار صندوق الاستثمارات العامة في الدوري، أو شراء فريق، أو الكشف عن عقود كبيرة لنجوم كرة القدم، تتكرر الأحاديث عن تفاصيل انتهاكات حقوق الإنسان مثل، مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أو الاعتداءات الأخيرة، مثل ما يثار عن القتل الجماعي المزعوم للمهاجرين الإثيوبيين على الحدود السعودية اليمنية.

وكذلك الحكم بالإعدام على مدرس متقاعد، يبلغ من العمر 54 عامًا، يُدعى محمد الغامدي؛ لإعادة نشر انتقادات لولي العهد على حسابه الشخصي بتويتر، فيما  حسابه على اليوتيوب لا يتابعه أكثر من 10 أشخاص.

تحاول السعودية إقناع العالم، بأنها ليست فقط أكبر محطة وقود، ولكنها أيضًا لاعب مهم في العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك التمويل والتكنولوجيا المتقدمة، والجغرافيا السياسية والفنون والترفيه والرياضة، لكن الاتهامات المتعلقة بحقوق الإنسان تعوق أهداف القيادة السعودية.

وبالتالي، تتوافق استثمارات لايف جولف، ونيوكاسل يونايتد، وغيرها من الاستثمارات الرياضية مع رؤية 2030، وهي خارطة طريق، ومنصة تسويقية لمشروع محمد بن سلمان الطموح للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي.

وبالإضافة إلى الرياضة، تلزم رؤية 2030 المملكة بالاستثمار في السياحة والتكنولوجيا، ويهدف الكثير من هذا إلى تغيير “السردية: الصورة النمطية” حول السعودية من دولة يهيمن عليها النفط، والدين إلى دولة حديثة، وتقدمية ومتطورة- أو بتعبير أدق “الجزيرة العربية الرائعة”.

أحلام ابن سلمان

كانت الإصلاحات الاجتماعية الأخيرة في المملكة العربية السعودية؛ تهدف إلى جذب الاهتمام الدولي أكثر من تحسين حياة مواطنيها في الداخل.

فمثلا: قبل خمس سنوات، كانت مدينة العلا السعودية- موطن بعض من أروع الآثار في العالم، وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو- مدينة هادئة لم يشاهد سوى القليل من كنوزها، ولا يوجد بها مكان؛ لإقامة الزوار بها، أصبحت اليوم تضم مجموعة متنوعة من أماكن الإقامة الفاخرة التي تجذب السياح الأثرياء، ورواد المؤتمرات من جميع أنحاء العالم.

وفي وقت مبكر من عام 2023، أعلن السعوديون عن استثمارات كبيرة في مجال التكنولوجيا لشركات عملاقة مثل، مايكروسوفت وأوراكل، وهواوي.

وفي أغسطس، أعلن ولي العهد عن مبادرة بقيمة 200 مليون دولار، تعزز جزئياً التطبيق التجاري للبحث، والتطوير الجاري في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ومن غير المؤكد، ما إذا كان الاستثمار في التكنولوجيا سيستمر، لكن العناوين الرئيسية تعطي الانطباع، بأن المجتمع السعودي في حركة مستمرة؛ وأن الدولة أصبحت أكبر وأكثر جرأة، وأفضل من أي وقت مضى.

وبطبيعة الحال، لا يوجد شيء أفضل من مدينة نيوم المستقبلية التي أنشأها ولي العهد، والتي ظهرت في شمال غرب المملكة، دون سبب حقيقي، سوى أن محمد بن سلمان حلم بها (وعلى ما يبدو، أنه يقوم بتغيير رأيه بشأنها، كثيرًا، مما سرب الفزع إلى مخططيها).

وعندما سأل مجموعة من المحللين، المسئولين السعوديين من صندوق الاستثمارات العامة، ووزارة الاستثمار بعد وقت قصير من إعلان “نيوم” عن سبب هذا الاستثمار الضخم، أجابوا بسعادة بأن التوقعات “جيدة” بالنسبة للمدينة.

كما دعا السعوديون شركات الباليه الكبرى؛ لتقديم عروضها في جدة؛ واستضافوا  واحدة من أكبر الفعاليات الترفيهية في العالم؛ وقامت السعودية بعرض فيلم باربي، الذي تم حظره في الكويت، ولبنان والجزائر . (بالطبع، لا تزال السعودية– محافظة- فوفقاً لتقارير إخبارية، اضطرت مغنية الراب إيجي أزاليا إلى قطع عرض مجموعتها الاستعراضية في أواخر أغسطس في جدة؛ بسبب تقديمها للعروض بملابس تسببت بمشكلة.

الهدف إظهار قوة السعودية

لم تمثل جودة اللعب في بطولة “لايف جولف” للجولف مشكلة حقيقية لأصحابها– فكل ما يهم السعوديون أكثر، هو أن “لايف جولف” مستمرة في الوجود مثل نيوم، والتي استضافت احتفالًا ترفيهياً كبيرا.

وبالمثل، لم يكن هناك أي احتمال على الإطلاق، بأن اجتماع مستشاري الأمن القومي الذي عقده محمد بن سلمان في جدة في 5 أغسطس، كان سيؤدي لتعزيز السلام في أوكرانيا، بل كان الهدف هو إظهار قوة القيادة السعودية في الجمع بين مستشار الأمن القومي الأمريكي، ونظيره الهندي، ودبلوماسي صيني كبير وكبار المسئولين من 40 دولة أخرى.

وحقيقة حضور لي هوي، المبعوث الصيني الخاص للشؤون الأوراسية، بالنظر إلى حالة العلاقات الصينية الأمريكية، وعلاقة بكين مع موسكو، تمثل علامة مهمة للنفوذ  بالنسبة للسعوديين، وعلامة على أن الرياض تنتمي إلى فئة من أهم الجهات الفاعلة الدولية.

وعلى الرغم، من أن الرياضة والترفيه والفن والدبلوماسية تختلف بشكل واضح، إلا أنها جميعها تهدف إلى تأسيس دولة عربية “رائدة”.

المطلوب أكثر بكثير

في ذات الوقت، لا يمكن الإشارة إلى غرض ما فعله السعوديون، خلال نصف العقد الماضي، بكونه علاقات عامة، فقد قام ولي العهد بعمل إصلاحات حقيقية، بما في ذلك فتح الأماكن الثقافية لأولئك المهتمين بمشاهدة الأفلام، وحضور مباراة الفنون القتالية المختلطة، أو الاستمتاع برقص الباليه.

لكن الطفرة المفاجئة في الأنشطة، والاستثمار في العديد من القطاعات، تبدو غير واقعية، مدينة نيوم، والقمة حول أوكرانيا، والاستثمارات في الرياضة والثقافة والترفيه، هي محاولة متباهية؛ لإقناع العالم بأن محمد بن سلمان يعمل على عكس سلوكيات أعمامه في الماضي، وأنها ستصبح محركًا عالميًا في عهد ولي العهد.

ولكن إذا أرادت السعودية ذلك، فسوف تحتاج للقيام، بما هو أكثر بكثير من مجرد توزيع مبالغ ضخمة من المال على نجوم كرة القدم، وإن لم تفعل، فإن محمد بن سلمان لن يكون أكثر من مجرد مدير حلبة في السيرك الخاص به.