خرجت “المرحلة الأولى” من توصيات مخرجات الحوار الوطني في حوالي ٤٢ صفحة، تضمنت نقاطا كثيرة بعضها جديد وجريء، وبعضها الآخر سلبي، وبعضها الثالث، كان تفصيليا وجزئيا، ويبقى التحدي الرئيسي في كون هذه التوصيات تحتاج إلى إطار، أو أداء سياسي جديد، ومختلف حتى يمكن تنفيذها.
المرحلة الأولى
نشرت الصحف مخرجات الحوار الوطني تحت عنوان توصيات لجان الحوار الوطني “المرحلة الأولي”، بما يعني أن هناك مرحلة ثانية قادمة، قد تعالج أوجه القصور التي صاحبت المخرجات الأولى، وأن ما جاء فيها شمل جوانب متعددة بعضها إيجابي، يتعلق بقضية المحليات، حيث طالبت بضرورة إصدار قانون المجالس الشعبية المحلية، وسرعة إجراء الانتخابات، والنظر في وضع المدن في المجتمعات العمرانية الجديدة، والتأكيد على ضرورة مشاركة المواطنين في التخطيط وإدارة المشاريع والمرافق، كما طالبت التوصيات بتدريب أعضاء المجالس الشعبية، والمحلية وإعطائهم الحق في امتلاك آليات رقابية، ومنها السؤال والاستجواب، ووضع ضوابط محددة لها.
والمؤكد أن قضية المحليات كانت من أبرز التوصيات الإيجابية التي تضمنها الحوار الوطني؛ لأنها تجاوزت توصيات أخرى عامة، ومتكررة، تضمنها التقرير مثل، التأكيد على تشجيع الاستثمار، ودعم سياسة الشباك الواحد التي كررتها عشرات الهيئات، وطالب بها خبراء اقتصاديون ورجال أعمال أكثر من مرة، كما أشير إلى قضية دعم العمل التعاوني، والأهلي ومقترحات بتعديل قانون الجمعيات الأهلية، والتوصية بإطلاق استراتيجية جديدة لريادة الأعمال، وتسريع وتيرة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في حين أن المطلوب معرفة أسباب تعثر هذه التجربة، وأن تكون التوصيات المقترحة مرتبطة بالمشاكل التي واجهتها في الواقع، وليس الأمنيات الطيبة، ونفس الأمر ينسحب على التوصية بالسماح للمجتمع المدني بالمشاركة في العملية التعليمية، في وقت تعاني منظمات المجتمع المدني من قيود كثيرة، ومن ارتباط كثير منها بتوجيهات الدولة، مما يصعب من قدرتها على المساهمة الخلاقة في العملية التعليمية، وسيضعف من مصداقياتها، وقدرتها على الفعل في المجال العام.
قضايا أخرى
تعرضت توصيات المرحلة الأولي لقانون الانتخابات، وقدمت ثلاثة مقترحات الأول، أبقى على القانون الحالي الذي يقسم الجمهورية إلى ٤ قوائم تضم ٥٠٪ من مقاعد البرلمان، والـ ٥٠٪ الأخرى، تُجرى بالنظام الفردي، أما المقترح الثاني، فقد تضمن إجراء الانتخابات بنسبه١٠٠ ٪ بنظام القائمة النسبية، وتضم ١٥ قائمة على مستوى الجمهورية، أما المقترح الثالث، فقام على إجراء الانتخابات بالنظام المختلط بنسبة ٢٥ ٪ للقائمة المطلقة، ومثلها للقائمة النسبية، و٥٠٪ للنظام الفردي.
والحقيقة، أن المقترحات الثلاثة بدت معزولة عن الواقع الذي تجري فيه الانتخابات في السنوات العشرة الأخيرة، وخاصة مشهد انتخابات ٢٠٢٠، فقد بلغت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس النواب (2020)، 29% من إجمالي من لهم حق التصويت وفق الإحصاءات الرسمية في حين تحدثت تقارير كثير من الحقوقيين عن أنها لم تتجاوز ١٠ ٪.
والحقيقة، إن إصرار تيار المؤيدين على تبني نفس قانون الانتخابات الذي عرفته البلاد في ٢٠٢٠، حيث صمم بصورة تنزع عنه التنافسية، واعتمد نظاما مختلطا، ضم 4 قوائم انتخابية مطلقة، ومغلقة ضمت اثنين منها 100 مقعد، وضمت الأولى 11 محافظة، من الجيزة حتى الحدود السودانية، كما ضمت الأخرى 6 محافظات، بينها القاهرة في حين ضمت القائمتين الأخيرتين 42 مقعدا؛ ليصبح إجمالي مرشحي القوائم 284 مرشحا، أي نصف عدد البرلمان.
وقد سميت القائمة “الناجحة” باسم القائمة الوطنية من أجل مصر، وضمت معظم الأحزاب السياسية المؤيدة، وعلى رأسها حزب مستقبل وطن الذي حصد معظم عضوية القائمة، وبعده حزب مؤيد آخر، وهو الشعب الجمهوري، وحتى الأحزاب العريقة مثل، حزب الوفد الذي شارك في القائمة، وأصبح من المؤيدين.
وقد تكون هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات المصرية التي يكون انتخاب نصف عدد البرلمان عبارة عن تعيين، على قوائم، مضمونة النجاح فكل من جرى اختياره في القائمة، متيقن إنه سينجح، ولذا بدا لافتا تقريبا غياب الحملات الانتخابية لمرشحي القوائم، حتى أن كثيرا منهم نجحوا وهم في بيوتهم.
والحقيقة، إن التمسك بمقترح اتضحت سلبياته الفادحة في الانتخابات الأخيرة، خاصة بعد أن أدى إلى استبعاد الصيغة السابقة التي حافظت لعقود عن مساحة ” للتنفيس السياسي” تمتعت بها المعارضة، وساد انطباع لدى قطاع واسع من الناس بغياب استقلالية البرلمان عن أجهزة الدولة، فضعفت مصداقيته.
ومن هنا، يصبح السؤال، وبعد كل الأزمات التي تشهدها البلاد، هل المطلوب تكرار تجربة برلمان تابع للسلطة التنفيذية؟ أم برلمان يسيطر على أغلب مقاعده المؤيدون، ويعطي مساحة تتزايد مع الوقت، والممارسة للمعارضة، أم برلمان حر وديمقراطي كامل كما يتمنى كثيرون؟
يقينا تكرار تجربة النظام الانتخابي السابق مرة أخرى، سيقضي على أي فرصة لانتقال ديمقراطي، أو حتى في حفاظ البرلمان على حد أدنى من القاعدة الشعبية، والمطلوب البحث عن نظام انتخابي مختلط قوامه الرئيسي النظام الفردي بنسبة الثلثين، والقوائم بنسبة الثلث، وبشرط أن تكون قوائم محافظات، وأن يكون لكل محافظة قائمة خاصة بها (يمكن طبعا وضع بعض المحافظات في قائمة واحدة مثل، محافظات القناة وغيرها)؛ لتكون في حدود 22 أو 24 قائمة، بحيث يكون هناك منافسة يشعر بها الناخبون بين القوائم المختلفة، وهو أمر لم يتحقق في القوائم الأربع التي عرفتها انتخابات 2020.
علينا أن نفتح ملف الإصلاح السياسي، عبر قانون انتخابات جديد، يدعم التنافسية بين القوي السياسية، لا أن يلغيها، ويعرف أيضا حملات انتخابية قادرة على أن تجذب اهتمام الناس، ويفتح أيضا ملف الإصلاح الاقتصادي، ليس بالقول “دعم القطاع الخاص”، إنما معرفة الأسباب التي أدت لوجود بيئة غير تنافسية كبلت القطاع الخاص.