ثمة تساؤلات عدة باتت تفرض نفسها، إزاء النشاط الإسرائيلي، بدعم أمريكي، بشأن توسيع عمليات التطبيع مع الدول العربية، في ظل الحراك المكثف، الذي كشفته وسائل الإعلام الأمريكية، والمتعلق بمسار تطبيع العلاقة بين إسرائيل، والمملكة العربية السعودية.

وبالتزامن مع رغبة تل أبيب الجامحة؛ لتطبيع العلاقات مع الرياض، جاء الإعلان الإسرائيلي عن اللقاء السري الذي جمع بين وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش، ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في العاصمة الإيطالية روما الشهر الماضي، وهو اللقاء الذي أثار جدلا واسعا؛ بشأن الأسباب التي وقفت خلف رفع السرية عنه من جانب الخارجية الإسرائيلية في هذا التوقيت تحديدا، والذي كانت تعمل فيه الدوائر الإسرائيلية المعنية مع الإدارة الأمريكية؛ لعقد اجتماع جديد لمنتدى النقب في المغرب.

وتعمل الحكومة الإسرائيلية بخطوات ثابتة، ووفق خطة ممنهجة من أجل توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية، ونقل علاقتها بالأنظمة، والحكومات العربية من مستوى العلاقات السرية إلى العلن وفق اتفاقيات رسمية، مستغلة  في هذا الإطار مجموعة من الثغرات، ونقاط ضعف تلك الأنظمة في النفاذ نحو هدفها، تحت وطأة الضغوط التي تعانيها الأنظمة، والتي تتنوع بين تسهيلات مرتبطة  بتجاوز الأزمات الاقتصادية، والأمنية، والسياسية.

وفي 2020، وقعت أربع دول عربية، هي: الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، اتفاقيات إبراهام؛ لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

ومؤخرا، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت في تغريدة بحسابه على منصة “إكس”: أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية “التقيت مع مبعوث الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط بريت ماكجورك، ومساعدة وزير الخارجية باربرا ليف، حيث ناقشنا توسيع اتفاقيات إبراهيم إلى دول مركزية أخرى، مع الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل”.

خلال الفترة الأخيرة، ركزت تل أبيب جهودها مع عدد من الأنظمة، والمكونات العربية المأزومة؛ لانتزاع موافقتها على القرار الذي طالما تجنبته تلك الأنظمة، والحكومات لاعتبارات مرتبطة بغضبة شعوبها .

ليبيا الوصول للحكم ثمن التطبيع

ربما وجدت إسرائيل ضالتها في الحالة الليبية في التنافس بين المكونات السياسية في معسكري الشرق، والغرب الليبيين من أجل الوصول للحكم، عند إجراء الاستحقاقات الانتخابية، وفي هذا السياق كتب الجنرال عيران ليرمان، النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي، ونائب الرئيس الحالي لمعهد القدس للاستراتيجية والأمن في تقدير موقف، نشرته صحيفة هآرتس قبل عام ونصف، أن ” هناك مصلحة نشطة لبعض قوى السلطة في ليبيا في التحدث مع إسرائيل، والحصول على المساعدة السياسية أمام واشنطن، أولاً: وقبل كل شيء، استخباراتياً وعسكرياً.

ولم يكن لقاء (المنقوش- كوهين) السري في روما، الأول من نوعه بين مسئولين من كلا البلدين، لقد أجرت أطراف في ليبيا، ومسئولون إسرائيليون من مستويات مختلفة، خلال السنوات الماضية اتصالات سرية بعضها عبر الموساد “المخابرا الإسرائيلية”، وبعضها عبر جهاز الأمن القومي، حتى أن خليفة حفتر قائد قوات الشرق الليبي، صرح في عام 2021، أنه إذا فاز في الانتخابات الرئاسية فهو معنيّ بالتوصل إلى التطبيع مع إسرائيل. وفي العام نفسه، كشفت صحيفة هآرتس، أن نجل حفتر هبط سراً على متن طائرة خاصة في مطار بن جوريون.

وفي عام 2017، بادر رافائيل لوزون، وهو يهودي ليبي من مواليد بنغازي، ومقرب من القيادة الليبية إلى عقد اجتماع سري في رودس اليونانية بين وزيري الاتصال، والتعليم الليبيين مع وفد إسرائيلي. وزيرة المساواة الاجتماعية في ذاك الوقت جيلا عمليئيل، التي ولدت والدتها في ليبيا، ووزير الاتصالات في حينه أيوب قرا. وتحدث أحد الوزراء الليبيين في مؤتمر عن حق اليهود الليبيين في العودة إلى الدولة، والحصول على تعويضات عن الخسائر التي لحقت بهم. وبعدها بادر لوزون، رئيس الاتحاد اليهودي الليبي، إلى عقد اجتماعات إضافية بين مسئولين إسرائيليين وليبيين في روما، وتونس واليونان.

أما عن اللقاء الأخير بين المنقوش وكوهين، فإنه جاء في الوقت الذي استشعر فيه رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة القلق؛ بشأن بقائه في موقعه على رأس السلطة التنفيذية المعترف بها دوليا، خاصة بعدما تقاربت رؤية المبعوث الأممي لليبيا عبد الله باتيلي مع مجلسي النواب والدولة الليبيين؛ بشأن طبيعة المرحلة المقبلة، وتشكيل حكومة وحدة جديدة، تتولى التجهيز للاستحقاقات الانتخابية.

قلق الدبيبة جاء أيضا تحسبا؛ لتحول في الموقف الأمريكي، الداعم له، والذي كان يتبنى إشراف حكومته على التجهيز للانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي ربما دفعه للإسراع نحو الإسرائيليين؛ من أجل دعم موقفه عند الإدارة الأمريكية.

الصراع بين العسكريين والمدنيين مدخل للسودان

لم يختلف الأمر كثيرا في الحالة السودانية، ولعبت إسرائيل على الصراع بين المكونين المدني والعسكري، حول الحكم في السودان، وأخذت تعمل على التغلغل عبر تلك الانقسامات؛ من أجل الإفساح؛ لثغرة تمر من خلالها، وهو ما حدث بالفعل بِرهانها على حاجة المكون العسكري؛ لمكاسب تعومه في الشارع السوداني، وتعزز موقفه في مواجهة المكون المدني، وقوى الحرية والتغيير.

ففي فبراير 2020، جاء اللقاء التاريخي، بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية، وبعدها بثلاثة أعوام، وبالتحديد في فبراير الماضي، زار وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، الخرطوم والتقى بالبرهان أيضا.

وقال مجلس السيادة السوداني عقب اللقاء أن الاجتماع تطرق إلى سبل إرساء علاقات مثمرة مع إسرائيل، وتعزيز آفاق التعاون المشترك معها في عدة مجالات من بينها الأمنية والعسكرية.

وفي تفسيرها لاتجاه العسكر في السودان للتطبيع مع إسرائيل، تقول وزيرة الخارجية السودانية السابقة مريم الصادق المهدي، إن الشخصيات العسكرية القابضة على زمام الأمور رأت في التطبيع طريقًا مختصرًا؛ لإنهاء بعض مشاكلها، مضيفة أن العسكريين في إطار صراعهم مع المدنيين، وجدو في التطبيع مع إسرائيل؛ تعزيزًا لموقفهم دوليًا، خاصة حينما جعلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ذلك شرطًا لرفع السودان من قائمة العقوبات.

تونس التطبيع مقابل حياة أفضل

لم تستثن إسرائيل تونس من محاولات التطبيع، لكنها كان لها مدخل آخر في الحالة التونسية، عبر ضغوط مورست عليها؛ من أجل التطبيع مقابل منافع اقتصادية، لكن الرئيس قيس سعيد أغلق الباب تماما بسحب المصطلح من قاموسه السياسي؛ لطمأنة الجارة الجزائر التي تعتبر الملف تهديدا لأمنها القومي.

وتعد محاولات جرّ تونس إلى مستنقع التطبيع، أوّل الأهداف التي تعمل عليها “إسرائيل” حالياً، إذ أصبحت تونس بتاريخها إزاء الاحتلال الإسرائيلي في صلب اهتمام “تل أبيب”.

ربما تعتقد إسرائيل، أن تونس خاصرة رخوة، ما دامت هناك هشاشة في الوضع السياسي، وعجز في الوضع الاقتصادي، محاولة تركيع الموقف الرسمي التونسي بالمقايضة بالمساعدات الاقتصادية، ودعم موقفها؛ من أجل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.

جمهورية الصحراء نقطة ضعف المغرب

أما على الساحة المغربية، وجدت تل أبيب في الصراع بين الرباط، والجزائر حول الصحراء، منفذا للعبور، ونقل العلاقات بين الجانبين من خانة السرية إلى العلن، وتعزيز وجودها في شمال إفريقيا، عبر اتفاق على تطبيع العلاقات مع المغرب.

وفي السابع عشر من يوليو الماضي، أعلن الديوان الملكي المغربي، أن الملك محمد السادس، تلقى رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعلن فيها اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها.

وبحسب البيان، فإن إسرائيل “تدرس إيجابياً فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة”، تكريساً للقرار.

وفي التاسع عشر من الشهر ذاته، وجه العاهل المغربي دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، لزيارة المملكة، مشيدا باعتراف تل أبيب بسيادة المغرب على الصحراء.

وفي المقابل، كشفت تقارير دولية، أن المغرب قد يقيم علاقات كاملة مع إسرائيل، من خلال ترقية البعثات الدبلوماسية الحالية متوسطة المستوى إلى سفارات، مقابل اعتراف إسرائيلي بتبعية الصحراء للمغرب. فيما ربطت إسرائيل قرارها، بالاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، باستضافة الرباط لمنتدى النقب الذي تأجل أكثر من مرة.

 أنظمة هشة

الخلاصة، يمكن القول، إن هشاشة النظم العربية، وحالة الوهن التي وصلت إليها الجامعة العربية، بشكل جعلها منزوعة التأثير في الخلافات والصراعات العربية – العربية، وكذلك في التنسيق الجاد بين الدول الأعضاء؛ لمواجهة التحديات، فتح الباب على مصرعيه أمام تل أبيب؛ للعب على الثغرات التي تواجهها هذه الأنظمة، والحكومات العربية، والضغط من خلال نقاط ضعف تلك الحكومات؛ من أجل توسيع مساحة التطبيع العربي مع إسرائيل.