يوم السبت الماضي، بدأت اجتماعات مجموعة العشرين في دلهي بالهند. ومجموعة العشرين هي، منتدى للتعاون الاقتصادي والمالي بين دول، وجهات ومنظمات دولية، تلعب دورا محوريًا في الاقتصاد، والتجارة في العالم، وتجتمع سنويا في إحدى الدول الأعضاء؛ لمناقشة خطط الاقتصاد العالمي.

وتضم مجموعة العشرين، الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تسعة عشر دولة، هي: الولايات المتحدة الأمريكية، والصين وألمانيا والهند والمملكة المتحدة، واليابان وفرنسا وإيطاليا وكندا وروسيا، والأرجنتين والبرازيل، وأستراليا وإندونيسيا والمكسيك، وجنوب إفريقيا والمملكة العربية السعودية، وكوريا الجنوبية، وتركيا، بالإضافة إلى إسبانيا كضيف دائم.

وتمثل دول مجموعة العشرين 85%، من الناتج الاقتصادي العالمي و75%، من حجم التجارة العالمية، ويمثل مجموع سكان هذه الدول ثلثي سكان العالم. وقد أعلن رئيس الوزراء الهندي في خلال جلسة السبت الماضي، أن الاتحاد الإفريقي قد صار عضوًا جديدًا بالمجموعة، مما سيسهم بالتأكيد في زيادة النسب السابق ذكرها.

وتأتي أهمية اجتماع العشرين لهذا العام من وجهة نظر كاتب هذه السطور، إلى أنه قد تَلَى اجتماعات تكتل البريكس التي انعقدت، خلال الشهر الماضي في جنوب إفريقيا، والتي كان من أهم مقرراتها، أنها اعتمدت توسيع عضويتها بضم ستِ دول جديدة، هي: مصر وإيران، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية، وإثيوبيا والأرجنتين. وبحسبةٍ بسيطة، يمكن إدراك أن تكتل البريكس -بعد توسيع عضويته- قد صار يمتلك حصة ذات ثقلٍ من نوع خاص، بمجموعة العشرين التي تصدر قراراتها بالتوافق، إذ بلغ عدد أعضاء دول تكتل البريكس في مجموعة العشرين سبع دول، تُشَكِل نسبة تزيد عن 30% من المجموعة، بعد ما كانت 20% قبل قرار البريكس الأخير بتوسيع العضوية، وهو أمر سينعكس، دون شكٍ على قدرة البريكس التصويتية داخل مجموعة العشرين برسمِ حيازتها “للثُلث المُعَطِل”، ما لم تقرر المجموعة بدورها توسيعًا أكبر بعضويتها؛ كي يتم تحجيم أي تأثير محتمل للبريكس، علمًا بأن مجموعة العشرين لا تعتمد أسلوب التصويت في اتخاذ قراراتها التي يتم تمريرها بالتوافق.

في قمة دلهي التي لم يحضرها كل من الرئيس الصيني، والرئيس الروسي، سعت دول المركز -إن كان هذا الوصف ما زال صالحًا- وهي الولايات المتحدة، وأكبر دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان، من خلال الضغط الاقتصادى والسياسي على باقي دول مجموعة العشرين، لحثها على اتخاذ موقف حاسمٍ من الغزو الروسي لأوكرانيا، وإن كان هذا الضغط الذي ازدادت صعوبته بعد توسيع عضوية البريكس، قد تمت ممارسته بشكلٍ منفرد على طاولات ثنائية بعيدًا عن أضواء كاميرات الإعلام.

ربما يكون الضغط المُقابل أو -بمعنى أكثر وضوحًا- المصلحة التي يمكن لتلك الدول (خصوصًا الهند والمملكة السعودية) أن تحققها، هو ما دفع مجموعة العشرين هذه المرة؛ لاتخاذ موقف اعتُبِر إرضاءً لطرفي الأزمة، حيث خرج البيان الختامي مساء السبت؛ ليدين استخدام العنف؛ لتسوية النزاع في أوكرانيا، دون الإشارة لروسيا صراحةً.

لا شك عندي، أن ملفات العلاقة بين البريكس، ومجموعة العشرين -كتكتل مشترك متداخل الأطراف- وهي ملفات متشعبة، ترتبط بالأساس بسيطرة ونفوذ دُوَلِ البريكس على الممرات المائية الهامة للتجارة العالمية، وعلى وجه الخصوص، ما يتعلق منها بالغذاء والطاقة النظيفة (لم يتطرق البيان لأي دعوة للتخلي التدريجي عن استخدام الوقود الأحفوري)، قد طرحت نفسها محلًا للبحث والتفاوض، وإن لم تتضح النتائج النهائية لذلك بعد.

من زاوية أخرى، وبِحُكم المتغيرات الجيو سياسية التي يشهدها الواقع الدولي، فأظن أن مستقبل المؤسسات الدولية، ومن ضمنها مجموعة العشرين، قد صار على المَحَك، ليس فقط بسبب عضوية الكثير من دُوَلِه في البريكس، وتأثير ذلك على مستقبل العشرين من ناحية توازن القوى؛ لتحقيق أي توافق كما أسلفت، لكن أيضًا؛ بسبب الفشل الذريع الذي شهده الكثير من تلك المؤسسات في مواجهة أزمات إنسان هذا العصر؛ لشيخوختها وبيروقراطيتها، بخلاف هيمنة وسيطرة دول المركز على تلك المؤسسات، مما أعاق مرونة اتخاذ القرار وآليات التعاطي مع الأزمات المستحدثة. فعلى سبيل المثال، كانت كورونا أزمة كاشفة لمدى تهلهل منظمة الصحة العالمية، وكانت الأزمة الأوكرانية كاشفة لمستوى هشاشة منظمة التجارة العالمية، وهما منظمتان كانتا تتصفان بالحيوية، حين نشأتا في سياق دولي مختلف.

قناعتي الدائمة هي، أن الفكر لا يصنع واقعًا، لكن تطورات الواقع هي التي تخلق فِكرًا، يتعاطى معها، بما تقتضيه الأمور من جدية واجبة. والفِكر الذي يعكس الواقع، هو الذي يَنتُج عنه في نهاية الأمر اتفاقات تعاقدية، تفضي إلى تشكيل مؤسساتٍ، تُبَلوِر استراتيجيات، وأهداف ومعايير هذا الفِكر؛ فتضعها عنوان عمليُُ لأدائها في شكل إجراءات، ونظم ولوائح. وبالتالي فقد كانت رؤيتي التي عَبَّرت عنها بمقالاتٍ سابقةٍ بموقع “مصر 360″، أن مؤسسات دولية عتيقة أكل عليها الدهر وشرب، ستؤول إلى الاضمحلال، فالزوال بتراكم الإخفاقات المتتالية في التعاطي مع أزماتِ واقعٍ مختلف. الواقع الجديد يفرض سطوته، فها هي البريكس تطرح نفسها على الساحة الدولية كمؤثرٍ حيوي، يمتد فِعلُهُ؛ لتهديد تماسك مجموعة العشرين وغيرها، مما قد نشهد تبدل أحواله، خلال هذه العشرية الزاخرة بالأحداث الجسام.

*كُتِبَت هذه السطور مساء السبت بعد انعقاد الجلسة الافتتاحية لاجتماعات مجموعة العشرين.

** راجع مقالات كاتب هذه السطور في التحول نحو صيغ جديدة للتعاون الدولي.