واصل التضخم العام بمصر الارتفاع على صعيد سنوي خلال أغسطس الماضي، مدفوعًا بالصعود الكبير لأسعار الطعام، والمشروبات بنسبة تقارب الـ 72%.
تأثرت أسعار الطعام بتحريك سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري، وتعقيدات استيراد المواد الخام من الخارج مع أزمة العملة، وتباطؤ فتح الاعتمادات المستندية.
خلال عام، قفزت أسعار الحبوب والخبز بنسبة 48.6%، واللحوم والدواجن بنسبة 97%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 85.9%.
اما الألبان والجبن والبيض، فارتفعت بنسبة 69.5%، والزيوت والدهون بنسبة 30.1%، والفاكهة بنسبة 62%، والخضراوات بنسبة 98.4%، والسكر والأغذية السكرية بنسبة 39.8%، وارتفع البن والشاي والكاكاو بنسبة 77.8%،
يرجع أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي، ارتفاع التضخم محليًا إلى ارتفاع الأسعار السلع والمواد الأساسية عالميًا، مع ارتفاع الدين العام، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي الذي وصل إلى حوالي 113%، وكذلك وجود عجز بالموازنة العامة بقيمة 824 مليار جنيه.
ويشير شوقي، إلى آثار انخفاض قيمة الجنيه بنسبة تجاوزت 95%، منذ بداية الأزمة الروسيةــ الأوكرانية.
وخلال عام واحد، ارتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه بمستويات قياسية، إذ بلغ متوسط سعر الصرف نهاية أغسطس 2022 نحو 19.18 جنيها للشراء، و19.25 جنيها للبيع، بينما سجل بنهاية الشهر ذاته من العام الحالي. 30.84 جنيها للشراء، و30.93 جنيها للبيع.
زيادات الأسعار تطال جميع السلع
بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء، قفزت أسعار الأقمشة، خلال عام بنسبة 44.4%، والملابس الجاهزة بنسبة 22.1%، والأحذية بنسبة 22.6%.
لم يستثني من ذلك إصلاح الأحذية، والذي ارتفع 39.9%، بينما الإيجار الفعلي للمساكن ارتفع بنسبة 9.2%، وصيانة وإصلاح المساكن صعدت بنسبة 32%.
يقول شوقي، إن ارتفاع التضخم يتم التعامل معه بخفض الاستهلاك أو زيادة الإنتاج، والمفاضلة ما بين إدارة التضخم، وتحقيق الاستقرار المالي.
ويرجع سبب ارتفاع الأسعار إلى نقص السلع المعروضة، وليس زيادة الطلب عليها، وبالتالي لم تؤدي سياسة التشديد النقدي؛ لتأثير في احتواء معدل التضخم، والذي وصل لـ 40%، مقارنة بمستهدفات المركزي عند 5% ± 2%، ومستهدفات وزارة المالية في الموازنة العامة عند ١٦%.
طالت الزيادات في شهر أغسطس الماضي جميع المستلزمات الحياتية والصحية، بداية من الأثاث المنزلي كالسجاد، وأغطية الأرضيات الأخرى بنسبة 36.4%، والأجهزة المنزلية بنسبة 54.9%، والمنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة 20%، وخدمات المستشفيات بنسبة 31%، والنقل والمواصلات بنسبة 15.2%.
وامتد التضخم أيضًا إلى خدمات الاتصالات، والثقافة والفنون والجانب الترفيهي، إذ زادت أسعار مجموعة خدمات البريد بنسبة 16.7%، والصحف والكتب والأدوات الكتابية بنسبة 50.5%، والرحلات السياحية المُنظمَة بنسبة 5.4%.
وارتفعت أسعار الوجبات الجاهزة بنسبة 49.7%، والفنادق بنسبة 31.4%، والعناية الشخصية بنسبة 35.9%، والأمتعة الشخصية بنسبة 48.7%.
أما خدمات التعليم قبل الابتدائي والتعليم الأساسي، فقد ارتفعت بنسبة 8.5%، والتعليم الثانوي العام والفني بنسبة 3.5%، والتعليم العالي بنسبة 15.1%،
رفع الفائدة.. سلاح غير مجد في مواجهة التضخم
مع تلك الزيادات، يحذر خبراء من رفع أسعار الفائدة المتبع؛ لخفض التضخم تحاشيًا؛ لزيادة أعباء خدمة الدين (الفوائد)، والتي تمثل 37% بإجمالي 1.12 ترليون جنيه من إجمالي جانب المصروفات بالموازنة العامة، بينما تتوزع النسبة المتبقية على أبواب منها، الأجور وشراء السلع والخدمات والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية.
تميل غالبية توقعات الاقتصاديين حاليًا، أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي ستتجه نحو رفع سعر الفائدة، خلال اجتماعها يوم 21 سبتمبر.
ويرجع ذلك الخيار؛ لامتصاص التضخم، ومحاولة العودة به تجاه الأرقام المستهدفة، في الموازنة العامة للدولة التي لا تزيد على 16%، مؤكدين في الوقت ذاته صعوبة تحقيق مستهدفات البنك المركزي، بحصر التضخم في رقم أحادي (أقل من 10)، خلال العام الحالي.
يقترح شوقي خفض عجز الموازنة، والتوقف عن رفع أسعار الفائدة؛ لتأثيرها على مديونيات الحكومة والشركات، وتفعيل برامج الدعم النقدي، بدلاً من الدعم السلعي؛ لتوفير السيولة للمواطن المصري، وتوجيه الدعم للفئات الأكثر احتياجاً أو ضعفاً.
هذا بجانب تفعيل عقود التمويل بين الحكومة والمزارعين؛ لتوفير المنتجات الزراعية، واستقرار أسعارها، والقضاء على الحلقات الوسيطة التي تؤثر في ارتفاع الأسعار.
ودشنت وزارة التموين البورصة السلعية، كأحد وسائل تقليل حلقات التداول عن طريق جمع إنتاج صغار المنتجين، وتصنيفه وإتاحته على كل المتعاملين على منصة البورصة في شكل سوق منظم.
تساهم بورصة السلع في زيادة القدرة التنافسية، وتعطي آلية للتسعير من خلال آليات السوق، والمتمثلة في العرض والطلب، لكن لم تضم البورصة السلعية، سوى عدد محدود من السلع حتى الآن.
ويدعو شوقي، إلى التفعيل السريع لمؤشر الجنيه المصري، بدلاً من الارتباط بالدولار امريكي؛ للحد من السوق الموازي للعملة الأمريكية، وتركيز الإنفاق الحكومي والفردي في الفترة الحالية على الأولويات أولاً.
وكان حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، قد أعلن في أكتوبر 2022، عن دراسة البنك استحداث مؤشر للجنيه المصري، يقيس أداء العملة المحلية، مقابل سلة عملات وعناصر أخرى مثل، الذهب، مطالباً بفك ارتباط سعر صرف الجنيه بالدولار كعملة منفردة، خاصة أن مصر ليست من الدول المصدرة للبترول، لكن لم يتم إطلاق ذلك المؤشر حتى الآن.
الضرب بيد من حديد على التجار.. هل يجدي؟
ينتقد خبراء غياب الأنياب الحكومية بالتعامل مع السوق، ما أوجد قوى احتكارية تتلاعب بالأسعار، وتعمل على تعطيش السوق؛ لمنح الأسعار مزيدا من الارتفاع، مدللين بالسجائر التي سجلت ارتفاعًا بنسبة 57.6%، خلال عام واحد؛ بسبب احتكار التجار الكبار للسوق، رغم وجود المعروض المحلي لها.
لكن الدكتور أحمد جلال، وزير المالية السابق، يرفض سياسة “الضرب بيد من حديد على التجار”، معتبرًا أن التضخم ظاهرة ليست قاصرة على الفقراء فقط، ولكنها تمتد للطبقة المتوسطة، خاصة أصحاب الدخول الثابتة.
معتبرا التضخم مشكلة كل المشاكل، لأنها تعكس خللاً على مستوى السياسة النقدية والمالية، أو العرض والطلب والمنافسة.
يرفض جلال اقتراحات تثبيت سعر الصرف، لأن ذلك السلوك يحبس التضخم، لكن لا يتخلص منه، والدليل على ذلك، ما حدث في 2016، عندما جرى التعويم، وقلت قيمة الجنيه، وزاد التضخم، ومع تثبيت السعر مرة أخرى، قفز التضخم مجددًا.
وطالب بقدر بسيط من حركة سعر الصرف، حتى لا ينفجر التضخم” في وش الناس”، على حد تعبيره نصًا في جلسات المحور الاقتصادي في الحوار الوطني أخيرًا.