تدفع الظروف الاقتصادية الصعبة الحالمين بفرص أفضل للعيش إلى أفخاخ مكاتب، وشركات السفر المزيفة، وعصابات التهريب التي انتشرت في الآونة الأخيرة، مستغلة مواقع التواصل الاجتماعي.. في هذا التقرير، نستمع إلى قصص مجموعة من الذين سقطوا في الفخ، وتعرضوا للنصب بطرق مختلفة. وهم يبحثون عن طوق نجاة؛ لحياة أفضل، قبل أن تنتهي حكاياتهم بكوابيس، وضياع أموال، تم جمع بعضها بالاستدانة.

41 شخصًا ضحية واقعة نصب في المنيا

قصة عماد، 30 عاماً، سائق، وحاصل على دبلوم فني، بدأت بمشاهدته إعلانًا على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يطلب سائقين للعمل في السعودية، براتب شهري 2500 ريال سعودي، أي بما يعادل 666 دولارا أمريكي، إضافة إلى السكن والطعام، وخدمة الإنترنت.

العرض بالنسبة لعماد، كان مجزيًا، تواصل بسرعة مع  صاحب الإعلان الذي يُدعى “الأستاذ عبد العزيز”، والتقى به على إحدى المقاهي الشعبية في محافظة المنيا، واتفق على دفع 1000دولار أمريكي، تكلفة تأشيرة السفر، إضافة إلى تحمل العامل تكلفة تذكرة الطيران، ومصاريف الكشف الطبي.

ضاع التوكتوك وضاعت السفرية

باع عماد، مركبته النارية “توكتوك”؛ لتدبير ثمن تأشيرة السفر، الحلم الذي ينتظره، واتفق مع الوسيط على مساعدة 2 من أصدقائه، وجلب تأشيرات سفر لهما، على أن يدفع كلا منهما نفس المبلغ، لكن على أقساط؛ لعدم توفر المبلغ لديهما.

واحد من أصدقائه، اضطر إلى دفع 300 دولار أمريكي، وهي تكلفة رسوم تأشيرة السفر، والتي ارتفعت أسعارها.

يقول عماد فى حديثه لمصر 360: “قال لي سوف تلتحق كموظف بشركة في السعودية، وسوف تقوم الشركة؛ بإنهاء إجراءات الإقامة، دون تحميلك أي تكلفة مادية أخرى”.

لم يتشكك عماد، في شخصية الوسيط، أو تنتابه الظنون، الوسيط يتسم بسمعة طيبة في قريته بمركز بني مزار، بالمنيا، وليس هناك أي شكوك، أنه نصاب، أو يمكن أن يكون شريكاً في عملية نصب.

حتى، أن التأشيرة التي حصلوا عليها كانت صحيحة، وبالفعل تمكن الأصدقاء الثلاثة من السفر، ووصلوا إلى السعودية.

يضيف: “عندما وصلنا المطار، لم نجد أحد في انتظارنا، ولا وجود لشركة العمل التي سافرنا للعمل فيها، حاولنا الاتصال بالوسيط، لكنه لم يرد على اتصالاتنا، ووجدنا أنفسنا ضائعين في الشارع، وعلينا ديون يجب تسديدها”.

حاول عماد، وأصدقاؤه البحث عمن يساعدهم في الإقامة بالسعودية، وإيجاد فرصة عمل حقيقية؟، لكن لا حل ولا فرصة، وبعد مرور 3 أشهر من البحث، والمحاولات البديلة عن العودة إلى مصر، طلبوا من بعض المصريين هناك حجز تذاكر العودة، على أن تكون دينا جديدا عليهم على أن ترد هذه الديون إلى ذويهم.

محاولات استرداد الحقوق

في مصر، بدأت محاولات البحث عن الحقوق الضائعة، واسترداد أموالهم، وعقدوا العديد من الجلسات العرفية التي أوضحت، أن الوسيط له علاقة بالعميل صاحب الشركة في السعودية، لكنه حاول التهرب، مما دفعهم إلى تحرير محاضر ضده.

تبين فيما بعد، أن عماد ورفاقه، ليسوا وحدهم، سبق وحرر41 شخصًا محاضر، يشتكون فيها من عمليات النصب عليهم من الشخص ذاته، وبنفس الطريقة، وسُجلت الشكاوى في محضر مجمع برقم ٢٤٢٦ لسنة 2023.

يقول أحد العمال الذين سقطوا في فخ بزنس السفر: “قمنا بعمل محضر مجمع، واخترنا ثلاثة أشخاص، ليمثلوا الجميع أمام العرض على النيابة، لكن الثلاثة استدرجهم محامي الخصم، ودفعوهم إلى التصالح، دون إخبار باقي العمال، وضاعت حقوقنا”.

إعلانات الوظائف الوهمية على الإنترنت

تعرض عبد العزيز حبيب، 40 عامًا؛ لمحاولتيّ نصب، كانت المرة الأولى في مارس 2020، حيث جاء عبد العزيز، والذي يعمل مراقبًا صحيًا من محافظة الشرقية إلى شارع فيصل بمنطقة الهرم، وخسر خلال الرحلة جواز سفر، ومبلغ مالي قدره 2000 جنيه، لكنه لم يتخذ أي إجراء قانوني.

القصة بدأت معه من خلال إعلان عن وظيفة في سلطنة عمان براتب شهري 350 ريالاً عمانيًا، أي بما يعادل 915 دولاراً أمريكيًا.

يروي عبد العزيز القصة، .. العرض عجبني، خدت العنوان ورقم التليفون، ورحت على المكان، وبعد ما أخدوا الفلوس، والجواز قفلوا المكتب وأرقام تليفوناتهم، يستكمل: لما رحت أسأل في العمارة، لقيت الشقة مغلقة، تواصلت مع صاحب العمارة قالي أحمد ربنا، ورفض يعطيني أي بيانات”.

في المرة الثانية، لرحلة عبد العزيز للبحث عن السفر، وقعت في فبراير 2022، حرر محضر في قسم حدائق القبة، واكتشف، أن ما يقارب 100 شخص، قاموا بتحرير محاضر نصب في نفس مكتب العمل الذي كان مقره شارع مصر والسودان.

وتم جمع مبالغ مالية من المواطنين بحجة السفر ما يصل إلى 300 ألف جنيه، ما يزيد عن 9700 دولار أمريكي، ويضيف: “وجدت المباحث عندهم علم بالموضوع، وطلبوا مني عمل محضر فقد لجواز السفر، وليس محضر نصب، لكنني أصريت على عمل محضر نصب”.

كان السفر هذه المرة إلى الكويت، وكمحاولة من مكتب العمل الوهمي، بأن يكون العرض جادا ومصدقا، طالبوا من الراغبين في السفر دفع 10 آلاف جنيه، بما يعادل 295 دولارا أمريكيا.

جلبوا له سمة الدخول إلى الكويت، وهي وثيقة تخرج من الجوازات الكويتية، يتم تقديمها مع جواز السفر، ومن خلالها يستطيع المسافر الحصول على تأشيرة السفر إلى الكويت.

ويضيف: “أرسلتها لأخي الذي يعمل في الكويت، وقام بالاستعلام عنها، واكتشف أنها مزورة، وليس لها أي أساس من الصحة”.

انتحال صفة سعوديين من أجل النصب

القصة بدأت مع خالد هشام، مهندس زراعي، 27 عاماً، عند قراءة إعلان على الفيسبوك، يطلب مهندسين زراعيين للعمل في شركة “وجاء” للمبيدات الحشرية بالسعودية.

تواصل خالد معهم، وطلبوا منه الحضور لمكتب في منطقة الدقي، من أجل عمل مقابلة شخصية مع الكفيل السعودي، ومعرفة الأوراق المطلوبة.

يقول أحمد هشام، شقيقه: “سافر أخي من المنصورة إلى القاهرة، وقابل شخصا يدعي، أنه سعودي، وقال له، إنه مقبول وعليه، أن يجهز أوراقه للسفر، وأن يتابع التفاصيل مع المكتب”.

من هنا، بدأت مرحلة استنزافه مادياً، في البداية عليه، أن ينهي الأوراق والتصديق عليها من السفارة السعودية بمصر من خلال المكتب فقط، والكشف الطبي أيضاً بمضاعفة لتكلفة الرسوم.

يستكمل القصة، بما فيها من تفاصيل: “يعني الورقة اللي تحتاج مائة جنيه ياخد 400 جنيه الكشف الطبي قيمته مثلا، 2000 جنيه، لكن المكتب يحجز من خلاله، وياخد 5000 جنيه”.

استشعر الأخ الأكبر، أن شقيقه يكاد أن يغمس قدميه في بركة نصب، خاصة بعد أن أنهى الأوراق جميعها، وأنتظر الحصول على تأشيرة السفر، كان المكتب يرد على استفسارته بخصوص التأشيرة بحجج غير مصدقة.

ويضيف: “كل ما نسألهم التأشيرة هتيجي أمتى، يعتذروا ويقولوا لسه بدري لحد شهرين، تأجيل لأسباب غير منطقية يقولوا أصل التأخير من السفارة نفسها مرة أصل الأوراق لسه بتتراجع”.

توصل الشقيقان في النهاية، أن مكتب العمل مزيف، ولا يوجد لديه أي عقود عمل، أو تأشيرات بعد خسارة 15 ألف جنيه، بما يعادل 500 دولار أمريكي، ويضيف: “إحنا رحنا وعملنا مشكلة، واتهمناهم بالنصب، وقالوا إحنا هنشفلك فيزا غيرها، وبعدين المكتب والناس فص ملح وداب”.

البحث عن مهرب

“كلنا بنتمسك بأي أمل لحياة أفضل بره مصر، والأمل دا بيخلي الناس تدفع شقى عمرها”.

في مكتب عمل بمنطقة مدينة نصر، بالقاهرة تقدم مجدي هاني، 33 عاماً، والذي يعمل مهندسا، بطلب هجرة إلى أستراليا، مقابل 30 ألف جنيه، أي بما يزيد عن 900 دولار أمريكي، يتم تسديدها على دفعتين، بعد سداد الدفعة الأولى، وتسليم أوراق سفره للمكتب، ألح عليه الموظف لتسليم القسط الثاني.

يقول مجدي: “حرفيًا كان كل ساعة بيبعت رسالة عشان أبعت له الفلوس وبعدها بيومين اختفى”.

أسرع مجدي بالذهاب إلى مقر المكتب، ووجد ارتباك حاد بين العاملين هناك، وحاولوا إقناعه، أن الموظف أراد النصب عليه، وبفضل مساعدة صديق له على علاقة ببعض العاملين بهذا المكتب، استطاع استرداد أمواله، بينما آخرين فقدوها.

يقول: “لولا صديق ليا ساعدني استرد فلوسي، كانت راحت عليا زي اللي قبلي”.

نصب وخراب ديار وحبس في سجن الصليب الأحمر

بحسب أشرف السعدني، محامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، فإن مجموعة من الشباب المقيمين بقرية طوخ بمحافظة القليوبية، وقعوا ضحية نصب من قبل شخص يقيم في إيطاليا.

تواصل هذا الشخص مع أبناء قريته، وأوهمهم بقدرته على إتاحة فرص عمل لهم في الخارج، شرط أن يدفع كلاً منهم 100 ألف جنيه، بما يعادل 3,264 دولارات أمريكي، وعلى هذا الاتفاق، انتهوا من تجهيز أوراقهم؛ استعداداً للسفر، وقاموا بتحويل الأموال له، وتعاون معه في مصر أشخاص آخرين، تسلموا من الضحايا الأوراق الشخصية الخاصة بهم.

وبدأت الرحلة بأتوبيس من الإسكندرية، حتى ليبيا، وبعد وصولهم ليبيا، وضعوهم في مراكب للوصول إلى إيطاليا عن طريق ليبيا بحرًا، جميعهم استسلموا للأمر الواقع، عدا واحد منهم هرب، وعاد إلى مصر.

بينما باقي من اتخذوا قرار الهجرة، اندفعوا الى المركب، وقبل وصلولهم إلى إيطاليا بمسافة 3 كيلو مترات، ألقى بهم المهربون في المياه، أنقذهم الصليب الأحمر، لكن ظلوا محتجزين على الحدود الإيطالية لمدة شهرين، قبل ترحيلهم إلى مصر.

ويضيف أشرف: “بعض الذين عادوا، قاموا بتجميع رجال من عائلاتهم، وذهبوا إلى عائلة وسيط السفر الذي قام بالنصب عليهم، وخطفوا أطفال من أفراد أسرته كوسيلة؛ للضغط عليه، حتى يعيد لهم الأموال، وتمكن بعضهم من استرداد أمواله”.

أحد الضحايا توجه إلى مكتب المحامي، لمساعدته في إيجاد حل، يعيد له أمواله، لكنه لم يلجأ إلى القانون، واستخدم الحل الودي؛ لاستعادة المال، ويضيف: “بعض الأفراد الذين استطاعوا الوصول إلى إيطاليا، انخرطوا في المجتمع والعمل هناك، لكنهم لا زالوا هاربين، وإذا تم الإمساك بهم، سوف يتم ترحيلهم على الفور”.

شركات نصب عالمية

خسر عبد الرحمن السعيد، 66 ألف جنيه، بما يعادل 2200 دولار أمريكي، في محاولة منه؛ لإيجاد تأشيرة هجرة إلى أستراليا، هذه الواقعة تمت من خلال شركة تعرف باسم wwics، إذ نجحوا في استدراجه، وإقناعه، أنهم قادرون على توفير فرصة للهجرة، والعمل بأستراليا. بالفعل، أرسل عبد الرحمن إليهم الأوراق المطلوبة والرسوم، المتفق عليها، لكن مرت الأيام، دون استجابة.

يقول: “رجعت أدور على المكتب الرئيسي للشركة، لقيته في الهند، وكل ما أحاول اتصل بيهم ميردوش، أو يكنسلوا عليا، ودخلت في دوامة اتصالات، وفي الأخر خسرت فلوسي”.

بعد فترة اكتشف عبد الرحمن، أن الشركة لها ضحايا عدة من خلال مجموعة، دشنها أحد الضحايا، وتضم ضحايا آخرين بتجارب مختلفة، تحت اسم : “victims of wwics  Qatar “.

كيف تكتشف فخ النصب؟

وبحسب محمد عبد الرؤوف عبد الله عزب، المحامي بالنقض، فإن هناك عقوبات على عمليات النصب، يشير إلى المادة 336 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937، والتي تنص على حبس المتهمين في قضايا النصب، والاحتيال من يوم حتى ثلاث سنوات.

حول كشف ألاعيب النصابين، يقول: يجب التأكد من معلومات الشركة التي تطلب موظفين، بحيث إن كانت معلوماتها غير كافية وغير واضحة، تصبح على غير مصداقية، والإعلان مثير للشكوك.

يلفت النظر إلى الراتب الشهري المعلن عنه، حيث إن كان مغري، ولا يتناسب مع متوسط الرواتب المحددة في الأسواق، حسب متطلبات الوظيفة، فهذا يدل على أنه إعلان وهمي؛ لاصطياد ضحايا.

كما ينصح حسين عادل، محامي تأسيس شركات، أنه يستوجب على الراغب في السفر مراجعة أوراق الشركات التي تطلب موظفين بالخارج، وتاريخ ترخيص هذه الشركات، ويضيف: “كلما كان تاريخ التسجيل قديم، كلما أعطى الشركة مصداقية أكثر للتعامل، ويجب الاطلاع على البطاقة الضريبية للشركة وسجلها التجاري”.

وذكر عادل، أن الشركات التي تطلب بيانات الحساب البنكي الخاصة، أو تطلب من المتقدم للوظيفة رسوم مبالغ فيها، أو إرسال وديعة من العلامات، تصبح مثار شك.

ويضيف: “لو الشركة اتصلت بأحد المتقدمين، دون إجراء مقابلة معه، وطلبت منه دفع رسوم مالية؛ للتسجيل مثلاً، فهذه وسائل للنصب وليس للتوظيف”.

مصر لم تسجل خروج أي مركب هجرة غير شرعية من السواحل المصرية، منذ عام 2016، وفي نفس العام أصدرت قانون رقم 82 لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ومعاقبة المؤسسات التي تنظم تهريب المهاجرين، كما شمل القانون تأسيس لجنة وطنية؛ لمكافحة هذه الجرائم، هكذا تعلن الحكومة.

إلا أن هناك وسائل بديلة يتخذها البعض سبيلاً للهجرة غير النظامية، كالطرق البرية، خلال  نوفمبر 2022، قامت السلطات الليبية بترحيل 49 مهاجرًا مصريًا، كانوا قد دخلوا إلى ليبيا بطريقة غير شرعية، ويتخذ المهاجرون المصريون ليبيا معبراً؛ لدخول أوروبا بشكل غير شرعي.

تشير النشرة السنوية للجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء، إلى أعداد المهاجرين المصريين، والذين اكتسبوا صفة المهاجر، بلغ عددهم 317 مهاجرًا، العام الماضي.

وخلال عام 2021، بلغ عددهم 388 مهاجرا، وتراجع عدد المهاجرين في 2020 إلى 184 مهاجرا؛ بسبب جائحة كورونا، فيما كان عدد المهاجرين، خلال 2019 قد وصل إلى 350 مهاجرا.

وتشهد السنوات الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المهاجرين، حيث وصل عددهم في 2014 إلى 505 مهاجرين، بينما في 2010 كان عددهم 616 مهاجراً مصرياً.