نشرت مجموعة الأزمات، تحليلا عن أبعاد السياسة الخارجية للسعودية، منطلقة من رؤية 2030 كطريقة لفهم التحولات، وكذلك أدوار الوساطة التي تقوم بها الرياض، واستضافتها قمما دولية، إضافة إلى تخفيف الاعتماد على واشنطن، واعتمد التحليل الذى كتبته Anna Jacobs المتخصصة في شؤون مجلس التعاون الخليجي في جانب منه على آراء ومقابلات مع خبراء سعوديين.

بنجاحات متفاوتة، تحاول السعودية، إعادة صياغة نفسها على الساحة الدولية؛ وصل حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى تريليون دولار عام 2022 للمرة الأولى، وتتخذ خطوات ليتأهل اقتصادها لمواكبة التحول العالمي للطاقة، مع  اعتماد أقل في سياستها الخارجية على الولايات المتحدة.

وتشكل السياسات الجديدة التي يطبقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، طريقا لتعزيز قبضته على السلطة، كما تجعل البلاد أقل اعتمادًا على صادرات النفط والغاز، وتستهدف سياسات السعودية أن تكون قوة متوسطة ومهمة، كما تسعى لتحقق مصالحها من خلال توسيع علاقاتها الخارجية ونفوذها عبر جهود الدبلوماسية والوساطة عالية المخاطر.

ومع ذلك النهج، والتغيرات المتلاحقة اقتصاديا وسياسيا، إذا لم تقم الرياض بإجراء مزيد من التغييرات، فمن المرجح أن تفشل في الوصول لمستوى طموحها وآمالها في ريادة المنطقة.

رؤية السعودية 2030:

واحدة من الطرق لفهم السياسية السعودية تتمثل في رؤية 2030، وهي مبادرة التنمية التي أطلقها ولي العهد في عام 2016 الهدف منها تحسين وضع السعودية لمواجهة التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة، واتباع التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على مبيعات المواد الهيدروكربونية، لكن ذلك ليس بالأمر الهين حيث يشكل النفط 74 % من جميع الصادرات.

وقد استمرت عقلية التنويع حتى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، مما دفع أسعار الطاقة العالمية إلى مستويات عالية جديدة، أدى ذلك إلى أرباح قياسية في عام 2022 لشركة أرامكو السعودية، وهي شركة حكومية.

وصرح المسئولون السعوديون لـ”مجموعة الأزمات”، أنهم  رغم مشاهدتهم لارتفاع الأسعار كفرصة أخيرة لجني الفوائد من الثروة الهيدروكربونية، إلا أن هناك جهودا مستمرة من جانب المملكة في السعي إلى توسيع نشاطها الاقتصادي غير النفطي.

كما يجري تعزيز السياحة (الدينية وغير الدينية) وتأمل المملكة في جذب الأجانب ورؤوس الأموال من خلال مشاريع ضخمة مثل نيوم لاين، وهي مدينة خطية لا يزيد عرضها عن 200 متر وتمتد لمسافة 170 كيلومترًا على طول ساحل البحر الأحمر، وتعمل بالطاقة المتجددة وتستوعب تسعة ملايين شخص.

تعتمد رؤية 2030 أيضًا على صندوق الثروة السيادية السعودي الذي تبلغ قيمته 700 مليار دولار للقيام باستثمارات غير مسبوقة في تطوير القطاعات غير النفطية، مثل الطاقة المتجددة والرياضة والترفيه والذكاء الاصطناعي.

كما تعتزم السعودية تطوير دوري كرة قدم احترافي خاص بها من خلال الاستحواذ على نجوم بارزين مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيمة ونيمار، فضلاً عن الاستثمار في ألعاب القوى التنافسية في الخارج، بما في ذلك المليارات المخصصة لكرة القدم والجولف والفنون القتالية المختلطة بخلاف الرياضات الأخرى.

إصلاح يركز على المجال الاجتماعي

بدأ ولي العهد بإصلاحات جزئية لعمل انفتاح داخل المجتمع السعودي المحافظ، لدعم خططه للتنويع الاقتصادي، وكما لاحظ المحللون، فهذه الإصلاحات تركز بشدة على المجال الاجتماعي والثقافي، حيث يعرض فيها محمد بن سلمان نسخة أكثر تسامحاً من الإسلام السني لتحل محل النزعة الوهابية، المتشددة في التفسيرات.

كما يقود الإصلاحات التي تهدف إلى منح المزيد من الحقوق للمرأة على وجه الخصوص، وتشمل هذه حل جماعة الأمر بالمعروف سيئة السمعة التي كانت تراقب الالتزام الصارم بالعقيدة الدينية؛ والسماح للمرأة بقيادة السيارة؛ وإسقاط شرط حصول المرأة على موافقة ولي الأمر للعمل أو السفر.

لكن عندما يتعلق الأمر بالحقوق السياسية، يظل الوضع قاتما، فلا يزال محمد بن سلمان مستمرا في الحفاظ على نظام ملكي مطلق، ويحكم بقبضة من حديد ولا يترك مساحة لآراء سياسية معارضة، كما يواجه المواطنون السعوديون الاعتقال بسبب انتقادهم بشكل معتدل لسياسات الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو هذا واضحا في إحدى القضايا البارزة الأخيرة، حيث حكمت السلطات بالإعدام على مدرس متقاعد (وشقيق معارض يعيش في المنفى في المملكة المتحدة)، محمد الغامدي، لأنه كشف الفساد بين متابعينه (على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي) الذين لا يزيد عددهم على عشرة.

وهذه العقوبة هي الأشد التي تصدر بسبب نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تلقى مواطنون آخرون استخدموا مثل هذه المنصات للتعبير عن عدم موافقتهم على سياسات الحكومة أحكامًا بالسجن لفترات طويلة، تتراوح بين عشرين و45 عامًا.

إطلاق سراح نساء وسجن أخريات

ورأينا حين أطلق محمد بن سلمان سراح بعض الناشطات البارزات اللاتي سُجن بتهمة الترويج لحق المرأة في قيادة السيارة، في المقابل تم احتجاز أخريات، مع بقاء العشرات منهن رهن الإقامة الجبرية وغير قادرات على مغادرة البلاد.

كما لم يستهدف المجتمع المدني والمواطنين العاديين الذين يجرؤون على التحدث بصوت عالٍ فحسب، بل استهدف أيضًا أفراد النخبة السياسية والاقتصادية السعودية القوية، بما في ذلك أفراد العائلة المالكة، يتضح ذلك في الواقعة الشهيرة عام 2017، عندما أمر باعتقال مئات الأمراء وكبار رجال الأعمال وشخصيات بارزة أخرى، وأجبرهم على تسليم ثرواتهم في محاولة واضحة للقضاء على المعارضين المحتملين لحكمه، في ما يسمى بحملة لمكافحة الفساد.

التركيز على الخارج

بدأ ولي العهد السعودي في اتباع سياسة خارجية تركز بشكل جديد على المبادرات الدبلوماسية، لتكملة إصلاحاته الداخلية غير المتكافئة سواء لتسهيل العلاقات مع جيران المملكة أو لحل الصراعات الطويلة الأمد داخل الشرق الأوسط وخارجه.

وتهدف السعودية إلى توسيع علاقاتها الخارجية بهدف أساسي هو تنوع الطرق لجلب المزيد من الاستثمار الأجنبي، مثال على ذلك استضافة الرياض لعدد مذهل من مؤتمرات القمة الكبرى مع مجلس التعاون الخليجي، وكذلك الولايات المتحدة والصين ودول آسيا الوسطى.

من بين دول أخرى، ومن بين زعماء العالم الذين زاروا المملكة في هذا السياق الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا. وكجزء من مجلس التعاون الخليجي، شاركت المملكة العربية السعودية أيضًا في الاجتماع الوزاري المشترك السادس بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي للحوار الاستراتيجي في موسكو، وهي كلها احداث جرت العام الماضي.

استعادة العلاقات الدبلوماسية

وقامت المملكة بالعديد من المناورات الجيو ستراتيجية بالإقليم، حينما بذلت جهداً كبيراً في حل النزاعات مع جيرانها وترسيخ مكانتها كقوة دبلوماسية ذات ثقل إقليمي وعالمي، وأنهى السعوديون حصارًا دام قرابة أربع سنوات على قطر في يناير 2021؛ واستأنفت المملكة العلاقات الدبلوماسية مع إيران في مارس بعد أكثر من سبع سنوات من قطع العلاقات، وتجري محادثات مع المتمردين الحوثيين في محاولة لإنهاء التدخل العسكري للمملكة في اليمن.

وأسست المملكة مجلس البحر الأحمر في عام 2020 الذي يضم جميع الدول المطلة على الحوض، وفي عام 2023، أصبحت الرياض شريك حوار مع منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة أمنية لإقليم أوراسيا تضم الصين وروسيا والهند، كما أجرت محادثات لتصبح عضوا في مجموعة البريكس. وهو ما تم بالفعل.

كما قامت على مدى الأشهر القليلة الماضية بتيسير المفاوضات بهدف إنهاء الحروب الوحشية والمستعصية على ما يبدو في السودان وأوكرانيا، واستضافة محادثات بشأن السودان في الفترة من مايو إلى يوليو، وأوكرانيا في أغسطس.

وتقول الرياض إن الدافع وراء ذلك هو الرغبة في مناخ أعمال إقليمي أفضل. وقال مسئول سعودي لمجموعة الأزمات إن “الرؤية السعودية 2030 لن تنجح من دون الاستقرار والأمن الإقليميين”.

ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك، حيث يستفيد النهج الجديد من تصور أن الولايات المتحدة أصبحت غير موثوقة في دورها الفعلي منذ فترة طويلة كضامن لأمن الخليج، مما يضع ضغوطا على ادارة الحكم السعودي لخلق مناخ جيو سياسي يفضي إلى أهدافها ويحقق مصالحها.

إعادة النظر في الاعتماد على الولايات المتحدة

تراكمت المخاوف السعودية بشأن استمرار اعتمادها على دعم الولايات المتحدة، بدأ ذلك من غزو الرئيس جورج دبليو بوش للعراق في عام 2003، والذي حاول السعوديون ثني الولايات المتحدة عن شنه، كما أثار تعامل الرئيس باراك أوباما البارد مع شركاء الولايات المتحدة منذ فترة طويلة مثل حسني مبارك في مصر وسط الانتفاضات العربية عام 2011، غضب الطبقة الحاكمة السعودية، وشعر السعوديون بالفزع أكثر من الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع إيران عام 2015، والذي قالوا إنه سيوفر لطهران الأموال اللازمة لتمويل استعراض قوتها الإقليمية.

واحدة من الحلقات التي وجدها السعوديون مزعجة بشكل خاص كانت عندما فشلت الولايات المتحدة في الرد بشكل مناسب، من وجهة نظرهم، بعد هجوم كبير شنته إيران على منشآت أرامكو في عام 2019، والذي أدى إلى توقف حوالي نصف إنتاج النفط في البلاد مؤقتًا، في حين ردت إدارة الرئيس دونالد ترامب في البداية على الهجوم، بخطاب متشدد، وقالت أن الولايات المتحدة “جاهزة ومستعدة”. لكنها بعد ذلك أشارت أنها لا تريد الحرب مع إيران ورفضت التدخل عسكريا، وابدى السعوديون قلقهم بشكل خاص من تخاذل الولايات المتحدة في عهد رئيس “أي ترامب” اعتبروه صديقًا وحليفًا، وبذلوا جهودًا كبيرة لكسب وده.

لقد سلطت هذه الأحداث الضوء على مدى ميل السياسة الأمريكية إلى الخضوع للمصالح والضغوط السياسية بغض النظر  عمن يجلس داخل البيت الأبيض.

استمرار استراتيجية الحذر

ولم يؤد انتخاب الرئيس بايدن لاحقا إلا إلى زيادة الشعور في الرياض بأنها بحاجة إلى نهج مختلف جذريًا، حتى لو كان ذلك يعني التقارب مع الجيران الذين كانت علاقاتها معهم متوترة تقليديًا، خلال حملته الرئاسية، هاجم بايدن السعودية بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان وسلوكها في اليمن. كما حذر المملكة من أنها “ستدفع ثمن” مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي (المقيم في الولايات المتحدة) عام 2018.

وبعد فوزه في الانتخابات، أصدر بايدن تقريراً للمخابرات الأمريكية جاء فيه أن ولي العهد وافق على عملية “القبض على أو قتل” خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول. كما أنهى الدعم الأمريكي ـ” للعمليات الهجومية” السعودية في اليمن.

ومنذ ذلك الحين، تراجعت إدارة بايدن بشراسة، حيث زار الرئيس بايدن المملكة لحضور مؤتمرات قمة ثنائية ومتعددة الأطراف، ومهّد الطريق لإنهاء “المواجهة سيئة السمعة” بين بايدن ومحمد بن سلمان.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت تغازل صفقة من شأنها توسيع الضمانات الأمنية الأمريكية والدعم لبرنامج الطاقة النووية السعودية  المدنية مقابل صفقة تطبيع سعودية إسرائيلية غير متوقعة.

ومع ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن الرياض تنوي الانحراف عن استراتيجية الحذر التي تبنتها فيما يتعلق بالولايات المتحدة.

جزء كبير من جهود المملكة العربية السعودية للابتعاد عن اعتمادها التقليدي على الولايات المتحدة هو تعميق العلاقات السياسية والاقتصادية مع القوى المنافسة مثل الصين وروسيا، فضلاً عن وضع نفسها كزعيم رئيسي لما يسمى بالجنوب العالمي.

ووصف خبراء خليجيون هذه المناورات بأنها تخدم هدف الرياض المتمثل في تشجيع “حركة عدم الانحياز” الجديدة، والتي تتولى فيها دورًا قياديًا. ومن جانبهم، يقول المسئولون والخبراء السعوديون إنهم ببساطة يظهرون قومية “السعوديين أولاً” التي أصبحت روح السياسة الخارجية للمملكة.

تحول محمد بن سلمان

يمكننا فهم بعض عناصر السياسة الخارجية الجديدة للمملكة كجزء من جهد محمد بن سلمان لإعادة تشكيل صورته الدولية، نتيجة لقيامة بتداخلات تم انتقادها والاستهزاء بها على نطاق واسع باعتبارها قسرية وحتى وحشية، بينما لم تفعل سوى القليل لتحقيق الأهداف السعودية، وشملت هذه تدخلات المملكة في اليمن المجاورة بدءاً من عام 2015؛ وفرضها الحصار الجوي والبري والبحري على قطر من عام 2017 إلى أوائل عام 2021؛ هذا بجانب اختطاف رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، والتنكيل به في عام 2017؛ ومقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر 2018.

أدى التدخل فى اليمن إلى تعزيز الدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين؛ وأدى إلى هجمات (منسوبة إلى إيران) على أراضي السعودية والتى تضررت سمعتها بسبب العدد الكبير من الضحايا المدنيين من اليمنيين .

كما فشل حصار قطر في الحصول على دعم أوسع من الدول المشاركة الأخرى – الإمارات والبحرين ومصر – وانتهى في النهاية دون أن تلبي الدوحة أيًا من مطالب الرياض.

وقد أثار احتجاز الحريري واستقالته القسرية المؤقتة في السعودية، غضب زعماء العالم وعمق مخاوفهم بشأن حكم محمد بن سلمان ومزاجه. لقد أدى مقتل خاشقجي البشع إلى نفور العديد من المؤيدين التقليديين للمملكة في الكونجرس الأمريكي، وبشكل تراكمي، جعلت هذه التحركات محمد بن سلمان لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من القادة الغربيين، وهو الأمر الذي لم يخدم مصالح المملكة رغم ما تبذله من نشاط وتركيزها على العلاقات الطيبة مع دول الجوار فى مقابل تخفيف الاعتماد على واشنطن.

أربعة تحديات

ومهما كانت الفوائد التي قد تجنيها السعودية من إعادة ضبط سياستها الخارجية (وسوف يكون هناك بعض الفوائد بلا شك)، فإنها سوف تواجه حواجز على الطريق ما دامت التحديات الأساسية الرئيسية باقية دون معالجة.

أولاً، لم تفعل المملكة سوى أقل القليل لحل الخلافات الأساسية مع جيرانها، وخاصة إيران، فقد أعادت الدولتان فتح سفارتيهما، وعينتا سفراء، وتبادلتا وفود كبار المسئولين. ومع ذلك، فإنهم لم يعالجوا بشكل هادف مصادر الاحتكاك القديمة، بما في ذلك علاقات إيران مع الميليشيات في جميع أنحاء المنطقة.

وكذلك تدخل كل جانب في الشؤون الداخلية للآخر، والنزاعات الحدودية البحرية وغيرها. ومن المرجح أن تكون معالجة هذه القضايا في محادثات ثنائية وإقليمية جادة.

عمليات الوساطة

ثانياً، من شبه المؤكد أن المملكة تفتقر لاتخاذ مجموعة واسعة من المبادرات الدبلوماسية وهي تواجه بالفعل تحديات في العديد من ملفات الصراع، بما في ذلك اليمن والسودان، فجهود الوساطة في مثل هذه النزاعات التي تحاول حلها، معقدة للغاية، كما تتطلب قدرة الرياض على التعامل مع العديد من عمليات الوساطة الرئيسية في وقت واحد.

كما أن هناك خطرا أن تتحمل السعودية أكثر مما تستطيع أثناء المفاوضات، ومع ذلك، في الوقت الحالي، لا تظهر أي اهتمام بتقليص طموحها.

وقد أعرب المسئولون السعوديون عن رغبتهم في لعب دور أكبر في التوسط في حرب أوكرانيا بعد الاجتماع الناجح بشكل مدهش في جدة في أغسطس والذي ضم الصين، حتى أنهم اقترحوا على “مجموعة الأزمات” أنهم يستكشفون سبل إعادة إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، كما يواصلون الدعوة إلى مبادرة السلام العربية لعام 2002.

المنافسة مع الإمارات

ثالثًا، تواجه المملكة العربية السعودية منافسة من جارتها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لا ترغب بالضرورة في رؤية الرياض تبرز كقوة دبلوماسية واقتصادية في المنطقة، وتعتبر الإمارات قوة إقليمية ثقيلة في حد ذاتها، ولديها سياساتها الاقتصادية والخارجية الطموحة، وهناك خلاف متزايد مع الرياض حول القضايا السياسية والاقتصادية، بما في ذلك الجهود المبذولة لحل حرب اليمن، وسياسات إنتاج النفط المتباينة، والنفوذ الجيو ستراتيجية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وطرق التعامل مع ملفات الوساطة الرئيسية مثل السودان.

رابعًا، سجل الرياض في مجال حقوق الإنسان سيظل مهمًا في العلاقات الأمريكية السعودية. لدى العديد من السياسيين الأمريكيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني ويمكن، في بعض الظروف، أن تخلق تكاليف سياسية لأي إدارة تقترب من ولي العهد أكثر من اللازم.

وتزداد هذه التكاليف عندما تظهر أخبار مثل تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير عن قيام حرس الحدود السعوديين بقتل مئات المهاجرين الإثيوبيين على الحدود السعودية اليمنية، أو الحكم بالإعدام على الغامدي.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن إدارة بايدن مستعدة لاستيعاب هذه التكاليف، وفي حين أن استراتيجية التحوط التي تتبعها الرياض تعني أنه سيكون لديها أصدقاء أقوياء بغض النظر عن الطريقة التي تهب بها الرياح في واشنطن، فإن المملكة التي تريد أقصى قدر من المرونة للتمحور بين معسكرات القوى الكبرى ستحتاج إلى تحسين عملها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

النجاح النهائي لرؤية 2030 لا يزال في خطر

وفقا لملخص ما قاله المسئولون السعوديون لـ”مجموعة الأزمات”، تتطلع السعودية لمكانة أكثر بروزا باقتصاد متنوع، وأن تكون قائدة إقليمية تعيش في سلام مع جيرانها، وأن يُنظر إليها على أنها صاحبة ثقل دبلوماسي.

وهذه الأهداف لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه إذا أرادت المملكة تحقيقها. إذا تمكنت المملكة من التعامل مع التحديات الأساسية الرئيسية – التعامل مع القضايا الأساسية التي تثير التوترات مع طهران، وتطوير قدرتها الدبلوماسية، ووقف دوامة المنافسة مع الإمارات والتعامل بجدية أكبر مع الحاجة إلى حماية حقوق الإنسان، حينها ستكون الفجوة بين تطلعات الرياض والواقع تبدا فى أن تضييق. وحتى ذلك الحين، ربما تظل قادرة على إحراز تقدم على جبهات معينة، ولكن من المرجح أن يظل التحول الشامل بعيد المنال، وسيكون النجاح النهائي لرؤية 2030 في خطر.