كشفت وزارة المالية عن سداد 52 مليار دولار، أقساط وفوائد للتمويلات المستحقة عليها خلال العامين (2021 – 2022) و(2022 – 2023)، وهي مبالغ تزيد على الاحتياطي النقدي من العملات الدولارية بنحو 17 مليار دولار.

بحسب تصريحات وزير المالية الدكتور محمد معيط، خلال لقاء مع مجموعة من الصحفيين، فإن مصر سددت خلال النصف الأول من العام الجاري  25.5 مليار دولار مُستحقة عليها، وهي مبالغ لا تتضمن 23 مليار دولار من الاستثمارات قصيرة الأجل “الأموال الساخنة” التي خرجت من مصر بعد الحرب “الروسية ــ الأوكرانية”.

يستهدف “معيط” إرسال رسائل ثقة حول قدرة الاقتصاد المصري على السداد، وسط عدة تقارير سلبية من مؤسسات تصنيف ائتمانية عالمية، تحذر من ملف الديون الخارجية بمصر، واحتمالية  التخلف عن السداد.

تأتي رسالة “المالية” قبل طرح سندات ساموراري اليابانية، وباندا الصينية، بالأسواق الآسيوية، موزعة 500 مليون دولار، لكل منهما.

لكن تثير المبالغ التي سددتها وزارة المالية تساؤلات حول كيفية جمعها، في ظل ضخامتها، إذ تعادل نحو 55% من إجمالي المبالغ التي تم تسديدها في 6 سنوات كاملة.

ففي الفترة من يوليو 2016 حتى سبتمبر 2022، سددت “الخزانة المصرية” التزامات دولية بقيمة 96 مليار دولار.

 كيف جمعت المالية 25.5 مليار في 180 يومًا؟

 

الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي
الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي

لم يحدد وزير المالية الموارد التي من خلالها، جمع تلك الأموال، لكن تتبع بيانات البنك المركزي تكشف عن تحسن كبير في موارد مصر الدولارية، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الماضي (يوليو 2022 ـ مارس 2023).

يري الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، أن وزارة المالية لديها خطة للسداد موضوعة على المدى الزمنى القصير، والطويل والمتوسط، من بين تفاصيلها، إطالة عمر الدين باستبدال الدين قصير الأجل مرتفع الفائدة، بآخر طويل أقل في الفائدة.

بجانب ذلك، هناك موارد دولارية متنوعة، يتم الاعتماد عليها مثل، الصادرات وتحويلات العاملين وقناة السويس والسياحة.

سجل قطاع السياحة ارتفاعًا بنسبة 25.7%؛ ليسجل 10.3مليارات دولار في التسعة أشهر المنتهية بنهاية مارس مقابل 8.2 مليارات دولار، في الفترة ذاتها من العام المالي السابق.

يمثل هذا النمو نقلة كبيرة تصل إلى 16% من إجمالي الإيرادات السياحية، في عقد كامل (سجلت السياحة 63.4 مليار دولار، خلال آخر 10 سنوات- الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء).

في الفترة ذاتها، ارتفعت إيرادات رسوم المرور من قناة السويس بمعدل سنوي 41.4%؛ لتصل إلى 9.9 مليارات دولار، مقابل سبعة مليارات دولار في الفترة نفسها من العام المالي السابق له.

كما ارتفع صافي التدفق للداخل للاستثمار الأجنبي المباشر لـ 7.9 مليارات دولار، مقابل 7.3 مليارات دولار، خلال الفترة المقارنة ذاتها.

وارتفعت قيمة الصادرات المصرية، خلال العام الماضي؛ لتسجل نحو 51.642 مليار دولار بنهاية ديسمبر الأول الماضي،  مقارنة بنحو 43.636 مليار دولار، خلال الفترة ذاتها من العام السابق له 2021.

بلغت الزيادة نحو 8 مليارات دولار، بنسبة 18.3%، بينما تراجعت تحويلات المصريين بالخارج لحوالي 17.5 مليار دولار، بعدما كانت 23.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

التزامات كبيرة.. الأموال الساخنة درس للحكومة

بحسب جاب الله، فيجب التركيز على القروض التنموية باعتبارها، لا تضر الاقتصاد، وكونها تمويلا منخفض التكلفة ذو أجل طويل، لا يزيد العبء على الموازنة، مع تعلم الحكومة الدرس، الذي شهدته مصر على مدار السنوات الأخيرة المتمثل، في “عدم ضمان بقاء الأموال الساخنة”، فمع رفع الفائدة بأمريكا، خرجت تلك الأموال، رغم الأداء المصري القوي حينها.

وفقد احتياطي النقد الأجنبي لمصر 7.8 مليارات دولار، خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2022، وعقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة أسعار الفائدة عالميًا، ولم يستطع الاحتياط النقدي، أن يعوضها سوى بملياري دولار.

15 مليار ديون في 6 أشهر

 

الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي
الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادي

تستعد مصر لسداد التزامات دولية تقدر بقيمة 15.1 مليار دولار، قبل نهاية العام الجاري، بينما تم إسقاط بعض الديون وفق برامج مبادلة الديون مع ألمانيا وإيطاليا، ووافقت الأولى في يونيو 2023، على إعفاء مصر من سداد ديون بقيمة 54 مليون يورو، مقابل تمويل إنشاء مشروع ربط مزرعتي رياح بطاقة 500 ميجاوات لكل منهما بشبكة نقل الكهرباء.

بحسب الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، فإن مؤشرات معدل الدين الخارجي كلها “سلبية”، وهو ما انعكس على تصنيف مصر الائتماني أخيرًا، واضعًا الحل في انسحاب الحكومة من النشاط الاقتصادي، لأن مزاحمة القطاع الخاص؛ سبب حدوث العجز.

ارتفع الدين الخارجي المصري إلى 165.361 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي (ينايرـ مارس 2023)، بزيادة قدرها 1.5% مقارنةً بالربع الأخير من عام 2022 (سبتمبرـ ديسمبر 2022) عندما سجل 162.928 مليار دولار.

ويستحوذ القطاع العام والحكومة على النسبة الأكبر من الائتمان البنكي حاليا، عبر طروحات أذون وسندات الخزانة، وبالتالي تحول هدف البنوك من تمويل استثمارات القطاع الخاص إلى إقراض الحكومة في أدوات الدين؛ حتى تلبي الحكومة احتياجاتها التمويلية، وأصبحت المزاحمة كبيرة من الحكومة للقطاع الخاص.

يقول نافع، إن تخارج الدولة يحقق الضبط المالي، وتحفيز المشروعات، فأغلب الديون التي حصلنا عليها لقطاعات الدولة، كان يمكن أن يتم تنفيذها عبر القطاع الخاص، فنحن نستدين، لأننا لا نستطيع السداد، مقترحًا تنشيط سوق السندات، والبورصة المصرية؛ لتحسين وهيكلة الدين الداخلي.

ويطالب خبراء بتطبيق نموذج رشيد في المالية العامة، وتقييم الاستثمارات التي لم تبدأ، أو تأجيلها وتقسيمها لمراحل أطول، خاصة التي تتضمن مكونا دولاريا، ووضع سقف إلزامي للدين العام وإدارته، عبر مجلس أعلى دائم ومستقل، يعرض تقاريره على البرلمان.

الاقتصاد يحتاج إلى حركة تصحيح

ويرى نافع، أن مصر تحتاج إلى حركة تصحيح، تقوم فى الأساس على الضبط المالى؛ بترشيد الإنفاق العام، وتحقيق خفض مستمر فى نسبة الدين العام؛ خاصة الخارجي إلى الناتج المحلى الإجمالى، عبر تخفيض قيمة الدين، وليس فقط عبر زيادة قيمة الناتج المحلى.

ذلك مع إعادة هيكلة لرصيد المديونية، وأن تتضمن شطب نسبة كبيرة من المديونية التاريخية، حتي يكون الضبط المالي مستداما أو ناجحًا.

ومن أدوات الضبط المالى، التي يقترحها نافع، استبدال الديون بالأصول المالية، واستبدال الاقتراض بالمشاركة مع القطاع الخاص، خاصة أن معظم ديون الدول النامية تكمن فى يد القطاع الخاص، من خلال استحواذه على السندات السيادية، وأذون الخزانة.